يبدو أنّ العبودية الحديثة في بريطانيا تتفشى أكثر من أي وقت مضى، وبين الأطفال أيضاً. إذ كشفت السلطات ما مجموعه 1545 ضحية محتملة للعبودية العام الماضي، بزيادة قدرها 35 في المائة عن عام 2016، ما دفع وكالة الجريمة الوطنية (NCA) إلى الاعتقاد أنّ العدد سيستمر في الارتفاع.
وبلغ عدد الضحايا من المواطنين البريطانيين 819 ضحية، وهم المجموعة الأكبر، وأكثر من ضعف عددهم عام 2016 الذي بلغ آنذاك 326 ضحية، تلاه عدد الألبانيين والفيتناميين، بحسب ما أوردت صحيفة "ذا أندبندنت".
ونقلت الصحيفة عن "الوكالة الوطنية للجريمة" اليوم الاثنين، إنّ أعداد ضحايا العبودية البريطانيين يتزايد، ويرصد العدد من البلاغات التي تتلقاها الشرطة وتوقيف المراهقين الذين تستغلّهم العصابات الإجرامية. وتشير الوكالة إلى استغلال هؤلاء إجمالاً في الأعمال الجنسية أو نقل المخدرات من المناطق الحضرية إلى الأرياف، وغالباً ما تستغل تلك العصابات فئة الشباب والضعفاء بتوزيع المواد المخدرة.
وتابعت الصحيفة أن حالات الاستغلال إلى حدود العبودية في مجالات العمل كانت الفئة الأكثر تكراراً، وبلغت 2352 حالة، أي ما يقرب من نصف إجمالي الحالات. في حين بلغت حالات الاستغلال الجنسي المشتبه بها 1744 حالة، أما العبودية المنزلية فقدرت بنحو 488 حالة، بحسب الوكالة الوطنية للجريمة.
وأوضحت أن أغلبية الضحايا البالغ عددهم 4714 باتوا مسجلين في سجلات الجريمة لدى الشرطة الإنجليزية، وإن شرطة اسكتلندا تتعامل مع 207 حالة، إضافة إلى 193 حالة في ويلز و31 حالة في إيرلندا الشمالية. أمّا تلك المسجلة في العام الماضي، بلغت 1595 حالة أو ما يقرب من الثلث، وتتعلٌق بالاستغلال الجنسي بزعم أنّه حدث خارج البلاد.
وأعتبر كبير المديرين في وحدة العبودية الحديثة والمتاجرة بالبشر في وكالة الجريمة الوطنية، ليام فيرنون، إنّ هذا الرقم صادم. وأضاف أنّه لا توجد منطقة في المملكة المتحدة لم تتأثّر بأشكال العبودية الحديثة، لافتاً إلى أن معظم تلك الانتهاكات والجرائم لا يتم الإبلاغ عنها.
وأشار إلى أن المحقّقين البريطانيين أعادوا الزيادة الهائلة في أعداد الضحايا إلى فهم الشرطة الأفضل والأوسع لأساليب الاستغلال، وكذلك المؤسسات العقابية والرعاية الأخرى.
وغالباً ما تستخدم تلك العصابات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً لاعتقادها أنّهم لا يثيرون ريبة الشرطة كغيرهم، كما تكون عقوباتهم مخففة في حال ألقي القبض عليهم.
وأشارت الوكالة الوطنية للجريمة، إلى أنّ بعض الأطفال المستغلين الذين عثر عليهم يعانون من مشاكل في الصحة العقلية ويتعاطون المخدرات، وإنهم قادمون من أسر مفككة وحياة مأساوية أو من بيوت رعاية حكومية أو سبق وأبلغ عن فقدانهم.
واكتشفت الشرطة أنّ تلك العصابات تستهدف دور الرعاية لتجنيد الأطفال الضعفاء، كما تبيّن لها أنّه في بعض المناطق ترغم الفتيات على إقامة علاقات مع أفراد العصابات.
وفي هذا الشأن، قال مدير وكالة الجريمة الوطنية، ويل كير، إنّ ظاهرة العبودية المتزايدة تشكل مصدر قلق. وأضاف "نحن نتعامل الآن مع تهديد متطوّر، والمجرمون المتورطون في تلك الأنواع من الاستغلال يصلون إلى ضحاياهم عبر مواقع الإنترنت، خصوصاً موقع خدمات البالغين ليتمكنوا من تنفيذ جرائمهم".
وتعود أصول العديد من الضحايا الأطفال إلى بلدان مختلفة منها الصين ونيجيريا ورومانيا والسودان وأريتريا والهند وبولندا وباكستان، مع العلم أنّ الضحايا المكتشفين هم من 116 جنسية. وعثر على الضحايا، في أماكن عمل عديدة في المملكة المتحدة، بما في ذلك صالونات التجميل الفيتنامية، وأماكن زراعة القنّب، والدعارة وقطف الأزهار والغسل اليدوي للسيارات.
وتشارك بعض عصابات تهريب البشر مباشرة بالعبودية الحديثة، والتي توجد عند طرق الهجرة من غرب أفريقيا وعبر البحر المتوسط. وفي هذا الإطار يقول فيرنون: "مع رحلة كل مهاجر طوال مسار هجرته يكون أكثر عرضة لممارسات مثل عبودية الديون والاستغلال في العمل والجنس".
وذكرت "ذا أندبندنت" أنها قابلت رجالاً أرغمتهم المليشيات على القيام بأعمال السخرة في ليبيا من أجل دفع ثمن حريتهم أو رحلتهم إلى الخارج، والتي كانت تنقل النساء أيضاً لإجبارهن على الجنس واغتصابهن مقابل النقود.
وأشارت الصحيفة إلى أن رومانيا ونيجيريا تعتبران حلقتي وصل في هذه المسألة، ولديهما قضايا حديثة أمام المحاكم. ولفتت إلى الحكم على ديفيد لوبو، زعيم عصابة رومانية بالسجن سبع سنوات يوم الجمعة الماضي، بعد أن أجبر ضحاياه على العمل في البناء وهددهم بالضرب حتى الموت إذا طالبوا بالحصول على أجر. واجتذب لوبو (29 عاما) العديد من مواطنيه، بعد أن وعد بدفع مبلغ 50 جنيهاً إسترلينياً في اليوم للشخص مع مستوى معيشي جيد. لكنه وضعهم في ظروف سيئة وصادر وثائقهم. كما أخبر الرجال الذين كان يقدّم لهم كمية محدودة من الطعام مقابل عملهم، إنّ الحصول على تصاريح عمل في المملكة المتحدة يكلّف مئات الجنيهات، لذلك ظلوا تحت سيطرته حتى تمكّن اثنان من الضحايا من الوصول إلى مركز شرطة في لندن.
"وعد الضحايا بالعمل ومستقبل في لندن. لكن الحقيقة كانت مختلفة جداً وتم استغلالهم من قبل لوبو، الذي أمّن لهم العمل من دون أي نية في الدفع ما أغرقهم في الديون" تقول المحققة ماري مارشال.
وتعاملت وكالة الجريمة الوطنية، مع قضية أخرى في إسبانيا، حيث شاهدت 39 امرأة وفتاة أجبرن على ممارسة الدعارة من قبل عصابة نيجيرية، لكن ألقي القبض على 89 مشتبهاً بهم الأسبوع الماضي وأطلق سراح الضحايا.
كذلك خضع ضحايا لطقوس "الفودو" التي تجعلهم يمتثلون لأوامر أسيادهم خلال رحلتهم للجوء إلى أوروبا عبر ليبيا والبحر الأبيض المتوسط. بيد أنّهم ما أن وصلوا إسبانيا حتى أجبروا على العيش في منازل أشبه بالكهوف والعمل كبغايا واستفاد منهن زعماء العصابات من نيجيريا. لا يزال عدد ضحايا العبودية الحديثة في العالم مجهولاً، لكن حكومة المملكة المتحدة قدّرت أعدادهم على أراضيها عام 2014 بأنّه يتراوح بين 10 آلاف و13 ألف شخص.