تقرير تفصيلي لـ"مونيتور" عن رابعة يطالب بمحاكمة السيسي

17 اغسطس 2015
المنظمة وثقت 230 شهادة لمعتصمين حضروا الفض (العربي الجديد)
+ الخط -
طالبت منظمة "هيومن رايتس مونيتور" بمحاكمة كافة المسؤولين المصريين عن جريمة فض ميداني رابعة والنهضة وما تلاها من انتهاكات حتى الآن، كما ناشدت مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع فوري للتنديد بالمجازر والأمر بالتحقيق الفوري فيها، وإحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية والمحاكم الأخرى ذات الصلة.

جاء ذلك في تقرير شامل أصدرته المنظمة في ذكرى فض الاعتصام، تحت عنوان "عامان على مجزرة رابعة العدوية والنهضة والجريمة لم تدخل طي النسيان".

وأكدت المنظمة ضرورة إرسال لجنة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة إلى مصر لإجراء تحقيقات كاملة وغير منحازة، وضرورة إدانة الدول التي تمد السلطات المصرية بالقوة المميتة لاستخدامها في مواجهة المتظاهرين.

وقال التقرير: "يجب محاكمة وإدانة الجنرال عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية محمد إبراهيم، ومدحت الشناوي رئيس القوات الخاصة، ومحمد التهامي رئيس المخابرات العامة، وجميع قيادات الجيش والشرطة الذين خططوا وأداروا ونفذوا تلك المجازر، ويجب نزع السلاح بشكل كامل من قوات الأمن المسؤولة عن الأمن الداخلي وفض التظاهرات".

ودعا التقرير المحاكم المصرية إلى التحقيق في آلاف البلاغات التي تقدم بها أهالي الضحايا، وبدء التحقيق فيها بشكل مستقل وحيادي، وجلب المسؤولين عن تلك الجرائم إلى العدالة.

قتل واعتقال وإخفاء
ونشرت المنظمة توثيقا يفيد بأن الحملة التي قادتها قوات أمنية من الجيش والداخلية المصرية، أودت بحياة نحو 1182 شخصا بميدان رابعة العدوية و90 آخرين بميدان النهضة، بالإضافة إلى الميادين الأخرى التي لم يتم حصر كل ضحاياها.

كما أوقعت تلك الجريمة إصابات لعدد من المواطنين المعتصمين يزيد على 5000 مصاب، بالإضافة إلى اعتقال المئات منهم وفقد العشرات، بالإضافة إلى إخفاء وحرق الكثير من المواطنين الذين ظهرت جثثهم في جرافات الجيش، التي حملتهم لدفنهم في مقابر جماعية بمطار ألماظة ومعسكرات الأمن المركزي، كما تم دفن آخرين في أماكن مجهولة حتى الآن، بحسب شهود عيان.

وبحسب توثيق المنظمة أيضا، فإن أعداد من فقدوا أو اختفوا قسريا خلال عملية الفض قد تجاوز الأربعمائة شخص حينها.

اقرأ أيضاً: حياً أو ميتاً.. أعيدوا ابني الذي ضاع في رابعة

وأشارت هيومن رايتس مونيتور، إلى توثيقها شهادات جديدة، بالإضافة إلى 200 شهادة سابقة، مع 30 شخصا ممن حضروا الاعتصام وأكدوا استخدام القوة ضدهم، وأنهم لم يملكوا ما يدافعون به عن حياتهم.

وتوصل باحثو المنظمة من خلال تلك الشهادات، إلى أن الرصاص لم يفرق بين كبير وصغير، رجل أو امرأة، فكان إطلاق النار يتم بشكل عشوائي، كما توصلوا إلى أن عددا كبيرا من الإصابات والقتلى كان من الظهر أو في أماكن مميتة كالصدر والرأس، ما يعني أن المتظاهرين كانوا يسعون للفرار من وابل الرصاص حين ذاك.

اقرأ أيضاً ‏"رابعة ستوري": 1104 قتلوا في رابعة والنهضة

إصابات بهدف القتل
كما أن الأجهزة الأمنية لم تكن لمجرد فض الاعتصام وإنهائه، لكنها سعت لقتل وإصابة المئات وإحكام السيطرة على أية مخارج تمكن المتظاهرين من ترك الميدان.

وقصّ العشرات لمندوبي المنظمة قصصا تروي أهوال ذلك اليوم، من أشكال الإصابات وخروج أجزاء من المخ والأحشاء خارج الجسم، ولم تكن حينها إمكانات المستشفيات الميدانية مجهزة لاستقبال تلك الحالات، بل تم تدمير المستشفى وإحراق ما فيه من جثث ومصابين تركوا هناك.

وكان من بين الشهادات التي تلقتها المنظمة شهادة تفيد بتهديد الأحياء بالقتل، في حال حاولوا مساعدة المصابين على النجاة أو قاموا بنقل جثث القتلى.

بالإضافة إلى أن بعض الشهادات روت اقتحام الأجهزة الأمنية للمستشفيات الميدانية وتعديها على الأطباء والمصابين، وقتل بعض المصابين الذين كانوا وقتها لا يزالون ينبضون بالحياة.

ويشير العديد من الشهادات في هذا الصدد إلى إمكانية إنقاذ مئات المصابين، إذا كان قد سُمح وقتها بدخول سيارات الإسعاف والأدوات الطبية أو خروج المصابين للمستشفيات الخارجية، لكن تعنت الأجهزة الأمنية التي شاركت في عملية الفض في توفير ممرات آمنة لخروج المتظاهرين لم تسمح بذلك، ليؤكد نية الدولة في قتل المتظاهرين عمدا، وليس فض الاعتصام لفتح الميدان أمام حركة المواصلات.

وأكدت المنظمة أن المئات ما زالوا يعانون جراء تلك الإصابات، والعجز الذي تسببت فيه الدولة للمواطنين الذين أفلتوا من الموت ذلك اليوم.

حيث أصيب العديد من الضحايا بالشلل التام أو بعاهات مستديمة، أفقدتهم القدرة على العمل أو التعلم.

كما فقد الآلاف ممن كانوا يمثلون العائل الوحيد للأسرة، فتعرضت الأسر لمعاناة شديدة، بالإضافة إلى تعنت أماكن العمل الحكومية والخاصة في توظيف المواطنين، بحسب توجهات ذويهم السياسية.

اقرأ أيضاً: عامان على مجزرة رابعة.. الأرض لا تشرب الدماء

اعتقال عائلات
ووثقت منظمة هيومن رايتس مونيتور، اعتقال عائلات بأكملها، من بينهم عائلة الشاب أحمد الشواف؛ وهو ابن الطبيب عبد الرحمن الشواف، الذي اعتقل أولا من داخل المستشفى الميداني بميدان النهضة في 14 أغسطس/آب، وتلا ذلك اعتقال ابنته سمية الشواف وأخيها الذي حاول منع قوات الشرطة من اعتقال أخته في يوم 27 أغسطس 2013، وبقيت في سجن نسائي مع جنائيات بتهمة سب أفراد الشرطة، وحكم عليها بالسجن خمس سنوات غيابيا.

خلال هذين العامين تم اعتقال أخيها مرتين وفصله من عمله مرتين أيضا، ومنعت الشركات التي يعمل بها إعادته إلى العمل بسبب توجه والده السياسي فقط.

انتهاك الطفولة
وتابعت منظمة هيومن رايتس مونيتور أيضا الآثار النفسية والجسدية التي لحقت بالأطفال، فوثقت المنظمة حالة الطفل محمد بليغ "15 عاما" من الجيزة، والذي فشلت كل محاولات أهله لعلاجه واسترداده بصره، بعدما أصيب برصاص الشرطة المصرية أثناء فضهم لاعتصام ميدان رابعة العدوية المشارك فيه آنذاك، حيث تعرض الطفل لمحاولة القتل والتصفية المباشرة أثناء تعبيره عن رأيه ومشاركته في اعتصام سلمي معارض للسلطة في مصر.
 حيث دمرت الرصاصة شبكية عينه وجزءا من المخ، ما أدى إلى فقدانه البصر في كلتا عينيه بعد نزيف في عينه اليسرى بينما انفجرت عينه اليمنى، وكذلك تسببت الإصابة في التأثير على نطقه والذي بات صعبًا، فضلًا عن صعوبة حركته.


 واعتبر التقرير حالة الطفل نموذجا لمئات ممن أصيبوا بعاهات مستديمة جراء تلك الجريمة، ونموذجا واضحا على استهداف الأطفال والنساء خلال الاعتصام.

وأكد التقرير أن ما حدث للطفل من انتهاكٍ جسيمٍ في حقه، عرض حياته وقتها لخطرٍ شديد، خاصةً أنه دخل في غيبوبة استمرت لشهرين، ليستيقظ على صدمة فقدانه بصره.

وهو ما اعتبره التقرير جريمة يجب مساءلة الشرطة والسلطات في مصر عليها، مع ضرورة حساب مرتكبيها، وهو مخالفٌ لما ورد في اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومخالف للعهد الدولي الخاص بحقوق الإنسان المدنية والسياسية، وكذلك العهد الخاص بحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

اقرأ أيضاً: أطفال "رابعة"

الموقف الدولي
كانت منظمة هيومن رايتس مونيتور قد رفعت العديد من الشكاوى، إلى المقرر الخاص بالقتل خارج إطار القانون في الأمم المتحدة، في جرائم الأجهزة الأمنية المصرية الممارسة بحق المدنيين العزل بشكلٍ عام، منذ أحداث 30 يونيو/حزيران 2013 وحتى اللحظة.

وطالبت مرارا بضرورة محاسبة المتسترين على تلك الجرائم من الأجهزة القضائية، التي لم تفتح تحقيقا عادلا منذ عامين وحتى الآن.
كما أنها قدمت تقريرا كاملا عن جميع المجازر التي تم ارتكابها على أيدي السلطات المصرية ضد معارضيها وحتى 25 يناير/كانون الثاني 2014 والتي قدمت فيها أدلة قطعية بأن ما جرى يعد جريمة ضد الإنسانية، في تقرير بعنوان "مجازر مصر: جريمة ضد الإنسانية".

كما لم يقم مجلس الأمن من خلال أي دولة، بمناقشة الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها مصر، أو يوصي بإرسال بعثات تقصي حقائق، وحتى يومنا هذا لم يتم التحقيق في تلك المجزرة ولا إحالة أي فرد متهم فيها إلى العدالة.

وأكدت أن الموقف الدولي كان مخزيا، فيما يخص الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات واحترامها وخصوصا الدفاع عن الحق المقدس في الحياة، فلم يكن هناك رد فعل قوي دولي تجاه تلك الجريمة التي ارتكبت في حق الإنسانية، واستمر مرتكبوها في الاستمتاع بالإفلات من العقاب حتى اليوم، ولم يحرك مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ساكنا باستثناء وصفه للجريمة ضد الإنسانية التي تمت بأنها "مجرد جريمة تاريخية ولا يتعين إغفالها".

اقرأ أيضاً حقوقيون: جرائم "رابعة" و"النهضة" موثّقة دوليّاً​