يتبادل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ومليشيات "الحشد الشعبي" تفجير المنازل أو حرقها في المناطق والمدن التي يسيطران عليها، على وقع فتاوى دينية لا تخرج عن إطار التكفير والردة، أو تلغيماً متعمداً للمنازل لعرقلة تقدم كل منهما نحو مناطق سيطرة الآخر، أو عمليات انتقامية ممن تعاونوا مع كلا الجانبين بحسب مصادر أمنية.
هذه الاستراتيجية في المعارك بين "داعش" و"الحشد" أضرّت ببنية المدن التحتية كثيراً، وسببت دماراً واسعاً تصعب معالجته، في ظل عدم قدرة الدولة على دفع تعويضات كافية لتأهيلها، مع مرور البلاد بأزمة اقتصادية خانقة.
وتمتد خارطة الدمار الكبير من ديالى شرقاً نحو بيجي وتكريت والحويجة والشرقاط والموصل شمالاً، ثم الفلوجة والرمادي وهيت غرباً، ومدن وبلدات أخرى متاخمة. أحياء كاملة أزيلت ودمرت، وقرى وبلدات فجرت أو أحرقت وجرفت وتحولت إلى أكوام من الحجارة والأنقاض.
ويكشف ضابط رفيع في وزارة الدفاع العراقية، طلب عدم الكشف عن اسمه، عن أن " دماراً كبيراً لحق بالمدن الساخنة نتيجة تبادل تفجير المنازل بين (داعش) و(الحشد) في عمليات انتقامية أو ثأرية بين الطرفين، وبدوافع طائفية ما انعكس على البنية التحتية عموماً".
ويضيف الضابط لـ"العربي الجديد" أن "هذه العمليات المتبادلة للتفجير تعتمد على فتاوى دينية يتبناها الطرفان، فضلاً عن عمليات انتقامية متبادلة مع سيطرة كل منهما على منطقة أو مدينة معينة، مما ألحق دمارا كبيرا بالبنية التحتية، وخاصة الأحياء السكنية، فضلاً عن عمليات القصف الجوي والبري خلال العمليات العسكرية".
ومع سيطرة "داعش" منتصف عام 2014 على عدد من مدن البلاد، شرع بتفجير منازل عدد كبير من عناصر أجهزة الجيش والشرطة، فضلاً عن البنايات العامة ودوائر ومؤسسات الدولة حسب مصادر أمنية عراقية.
وهذا ما أقدمت على فعله أيضاً مليشيات "الحشد الشعبي" في المدن التي استعادت السيطرة عليها بعد معارك مع تنظيم "داعش"، ما سبّب خسارة قرى وأحياء سكنية كاملة، خاصة في بيجي والرمادي وجرف الصخر ومناطق أخرى.
ووثقت منظمات حقوقية وناشطون حجم الدمار، بسبب التفجيرات وعمليات الحرق المتبادلة بين تنظيم "داعش" ومليشيات "الحشد" في الرمادي والفلوجة وجرف الصخر وديالى وتكريت وبيجي ومناطق أخرى.
وفي هذا السياق، يقول مدير منظمة رصد الحقوقية عامر الدوري إن" تبادل تفجير المنازل والمرافق العامة أوصل نسبة الدمار في مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين (240 كلم شمال بغداد) إلى نحو 95 في المائة وفي الرمادي (110 كلم غرب بغداد) كانت تفوق 85 في المائة وهما من أكثر المدن الساخنة تضرراً".
وبحسب الدوري "تلي ذلك، مدن تكريت بنسبة دمار تقترب من 65 في المائة ثم الفلوجة بنسبة تقترب من 25 في المائة وجرف الصخر بنسبة تصل إلى 85 في المائة ومدن وقرى تابعة لمحافظة ديالى (60 كلم شمال شرق بغداد) تتراوح نسبتها بين 60 -70 في المائة".
هذه النسبة من الدمار دفعت مسؤولي المدن المنكوبة لمطالبة المجتمع الدولي بالتدخل ومساعدة البلاد في إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة، التي تحتاج إلى مبالغ هائلة لا تستطيع الحكومة العراقية توفيرها.
وواجه أهالي المدن والمناطق الساخنة نوعين من التدمير، أولهما عمليات التفجير والقصف الجوي والبري التي دمرت البنية التحتية، ثم عمليات الحرق والتفجير التي سبقت عودتهم إلى مدنهم خلال سيطرة مليشيات "الحشد" مما عرقل عودة آلاف الأسر إلى مدنها المحررة.
وكانت لجنة الخدمات في البرلمان العراقي قد كشفت في تقرير سابق أن نسبة الدمار في المدن والمناطق المحررة تفوق قدرة العراق الاقتصادية، في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ منتصف 2015.
وذكر رئيس اللجنة ناظم الساعدي في تصريحٍ سابق أن" اللجنة طالبت الأمم المتحدة بضرورة التدخل، لفتح صندوق خاص بتعمير المناطق المحررة".
وفي ظل عدم وجود تعويضات مالية للمتضررين، لا يمتلك هؤلاء سوى البقاء خارج مدنهم إلى حين إيجاد خطط جديدة تساعدهم في إعادة بناء منازلهم المدمرة والمحترقة.