اعتبر مركز "وورد ووتش" للأبحاث أن تغير المناخ يشكل تهديدًا أكثر خطورة من الإرهاب، وأن تبعاته تفاقم النزاعات الدبلوماسية والتجارية وتحرض على الصراعات العنيفة.
وأوضح مركز "وورد ووتش" للأبحاث المستقل في تقرير نشره اليوم الإثنين، أن عدداً متزايداً من الزعماء الدوليين باتوا يقرون اليوم بمخاطر التغير المناخي، الذي وصفه كبير المستشارين العلميين في المملكة المتحدة، ديفيد كينغ، بأنه "مشكلة أكثر خطورة حتى من تهديد الإرهاب".
ولفت التقرير إلى التحذير المبكر الذي أطلقه العلماء منذ العام 1988، من أن العبث البشري بمناخ الأرض يرقى إلى "تجربة غير مقصودة وغير مسيطر عليها عالمياً يمكن أن تكون عواقبها النهائية في المرتبة الثانية بعد حرب نووية عالمية"، موضحاً أنه منذ ذلك الحين، وثقت مئات من الدراسات العلمية أدلة متزايدة باستمرار على أن الأنشطة البشرية تغيّر المناخ في جميع أنحاء العالم.
ورجح التقرير، ومقره واشنطن، أن يؤدي تغير المناخ إلى اضطرابات شديدة مع عواقب تتزايد باستمرار على الأمن المحلي والإقليمي والعالمي، وأن تحصد حالات الجفاف والمجاعات والكوارث المرتبطة بالطقس أرواح الآلاف أو حتى الملايين من البشر، ما يفاقم التوترات القائمة داخل الدول وفي ما بينها، ويثير النزاعات الدبلوماسية والتجارية. وفي أسوأ الحالات، فإن زيادة الاحترار ستقلل من قدرة النظم الطبيعية للأرض وترفع مستويات البحار التي ترتفع بالفعل، الأمر الذي قد يهدد بقاء الدول الجزرية المنخفضة، ويزعزع استقرار الاقتصاد العالمي والتوازن الجيوسياسي، ويحرض على الصراعات العنيفة.
وأكد مركز "وورد ووتش" الأميركي وجود أدلة متزايدة على أن تغير المناخ يؤثر على أنظمة دعم الحياة التي يعتمد عليها البشر والأنواع الأخرى. وتصل هذه التأثيرات أسرع مما توقعه العديد من علماء المناخ. وذكر أن الدراسات الحديثة كشفت عن تغيرات في أنماط تربية الحيوانات وأنماط هجرتها في جميع أنحاء العالم، من السلاحف البحرية إلى الدببة القطبية. كما برهنت على تقلص الأنهار الجليدية الجبلية بمعدلات أسرع من أي وقت مضى، ما يهدد إمدادات المياه لملايين البشر والأنواع النباتية والحيوانية. وارتفع متوسط مستوى سطح البحار عالمياً من 20 إلى 25 سنتيمترًا (8-10 بوصات) منذ عام 1901، ويرجع ذلك أساسًا إلى الارتفاع الحراري؛ وإن أكثر من 2.5 سم (بوصة واحدة) من هذه الزيادة وقعت على مدى العقد الماضي.
وخلص التقرير الذي أعدته فرقة العمل الدولية المعنية بتغير المناخ، برئاسة مشتركة من السناتور الجمهوري أولمبيا سنو، إلى أن تغير المناخ هو "أهم قضية طويلة الأجل يواجهها الكوكب". ويحذر من أنه إذا زاد متوسط درجات الحرارة العالمية بأكثر من درجتين مئويتين - وهو ما سيحدث على الأرجح في غضون عشرات السنين إذا واصلنا العمل كالمعتاد - فإن العالم سيصل إلى "نقطة اللاعودة"، وربما لا تستطيع المجتمعات التعامل مع معدلات التسارع المتغيرة.
ارتباط التغير المناخي بالفقر والهجرة والإرهاب
ورأى التقرير أن تغير المناخ سيقوض الجهود الرامية إلى التخفيف من حدة الفقر في العالم، ويهدد بشكل مباشر منازل الناس وسبل عيشهم مع زيادة العواصف والجفاف والأمراض وغيرها. كما أنه لا يعيق التنمية فحسب، بل يزيد أيضا من عدم الاستقرار الوطني والإقليمي ويكثف التفاوت في الدخل بين الأغنياء والفقراء. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى مواجهات عسكرية حول توزيع ثروة العالم، أو يمكن أن يغذي الإرهاب أو الجريمة.
وأوضح أن ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفيضانات، وزيادة حموضة مياه المحيطات، إلى جانب زيادة عدد السكان، تؤدي إلى زيادة التركيز على إمدادات الغذاء العالمية المحدودة، وزيادة أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وإثارة الاضطرابات الداخلية أو استخدام الغذاء كسلاح.
كما طرح التقرير إمكانية أن يؤدي تغيّر أنماط هطول الأمطار إلى زيادة التوتر حول استخدام المسطحات المائية المشتركة، وزيادة احتمال حدوث نزاعات عنيفة حول الموارد المائية. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 1.4 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق تعاني من الإجهاد المائي. ويمكن أن يعيش ما يصل إلى 5 مليارات شخص (معظم سكان العالم الحاليين) في هذه المناطق بحلول عام 2025.
وتطرق التقرير إلى التأثيرات الواسعة النطاق لتغير المناخ على موجات من الهجرة، ما يهدد الاستقرار الدولي. ولفت إلى إحدى الدراسات خلصت إلى أنه بحلول عام 2050، سيكون قد فرّ ما يقرب من 150 مليون شخص من السواحل المعرضة لخطر ارتفاع منسوب مياه البحار أو العواصف أو الفيضانات، أو الأراضي الزراعية التي لا تمكن زراعتها. ومن الناحية التاريخية، أثرت الهجرة إلى المناطق الحضرية بشدة على الخدمات والبنية التحتية المحدودة، وساهمت في التحريض على الجريمة أو حركات التمرد، بينما أدت الهجرة عبر الحدود في كثير من الأحيان إلى صدامات عنيفة حول الأرض والموارد.
أوجه الشبه مع الإرهاب
واعتبر التقرير أن الاستجابة التقليدية للتهديدات الأمنية لا يمكن أن تعالج جذور تلك المشاكل السالفة الذكر، ويمكن أن تستمر التأثيرات ذات الصلة حتى إذا تم تخفيض الانبعاثات العالمية بشكل كبير خلال العقود القادمة بسبب التأخر الكبير في التحرك بين انطلاق مسببات التغير المناخي، وحصد النتائج.
ورأى أنه كما هو الحال بالنسبة للإرهاب، نحن نعلم أن النتائج ستحدث، وإن كان من المهم أن نعرف متى وأين ستضرب، لكن الأهم أيضاً معرفة حجم التدمير والكلفة. وقال إن تغير المناخ يحصد بالفعل أرواحاً أكثر من الإرهاب، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يسبب تغير المناخ العالمي الآن وفاة أكثر من 160 شخصا سنويًا.
سياسات صديقة للبيئة
وركز التقرير في خلاصته على جملة مبادرات من شأنها الإسراع في تطوير اقتصاد عالمي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وصديقًا للمناخ، ومنها:
وضع معايير وحوافز للسوق تعزز المباني والمركبات والأجهزة ذات الكفاءة العالية لزيادة ترشيد استهلاك الطاقة.
وضع أهداف وتقديم حوافز للسوق تعتمد تقنيات الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء والتدفئة والتبريد والنقل، بسرعة وعلى نطاق واسع.
تطبيق معايير إنتاج الطاقة النظيفة واستخدامها في البيئة والصحة والأمن، واستبدال أنواع الوقود والتكنولوجيات الملوثة بأخرى متجددة ودعمها لتصبح قادرة على المنافسة.
إنشاء نظم وطنية لمواجهة الكوارث والتجارة لضبط انبعاثات الكربون.