وأعلنت "هيئة تحرير الشام"، والتي تضم عدة فصائل أبرزها "جبهة النصرة"، مسؤوليتها عن تفجيرات صباح أمس السبت، مشيرة، على حسابها الرسمي على تطبيق "تيليغرام"، إلى أن خمسة ممن سمتهم بـ"الانغماسيين" قاموا باقتحام فرعي أمن الدولة والأمن العسكري في أجهزة الاستخبارات التابعة للنظام في حمص، ما أدى إلى مقتل أكثر من 40، بينهم رئيس فرع الأمن العسكري، العميد حسن دعبول، ورئيس فرع أمن الدولة، العميد إبراهيم درويش. وأكدت "الهيئة" أن عدداً من الضباط قتلوا في العملية، مشيرة إلى مقتل وإصابة العشرات من العناصر "إثر تفجير عبوات ناسفة على حواجز النظام المجرم أثناء إسعاف جرحى فرعي أمن الدولة والأمن العسكري".
وتلقّت أجهزة الاستخبارات التابعة للنظام ضربة قوية بمقتل عدد من ضباطها، في مدينة تعد "آمنة" بالنسبة له، إذ استطاعت "الهيئة" اختراق كل التحصينات الأمنية، ووصل مقاتلوها إلى مقرات من المفترض أنها تخضع لرقابة أمنية مشددة. وكان القتيل حسن دعبول يعد من أبرز ضباط الأجهزة الأمنية في النظام سطوة وقسوة، وكان قبيل تسلّمه فرع حمص، رئيس فرع المداهمة التابع للأمن العسكري بدمشق، والذي سُربت منه منتصف عام 2014 صور آلاف المعتقلين الذين قتلوا من شدة التعذيب، وكانت صادمة للرأي العام العالمي بأسره. وتؤكد مصادر معارضة أن دعبول أمر، في سبتمبر/أيلول 2014، بإعدام 117 معتقلاً بعد انتشار الطاعون الرئوي في المهجع الذي كانوا معتقلين فيه داخل الفرع 215، وتم دفنهم بمقبرة جماعية. كذلك كان القتيل إبراهيم درويش من أكثر الضباط فتكاً بالمعارضين للنظام على مدى سنوات الثورة السورية.
ويعتقد المحلل العسكري السوري، مصطفى بكور، أن عمليات أمس في حمص تعد "مرحلة جديدة لهيئة تحرير الشام في العمل العسكري والأمني ضد النظام".
وتتزامن عمليات حمص مع انعقاد الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف. ويرى مراقبون أن توقيت العملية "سياسي بامتياز"، سيحاول النظام الاستفادة منه في الجهود الذي يبذلها لتغيير مجرى التفاوض، من مناقشة مسألة الانتقال السياسي، والتي ربما تؤدي إلى إزاحة بشار الأسد عن السلطة، إلى التركيز على قضية "محاربة الإرهاب" التي تعد ذريعة لكسب تأييد المجتمع الدولي له. لكن دبلوماسياً سورياً معارضاً يرى أن "حيل النظام" وألاعيبه باتت مكشوفة من قبل المجتمع الدولي، معرباً عن اعتقاده بأن ما حدث في حمص "لن يكون له تأثير على سير مفاوضات الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن رد فعل وفد المعارضة مهم، في حال حاول وفد النظام توظيف هذا الحدث لصالحه.
ويعتمد النظام على ثلاثة أجهزة أمنية معلنة، هي أمن الدولة، والأمن العسكري، والاستخبارات الجوية، والتي تعد الأكثر فتكاً بالسوريين قبيل الثورة وخلالها. كما أنها، وفق مصادر مطلعة، مخترقة إلى حد بعيد من قبل الاستخبارات الإيرانية. ويرى المحلل العسكري السوري، العميد أسعد الزعبي، أن لإيران ضلعاً في تفجيري حمص، مشيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن دعبول ودرويش نقلا إلى حمص أخيراً، تحت ضغط روسي "لأنهما من المحسوبين على موسكو"، وهو ما رفضته إيران.
وبرر مدير العلاقات الإعلامية في "هيئة تحرير الشام"، عماد الدين مجاهد، الهجوم بالقول "لن تنفع مع النظام مفاوضات أممية منحازة مع المجرم وتنوي إعادة إنتاجه وإحيائه". وأشار إلى أن مقاتلي "الهيئة لن ينسوا مسالخ الأفرع الأمنية والمجازر التي ارتكبت بحق أهلنا وشعبنا".
وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت، أخيراً، تقريراً حمل عنوان "سجن صيدنايا...المسلخ البشري"، أكدت فيه أنه تم شنق آلاف المعتقلين سراً في هذا السجن منذ 2011.
واعتبر مجاهد أن الآراء التي تشير إلى أن العملية تصب في صالح النظام إعلامياً "لا تصدر إلا عن نفوس مهزومة وإرادات مسحوقة، وهذه العقول غير مؤهلة لقيادة الثورة، أو تحرير أرض وإرجاع مجد من جديد"، على حد قوله.
وكانت "هيئة تحرير الشام" قد تشكلت، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، من اندماج العديد من الفصائل، أبرزها "جبهة النصرة"، والتي تصنّف في خانة ما يُسمّى بـ"التنظيمات الإرهابية" من قبل مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى فصائل أخرى، منها "حركة نور الدين الزنكي"، و"جبهة أنصار الدين"، و"لواء الحق". ويقود "الهيئة" أبو جابر الشيخ، الرئيس السابق لحركة "أحرار الشام"، فيما يستهدف التحالف الدولي والطيران الروسي قادة ومقاتلي "الهيئة" بين وقت وآخر.