تقرير المنظمة الدولية، الذي اتهم الحكومة السودانية باستخدام أسلحة كيماوية خلال حربها على المتمردين في منطقة جبل مرة بدارفور في يناير/كانون الثاني الماضي، خلق أزمة جديدة في ملف المفاوضات مع الحركات المسلحة، إذ سارعت "الحركة الشعبية قطاع الشمال" إلى التلويح بوقف المفاوضات مع الحكومة، وعدم الاستجابة لأية مطالبات دولية أو إقليمية بهذا الشأن.
وطالبت "الحركة الشعبية"، في بيان، مجلس الأمن الدولي والأفريقي بالتحقيق في الواقعة والتأكد من صحة استخدام الخرطوم للأسلحة الكيماوية، وحثهم على إصدار قرارات بحماية المدنيين بتلك المناطق.
كما بيّنت أنها ستطرح رسمياً، غداً السبت، على الوسيط الأفريقي لحل أزمات السودان، ثامبو امبيكي، إجراء تحقيق أفريقي في الواقعة، داعيةً للتصعيد وقيادة حملة واسعة للضغط على الحكومة في الخرطوم.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن تقرير "أمنيستي"، جاء في وقتٍ من شأنه أن يربك حسابات الحكومة، لاسيما في ظل استمرار مجلس حقوق الإنسان الدولي بمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في السودان، مع احتدام الجدل بين القرار الأميركي بفرض الرقابة على السودان، والقرار الأفريقي الخاص بالإشراف على الأوضاع هناك، فضلاً عن المباحثات الأميركية السودانية بشأن التطبيع بين البلدين ورفع العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم، وإزالة اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ويرجّح مراقبون أن تأتي النتائج سلبية على الخرطوم في ظل ذلك التقرير، الذي حمل دلائل وصورا وفيديوهات لتورط الحكومة باستخدام الأسلحة الكمياوية، ويرون أيضاً أن الحركات المسلحة ستستثمر ذلك التقرير لتقوية موقفها التفاوضي، وتحقيق مكاسب أكبر، وللمطالبة بالضغط الدولي على الحكومة السودانية.
من جهته، نفى الجيش السوداني الواقعة، كما سارعت وزارة الخارجية لإصدار بيان على غير عادتها، ترفض فيه الاتهامات الواردة بتقرير المنظمة الدولية.
وجاء في بيان الخارجية، أن التقرير جاء متزامناً مع الإعلان الرسمي المرحب به داخلياً وإقليمياً بانتهاء الصراع في دارفور وانقضاء أجل السلطة الانتقالية لدارفور، التي شُكلت بموجب اتفاق الدوحة لسلام دارفور. وأشارت لانتشار 17500 من قوات البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور، لمراقبة أية انتهاكات لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، ولم تشر في تقاريرها الخمسة التي قدمتها لمجلس الأمن الدولي هذا العام ألى ما يشير لتلك الاتهامات لا من قريب ولا من بعيد.
ولفت البيان أيضاً، إلى أن "زيارات مسؤوليين غربيين وأمميين إلى دارفور، آخرها زيارة المبعوث الأميركي في يوليو/تموز الماضي، أقرت بالتطورات الإيجابية على أرض الواقع". وشدد على التزام السودان بالحظر الدولي لاستخدام وإنتاج الأسلحة الكيماوية.
وأوضحت الخارجية أيضاً، أن الخرطوم لم تكن يوماً في وضع يسمح لها بإنتاج أو امتلاك ذلك النوع من الأسلحة، معتبرةً أن تقرير منظمة العفو الدولية يسعى لإعاقة جهود الخرطوم لاستكمال السلام والاستقرار وإنجاز التنمية الاقتصادية وتحقيق الوفاق والانسجام الاجتماعي.
وعقب إعلان تقرير المنظمة الدولية، أيضاً، عقدت الخارجية اجتماعاً طارئاً، ضمّ قيادات في الأمن والجيش، لترتيب حملة دولية وإقليمية لدحض التقرير، وضمان عدم تأثيره على محاولات الحكومة في فك العزلة الدولية والإقليمية، باعتبار أن التقرير من شأنه أن ينسف تلك الجهود.
وكانت منظمة العفو الدولية قد اتهمت الحكومة السودانية، الخميس، بقتل المئات في منطقة جبل مرة بدارفور منذ يناير الماضي، عبر استخدام أسلحة كيماوية.
وبيّنت المنظمة الدولية في تقريرها، الذي جاء في مائة صفحة، أن نحو ثلاثين هجمة نفذتها الحكومة السودانية، كجزء من حملتها العسكرية الواسعة ضد المتمردين في جبل مرة بين يناير وسبتمر/أيلول الحالي، أسفرت عن مقتل 200 إلى 250 شخصاً، نتيجة تعرضهم لعوامل الأسلحة الكيماوية.
واتهمت الحكومة بتنفيذ عمليات قصف عشوائي وقتل غير مشروع للرجال والنساء والأطفال فضلاً عن عمليات اغتصاب واختطاف النساء. وحمل التقرير صورا لأطفال يعانون من الحروق الكيماوية، فضلاً عن صور لقرى مدمرة ومشردين، ألتقطت عبر الأقمار الصناعية، إضافة لما يزيد عن مائتي مقابلة مع نازحين وتحليلها عبر خبراء في الأسلحة الكيماوية.