تسير روسيا في تنفيذ مخططها بتهجير أهالي الغوطة الشرقية لدمشق، والذي سعت إليه منذ بدء الهجوم العسكري العنيف منها ومن قوات النظام السوري على المنطقة في 18 فبراير/ شباط الماضي، وطرحت منذ بدايته عروض تهجير على المعارضة التي استمرت في رفضها، حتى نجحت حملة النظام وموسكو بتقسيم الغوطة إلى ثلاثة أجزاء والسيطرة على مساحات كبيرة منها، ما أجبر الأهالي على الخروج، وسط تضارب كبير في الأرقام. وبينما أعلنت جهات عدة بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان خروج نحو 20 ألف شخص من المنطقة يوم الخميس، تحدث النظام السوري عن خروج 40 ألفاً يوم الخميس، فيما قالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سورية، ليندا توم، مساء أمس الجمعة، إن ما يتراوح بين 12 و16 ألف شخص غادروا الغوطة الشرقية في الأيام القليلة الماضية. وبشأن أمس الجمعة، قالت المتحدثة إن "تقارير وردت عن أن المئات في الغوطة الشرقية يواصلون الرحيل"، فيما كانت التوقعات الروسية ترجح تهجير 20 ألفاً إضافيين أمس الجمعة. وعلى الرغم من هذا التضارب، يبقى أن عدد المهجرين يوم الخميس، الذي تجاوز العشرة الاف، على أقل تقدير، يعد من أكبر أرقام التهجير في يوم واحد خلال الحرب السورية.
ولم يكن من الممكن للنظام السوري، الذي يحظى بدعم روسي، تحقيق أكبر عمليات التهجير، لولا تكثيف الضغط العسكري على المناطق التي لا تزال تقاوم تقدّم النظام، مع ما تطلبه ذلك من بطش بالمدنيين. وسُجل، أمس الجمعة، سقوط ما يزيد عن 60 قتيلاً مدنياً، أمس، في قصف من قوات النظام على مدينة كفر بطنا في الغوطة، فيما سعت فصائل المعارضة لمنع تواصل تمدد النظام والمليشيات.كما تستفيد روسيا إلى جانب النظام في تنفيذ مخطط تهجير أهالي في الغوطة، من الصمت الدولي على ما يجري، فالتهديد الأميركي بالتحرك في حال فشلت الأمم المتحدة بقي تهديداً كلامياً، كما أن قرار مجلس الأمن 2401 لهدنة في سورية لم يُطبّق.
هذا الأمر عبّر عنه المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، الذي أعلن أن الأطراف المعنية بالصراع في سورية، لم تلتزم بالقرار 2401، بوقف القتال لمدة 30 يوماً. وقال دي ميستورا، في إفادة له خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، أمس، حول سورية، إن الأمم المتحدة تتلقى "تقارير بنزوح آلاف المدنيين من الغوطة الشرقية، نتيجة للعملية العسكرية، وبات السكان يعيشون جحيماً على الأرض، والبعض منهم يبحث فقط عن مجرد شربة ماء". وشدد على أن "مكافحة الجماعات الإرهابية في سورية لا يمكن أن تكون عذراً لانتهاك القانون الدولي"، معلناً "أننا نقوم بتسيير اتصالات بين روسيا وجماعتي فيلق الرحمن، وأحرار الشام، في الغوطة الشرقية، ولكن بلا نتيجة حتى الآن". ولفت إلى أن "وقف إطلاق النار تم تطبيقه فقط في بلدة دوما وليس كل الغوطة، وأي جهود إيجابية مرحب بها".
من جهته، أعلن مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري، خلال الجلسة، أن أكثر من 40 ألف مدني خرجوا، الخميس، من الغوطة، مشيراً إلى أن المدنيين "توجهوا إلى مراكز إيواء وفرها النظام والهلال الأحمر العربي السوري"، لافتاً إلى أن قوات النظام وروسيا فتحت "ممرات" لخروج المدنيين.
وكان المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة السفير فرانسوا ديلاتر، حذر في تصريحات صحافية قبل الجلسة، من أن الغوطة ستتحول نتيجة لأفعال النظام السوري، إلى "مقابر مفتوحة". وقال ديلاتر، إن "الأسوأ قادم في الغوطة، وهو لم يأت بعد، وستتحول الغوطة إلى مجرد مقابر مفتوحة نتيجة لأفعال النظام".
الاستسلام الإقليمي والدولي أمام الحملة على الغوطة، بدا كذلك من خلال اجتماع أستانة بين وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، الذي اختُتم أمس، على الرغم من التفاوت في التصريحات الروسية والتركية. فقد انتهى الاجتماع إلى التشديد على ضرورة احترام مناطق خفض التوتر، وتأكيد مواصلة الدول الثلاث "مكافحة التنظيمات الإرهابية".
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، في مؤتمر صحافي بعد اختتام الاجتماع، إنه ناقش مع نظيريه الروسي والإيراني، المأساة الإنسانية في الغوطة، مؤكداً ضرورة عدم استهداف المدنيين بحجة القضاء على الإرهابيين، وضرورة تطوير استراتيجية خاصة للتفرقة بين الإرهابيين والمدنيين. واعتبر أن الوضع الإنساني في الغوطة في مستوى الكارثة الإنسانية، غير أنه لم يسجل أي انتقاد لروسيا لدعمها هجوم النظام على تلك المنطقة.
من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن "بعض زملائنا الغربيين لديهم رغبة في تفادي توجيه ضربات إلى الإرهابيين والحفاظ على قدراتهم العسكرية". وأشار لافروف خصوصاً إلى "جبهة النصرة"، والتي تضطلع على حد قوله، بـ"دور الجهة الاستفزازية في سيناريوهات اللاعبين الجيوسياسيين الغربيين". واعتبر أن "تهديد الولايات المتحدة بضرب العاصمة السورية دمشق غير مقبول"، مؤكداً أنه "على الرغم من الضجة التي تثار حول الغوطة، ستستمر روسيا في دعم الحكومة السورية في جهودها الرامية إلى تأمين خروج المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى والمرضى من الغوطة"، مشيراً إلى أن هذا العمل بدأ يأتي بثماره، إذ غادر أكثر من 12 ألف مدني الغوطة يوم الخميس وحده. واعتبر لافروف أن مناطق خفض التصعيد في سورية التي حددها مسار أستانة، لا تزال قائمة، لكن الدول الضامنة لم تبحث مسألة توسيع رقعتها أو إنشاء مناطق جديدة، مشيراً إلى أن تمديد سريان مفعول هذه المناطق سيتوقف على سير التطورات على الأرض. وحددت الدول الثلاث الضامنة لمباحثات أستانة موعد الجولة المقبلة في منتصف شهر مايو/ أيار المقبل، حسب بيان مشترك لوزراء خارجية الدول الثلاث.
كذلك، كانت فرنسا تجدد الحديث عن "خطها الأحمر" في سورية، إذ أعلن رئيس الأركان الفرنسي الجنرال فرنسوا لوكوانتر، أن فرنسا ستكون قادرة على أن تضرب "بشكل منفرد" في سورية إذا تم تجاوز "الخط الأحمر" الذي حدده الرئيس إيمانويل ماكرون، أي الاستخدام المؤكد للأسلحة الكيميائية. وأضاف لوكوانتر، في حديث إذاعي أمس: "يمكنكم أن تتخيلوا أن الرئيس ماكرون ما كان ليحدد خطاً أحمر وما كان ليدلي بهذا النوع من التصريحات لو لم يكن يعرف أن لدينا الوسائل للتنفيذ".
اقــرأ أيضاً
في هذا الوقت، واصلت قوات النظام ومعها الطيران الروسي، قصفها المكثف للغوطة، موقعة المزيد من الضحايا المدنيين، في وقت تواصل فيه نزوح المدنيين من المنطقة. ودعت قيادة قوات النظام، في بيان أمس، سكان الغوطة إلى الخروج عبر "المعابر الآمنة" التي حددتها، مدعية أنها استعادت السيطرة على سبعين في المائة من المناطق التي كانت تحت سيطرة "المجموعات الإرهابية".
وغادر آلاف من أهالي القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية المنطقة، أمس، متوجهين إلى مناطق سيطرة النظام في ريف دمشق عن طريق معبر من معمل "الأحلام" الذي افتتحته قوات النظام بإشراف روسي، على أطراف بلدة حمورية. وفتح المعبر، أمس، من دون تنسيق مع الفصائل أو أي وساطات، وفق ناشطين، لفتوا إلى أن النظام دعا الراغبين بالخروج من كامل القطاع الأوسط للتوجه إلى المعبر سيراً على الأقدام، حيث يتم نقل المدنيين إلى مساكن الدوير وعدرا في منطقة ريف دمشق، والتي وصفها ناشطون بأنها معسكرات اعتقال جماعية، متخوفين على الخارجين من حالات انتقام أو اعتقال أو تصفية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها تتوقع نزوح نحو 20 ألف مدني، أمس الجمعة، من الغوطة عبر الممر الإنساني. وقال المتحدث باسم مركز المصالحة الروسي في سورية، فلاديمير زولوتوخين: "غادر أكثر من 2500 شخص بلدتي حمورية وسقبا في الساعات الأولى من إطلاق الممر الإنساني، الجمعة، ومن المتوقع خروج آلاف آخرين".
كذلك أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، تمديد الهدنة في دوما لمدة 48 ساعة، وسط حديث عن التوصل إلى اتفاق بين قوات النظام وفاعليات في المدينة بشأن تحييد دوما ومناطق سيطرة "جيش الإسلام" عن العمليات العسكرية، الأمر الذي نفاه مسؤول المكتب السياسي في "جيش الإسلام"، محمد علوش، لـ"العربي الجديد".
بالتوازي مع ذلك، واصل النظام محاولة التقدّم في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة، وارتكب، أمس الجمعة، مجزرة في بلدة كفر بطنا ذهب ضحيتها أكثر من ستين قتيلاً، مع أنباء عن مجزرة أخرى تم اكتشافها في بلدة حمورية بعد انسحاب قوات النظام منها. وقال مصدر من الدفاع المدني لـ"العربي الجديد"، إن 61 مدنياً على الأقل قتلوا وأصيب العشرات بجروح وحروق خطرة، جلهم من النساء والأطفال، جراء الغارات الجوية على السوق الشعبي والأحياء السكنية في كفر بطنا. وقالت مصادر من الغوطة لـ"العربي الجديد"، إن النظام استهدف المدينة بالنابالم الحارق والصواريخ الفراغية، مشيرة إلى وجود جثث مدنيين احترقت بعد إصابة منازل أصحابها. من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أكثر من 110 أشخاص قتلوا أو جرحوا في مجزرة كفر بطنا.
وكانت قوات النظام سيطرت على بلدة جسرين بعد هجوم شنته من محوريها الجنوبي من جهة مدينة المليحة، والشرقي من جهة بلدة الافتريس التي سيطرت عليها الإثنين الماضي، ما جعلها على بعد كيلومتر من مشارف مدينة كفر بطنا. وتحدثت وسائل إعلام موالية للنظام، أمس، عن اشتباكات عنيفة تجري بين قوات النظام والمعارضة في محور حرستا.
جاء ذلك، وسط محاولات تقدّم من قِبل قوات النظام على أكثر من محور في جنوب الغوطة الذي يسيطر عليه "فيلق الرحمن" وفصائل أخرى، وسط حرب شوارع تدور في المنطقة، وفي شمالها في مناطق سيطرة "جيش الإسلام"، خصوصاً بلدة الريحان التي يقول النظام إنه سيطر عليها، وهو ما نفاه "جيش الإسلام"، مؤكداً مقتل أكثر من مائة من عناصر النظام في تلك المنطقة. وقال المتحدث باسم "جيش الإسلام" حمزة بيرقدار، إن معارك عنيفة تدور على جبهة الريحان في الغوطة من محاور عدة "في محاولة من مليشيات الأسد للتقدّم إلى البلدة ومزارعها وسط تمهيد مدفعي وصاروخي، والمجاهدون يتصدون لهذه المحاولات، ما أوقع عدداً من القتلى والجرحى في صفوف القوات المقتحمة". وأكد بيرقدار في تغريدات على "تويتر"، مقتل أكثر من 100 عنصر من قوات النظام وتدمير دبابتين خلال 24 ساعة على جبهة الريحان، نافياً سقوط البلدة بيد قوات النظام. كما تعرضت المدينة نفسها إلى قصف مدفعي من جانب قوات النظام ما أوقع إصابات بين المدنيين.
كما قصفت طائرات حربية روسية مدينة زملكا التي استهدفتها أيضاً قوات النظام ما أدى إلى مقتل 21 مدنياً في المدينة، وفق الدفاع المدني، الذي قال إن المدينة تعرضت لـ16 غارة جوية، وألقي عليها 18 برميلاً متفجراً، إضافة لقصفها بأكثر من ستين قذيفة مدفعية وصاروخاً، مشيراً إلى أن القصف تخلله استهداف بصاروخَين محمّلَين بقنابل عنقودية وآخر بمادة النابالم الحارق. وأوضح الدفاع المدني أن القصف أدى أيضاً لجرح أكثر من سبعين مدنياً، بينهم نساء وأطفال، لافتاً إلى أن من بين القتلى عشرة أشخاص من نازحي الغوطة الواصلين إلى زملكا.
وكانت قوات النظام قد حاولت، الخميس، التقدّم باتجاه بلدتي حمورية وسقبا، واستطاعت بالفعل السيطرة على الأولى لبعض الوقت قبل أن يقوم مقاتلو المعارضة بهجوم معاكس استردوا خلاله معظم أحياء المدينة. وترافقت العمليات العسكرية مع نزوح آلاف السكان المحليين من بلدة حمورية، فيما أكدت مصادر محلية أنه تم اكتشاف مجزرة تضم أكثر من مائة مدني في بلدتي حمورية وسقبا، أمس الجمعة، قتلهم جنود النظام قبل انسحابهم من المدينة. وتحدثت مصادر محلية عن حرب عصابات تدور داخل بلدة حمورية بعد أن تمكنت المعارضة من استعادتها، إذ تحاول قوات النظام إعادة اقتحام البلدة بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي عنيف استهدف سقبا وحزة المجاورتين.
وقال المتطوع في الدفاع المدني منصور أبو الخير، لـ"العربي الجديد"، إن مركز الدفاع في مدينة حمورية تعرض لتدمير كامل ولم تتمكن فرق الدفاع من الدخول للمدينة بعد، ولم يتم التأكد بعد من وقوع المجزرة التي وردت أنباء عنها. وتقول فصائل المعارضة إنها قتلت خلال هجومها على بلدة حمورية، الخميس، أكثر من 90 عنصراً من قوات النظام والمليشيات الموالية له التي دخلت البلدة، واستحوذت على دبابة ودمرت ثلاث إضافة إلى عربة شيلكا.
اقــرأ أيضاً
ولم يكن من الممكن للنظام السوري، الذي يحظى بدعم روسي، تحقيق أكبر عمليات التهجير، لولا تكثيف الضغط العسكري على المناطق التي لا تزال تقاوم تقدّم النظام، مع ما تطلبه ذلك من بطش بالمدنيين. وسُجل، أمس الجمعة، سقوط ما يزيد عن 60 قتيلاً مدنياً، أمس، في قصف من قوات النظام على مدينة كفر بطنا في الغوطة، فيما سعت فصائل المعارضة لمنع تواصل تمدد النظام والمليشيات.كما تستفيد روسيا إلى جانب النظام في تنفيذ مخطط تهجير أهالي في الغوطة، من الصمت الدولي على ما يجري، فالتهديد الأميركي بالتحرك في حال فشلت الأمم المتحدة بقي تهديداً كلامياً، كما أن قرار مجلس الأمن 2401 لهدنة في سورية لم يُطبّق.
من جهته، أعلن مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري، خلال الجلسة، أن أكثر من 40 ألف مدني خرجوا، الخميس، من الغوطة، مشيراً إلى أن المدنيين "توجهوا إلى مراكز إيواء وفرها النظام والهلال الأحمر العربي السوري"، لافتاً إلى أن قوات النظام وروسيا فتحت "ممرات" لخروج المدنيين.
وكان المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة السفير فرانسوا ديلاتر، حذر في تصريحات صحافية قبل الجلسة، من أن الغوطة ستتحول نتيجة لأفعال النظام السوري، إلى "مقابر مفتوحة". وقال ديلاتر، إن "الأسوأ قادم في الغوطة، وهو لم يأت بعد، وستتحول الغوطة إلى مجرد مقابر مفتوحة نتيجة لأفعال النظام".
الاستسلام الإقليمي والدولي أمام الحملة على الغوطة، بدا كذلك من خلال اجتماع أستانة بين وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، الذي اختُتم أمس، على الرغم من التفاوت في التصريحات الروسية والتركية. فقد انتهى الاجتماع إلى التشديد على ضرورة احترام مناطق خفض التوتر، وتأكيد مواصلة الدول الثلاث "مكافحة التنظيمات الإرهابية".
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، في مؤتمر صحافي بعد اختتام الاجتماع، إنه ناقش مع نظيريه الروسي والإيراني، المأساة الإنسانية في الغوطة، مؤكداً ضرورة عدم استهداف المدنيين بحجة القضاء على الإرهابيين، وضرورة تطوير استراتيجية خاصة للتفرقة بين الإرهابيين والمدنيين. واعتبر أن الوضع الإنساني في الغوطة في مستوى الكارثة الإنسانية، غير أنه لم يسجل أي انتقاد لروسيا لدعمها هجوم النظام على تلك المنطقة.
من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن "بعض زملائنا الغربيين لديهم رغبة في تفادي توجيه ضربات إلى الإرهابيين والحفاظ على قدراتهم العسكرية". وأشار لافروف خصوصاً إلى "جبهة النصرة"، والتي تضطلع على حد قوله، بـ"دور الجهة الاستفزازية في سيناريوهات اللاعبين الجيوسياسيين الغربيين". واعتبر أن "تهديد الولايات المتحدة بضرب العاصمة السورية دمشق غير مقبول"، مؤكداً أنه "على الرغم من الضجة التي تثار حول الغوطة، ستستمر روسيا في دعم الحكومة السورية في جهودها الرامية إلى تأمين خروج المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى والمرضى من الغوطة"، مشيراً إلى أن هذا العمل بدأ يأتي بثماره، إذ غادر أكثر من 12 ألف مدني الغوطة يوم الخميس وحده. واعتبر لافروف أن مناطق خفض التصعيد في سورية التي حددها مسار أستانة، لا تزال قائمة، لكن الدول الضامنة لم تبحث مسألة توسيع رقعتها أو إنشاء مناطق جديدة، مشيراً إلى أن تمديد سريان مفعول هذه المناطق سيتوقف على سير التطورات على الأرض. وحددت الدول الثلاث الضامنة لمباحثات أستانة موعد الجولة المقبلة في منتصف شهر مايو/ أيار المقبل، حسب بيان مشترك لوزراء خارجية الدول الثلاث.
كذلك، كانت فرنسا تجدد الحديث عن "خطها الأحمر" في سورية، إذ أعلن رئيس الأركان الفرنسي الجنرال فرنسوا لوكوانتر، أن فرنسا ستكون قادرة على أن تضرب "بشكل منفرد" في سورية إذا تم تجاوز "الخط الأحمر" الذي حدده الرئيس إيمانويل ماكرون، أي الاستخدام المؤكد للأسلحة الكيميائية. وأضاف لوكوانتر، في حديث إذاعي أمس: "يمكنكم أن تتخيلوا أن الرئيس ماكرون ما كان ليحدد خطاً أحمر وما كان ليدلي بهذا النوع من التصريحات لو لم يكن يعرف أن لدينا الوسائل للتنفيذ".
في هذا الوقت، واصلت قوات النظام ومعها الطيران الروسي، قصفها المكثف للغوطة، موقعة المزيد من الضحايا المدنيين، في وقت تواصل فيه نزوح المدنيين من المنطقة. ودعت قيادة قوات النظام، في بيان أمس، سكان الغوطة إلى الخروج عبر "المعابر الآمنة" التي حددتها، مدعية أنها استعادت السيطرة على سبعين في المائة من المناطق التي كانت تحت سيطرة "المجموعات الإرهابية".
وغادر آلاف من أهالي القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية المنطقة، أمس، متوجهين إلى مناطق سيطرة النظام في ريف دمشق عن طريق معبر من معمل "الأحلام" الذي افتتحته قوات النظام بإشراف روسي، على أطراف بلدة حمورية. وفتح المعبر، أمس، من دون تنسيق مع الفصائل أو أي وساطات، وفق ناشطين، لفتوا إلى أن النظام دعا الراغبين بالخروج من كامل القطاع الأوسط للتوجه إلى المعبر سيراً على الأقدام، حيث يتم نقل المدنيين إلى مساكن الدوير وعدرا في منطقة ريف دمشق، والتي وصفها ناشطون بأنها معسكرات اعتقال جماعية، متخوفين على الخارجين من حالات انتقام أو اعتقال أو تصفية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها تتوقع نزوح نحو 20 ألف مدني، أمس الجمعة، من الغوطة عبر الممر الإنساني. وقال المتحدث باسم مركز المصالحة الروسي في سورية، فلاديمير زولوتوخين: "غادر أكثر من 2500 شخص بلدتي حمورية وسقبا في الساعات الأولى من إطلاق الممر الإنساني، الجمعة، ومن المتوقع خروج آلاف آخرين".
كذلك أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، تمديد الهدنة في دوما لمدة 48 ساعة، وسط حديث عن التوصل إلى اتفاق بين قوات النظام وفاعليات في المدينة بشأن تحييد دوما ومناطق سيطرة "جيش الإسلام" عن العمليات العسكرية، الأمر الذي نفاه مسؤول المكتب السياسي في "جيش الإسلام"، محمد علوش، لـ"العربي الجديد".
بالتوازي مع ذلك، واصل النظام محاولة التقدّم في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة، وارتكب، أمس الجمعة، مجزرة في بلدة كفر بطنا ذهب ضحيتها أكثر من ستين قتيلاً، مع أنباء عن مجزرة أخرى تم اكتشافها في بلدة حمورية بعد انسحاب قوات النظام منها. وقال مصدر من الدفاع المدني لـ"العربي الجديد"، إن 61 مدنياً على الأقل قتلوا وأصيب العشرات بجروح وحروق خطرة، جلهم من النساء والأطفال، جراء الغارات الجوية على السوق الشعبي والأحياء السكنية في كفر بطنا. وقالت مصادر من الغوطة لـ"العربي الجديد"، إن النظام استهدف المدينة بالنابالم الحارق والصواريخ الفراغية، مشيرة إلى وجود جثث مدنيين احترقت بعد إصابة منازل أصحابها. من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أكثر من 110 أشخاص قتلوا أو جرحوا في مجزرة كفر بطنا.
وكانت قوات النظام سيطرت على بلدة جسرين بعد هجوم شنته من محوريها الجنوبي من جهة مدينة المليحة، والشرقي من جهة بلدة الافتريس التي سيطرت عليها الإثنين الماضي، ما جعلها على بعد كيلومتر من مشارف مدينة كفر بطنا. وتحدثت وسائل إعلام موالية للنظام، أمس، عن اشتباكات عنيفة تجري بين قوات النظام والمعارضة في محور حرستا.
كما قصفت طائرات حربية روسية مدينة زملكا التي استهدفتها أيضاً قوات النظام ما أدى إلى مقتل 21 مدنياً في المدينة، وفق الدفاع المدني، الذي قال إن المدينة تعرضت لـ16 غارة جوية، وألقي عليها 18 برميلاً متفجراً، إضافة لقصفها بأكثر من ستين قذيفة مدفعية وصاروخاً، مشيراً إلى أن القصف تخلله استهداف بصاروخَين محمّلَين بقنابل عنقودية وآخر بمادة النابالم الحارق. وأوضح الدفاع المدني أن القصف أدى أيضاً لجرح أكثر من سبعين مدنياً، بينهم نساء وأطفال، لافتاً إلى أن من بين القتلى عشرة أشخاص من نازحي الغوطة الواصلين إلى زملكا.
وكانت قوات النظام قد حاولت، الخميس، التقدّم باتجاه بلدتي حمورية وسقبا، واستطاعت بالفعل السيطرة على الأولى لبعض الوقت قبل أن يقوم مقاتلو المعارضة بهجوم معاكس استردوا خلاله معظم أحياء المدينة. وترافقت العمليات العسكرية مع نزوح آلاف السكان المحليين من بلدة حمورية، فيما أكدت مصادر محلية أنه تم اكتشاف مجزرة تضم أكثر من مائة مدني في بلدتي حمورية وسقبا، أمس الجمعة، قتلهم جنود النظام قبل انسحابهم من المدينة. وتحدثت مصادر محلية عن حرب عصابات تدور داخل بلدة حمورية بعد أن تمكنت المعارضة من استعادتها، إذ تحاول قوات النظام إعادة اقتحام البلدة بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي عنيف استهدف سقبا وحزة المجاورتين.
وقال المتطوع في الدفاع المدني منصور أبو الخير، لـ"العربي الجديد"، إن مركز الدفاع في مدينة حمورية تعرض لتدمير كامل ولم تتمكن فرق الدفاع من الدخول للمدينة بعد، ولم يتم التأكد بعد من وقوع المجزرة التي وردت أنباء عنها. وتقول فصائل المعارضة إنها قتلت خلال هجومها على بلدة حمورية، الخميس، أكثر من 90 عنصراً من قوات النظام والمليشيات الموالية له التي دخلت البلدة، واستحوذت على دبابة ودمرت ثلاث إضافة إلى عربة شيلكا.