تفتيت ثروات سورية.. اتفاق أستانة يكرّس إفقار مناطق المعارضة

15 مايو 2017
اتفاق أستانة هل يحسّن الأوضاع المعيشية للسوريين؟ (Getty)
+ الخط -
تجنّب اتفاق أستانة مناقشة سبل حماية الاقتصاد السوري من التفتيت، كما أن الاتفاق قد يزيد إفقار مناطق "خفض التوتر" الأربع وتقسيم ثروات البلاد بين نظام بشار الأسد والمعارضة والأكراد، ما يفاقم الأزمات الاقتصادية للسوريين، حسب تصريحات خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد".
وفي ظل هشاشة الاقتصاد والآثار التدميرية على مختلف القطاعات الإنتاجية بسبب سنوات الحرب، سيؤدي الاتفاق الجديد إلى مواصلة تكبّد البلاد خسائر باهظة سيتحملها الشعب الذي نزح منه الملايين، في حين ستجني الدول المتحالفة مع النظام ومنها روسيا وإيران ثماراً جديدة من مشروعات إعادة الإعمار المزمع طرحها، وفقاً للخبراء.
وتم التوقيع في أستانة عاصمة كازاخستان يوم 4 مايو/ أيار الجاري، على اتفاق خفض التوتر والتصعيد الذي يشمل أربع مناطق تشكّل خطوط الجبهة الرئيسية المتبقية بين قوى المعارضة وقوات النظام السوري، وهو إجراء مؤقت مدته ستة أشهر.

مناطق الفقر والمعاناة

يتساءل الخبير الاقتصادي ومدير النقل السابق بمدينة إدلب محروس الخطيب، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، عن سر إبعاد الاقتصاد عن مفاوضات اتفاق أستانة، رغم أن هذا المجال هو الأخطر لارتباطه بمعيشة الناس وحياتهم.
وتابع أن: " الاتفاق سيؤسس لتباين اقتصادي سحيق بين مختلف المحافظات في البلاد، ويحكم على سكان المناطق الأربع بالفقر والمعاناة، في حين يمنح النظام نصيب الأسد من الثروات والمنشآت الاقتصادية، وربما يمنح الأكراد المنطقة المهمة اقتصادياً بسورية، وهي مدن الجزيرة الثلاث "الحسكة والرقة ودير الزور" التي تعتبر خزان سورية النفطي والمائي والغذائي، في حين ستحصل قوى المعارضة على مناطق أقل ثراءً".

ويضيف مدير النقل السابق بمدينة إدلب: "إذا قفزنا على المطبات السياسية بالاتفاق بمنح نظام الأسد الشرعية بعد كيماوي خان شيخون، أو حتى القبول بواقع الوصاية والاحتلال الروسي والإيراني، سنجد أن احتمالات نسف فكرة المناطق الآمنة قائمة عبر الخروقات المتكررة من جانب نظام بشار، ويسوق بالنهاية لتقسيم لسورية وتفتيت الجغرافيا والاقتصاد".
ويلفت الخطيب إلى أن الميزة الإيجابية الوحيدة باتفاق "المناطق الأربع"، منها أجزاء في غوطة دمشق ودرعا وإدلب وريف حمص، هي وقف الموت، موضحاً أنه في حالة إعادة تأهيل البنى التحتية وتأمين الخدمات لسكان تلك المناطق، سيكون ذلك مبرراً لنظام الأسد لطرح "إعادة إعمار سورية"، وبالتالي بيع حقوق السوريين للدول والشركات الحليفة، عبر منحها مشاريع واستثمارات بشكل مباشر.

تكريس الخلل التنموي

ويقول الخبير الاقتصادي عماد الدين المصبح لـ "العربي الجديد": "يتوزع أكثر من نصف الثروة السورية في إقليم الجزيرة السورية الواقع شمال شرقي نهر الفرات، ويشمل محافظة الحسكة وأجزاء من الرقة ودير الزور، وفيها معظم الثروات المائية والحقول النفطية بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 250 ألف برميل يومياً، ويتم منها إنتاج معظم المحاصيل الزراعية، نحو مليون طن قمح وأكثر من 400 ألف طن قطن، وهي خارج المناطق الأربع.
كما يأتي إنتاج الشطر الثاني من الثروة من قبل القطاع الصناعي والقطاعات الأخرى على جانب المحور الاقتصادي الرئيسي أو الفعال الممتد من دمشق إلى حلب، والمار بحمص وحماة، والمحور المتفرع عن الرئيسي الذي يمر بطرطوس واللاذقية، أما باقي المحافظات فكانت مساهماتها متواضعة أو بنسب قليلة مقارنة بالأقاليم الأخرى، مثل درعا والسويداء والقنيطرة في الجنوب والبادية السورية وادلب وريف حلب إلى حد ما.

ويشير المصبح إلى أنه وفق اتفاق أستانة، فإن المناطق المعنية بما يسمى خفض التوتر، ستكون ذات إنتاج متواضع، ويغلب عليها الإنتاج الأولي الزراعي والذي يورد معظمه إلى المدن الكبرى للاستهلاك النهائي.
ويلفت الخبير السوري، إلى أن المناطق الأربع، لا تنتج ما يكفيها من موارد وصناعات لكي تتمكن من البقاء لفترة طويلة في ظل عدم وجود علاقات مع المدن الرئيسية على المحور الاقتصادي الرئيسي، مما يجبرها إذا استمر سيناريو التقسيم على تعزيز العلاقات مع دول الجوار ولاسيما مع إسرائيل في الجنوب.

وحول ما قيل من فوائد اتفاق أستانة من عودة المهجرين وتأهيل البنى والمرافق، يجيب المصبح: إن موارد هذه المناطق الراهنة بالكاد تكفي السكان الموجودين الآن، وهم قادرون في ظروف سيناريو أستانة على إنتاج الحد الأدنى من الإنتاج للبقاء، متوقعاً عدم استمرار هذا السيناريو لعدم واقعيته من الناحية الاقتصادية على الأقل.
وأكد أن الدول المعنية بالشأن السوري، مطالبة بتمويل مشروعات إعادة تأهيل البنى التحتية اللازمة للاستمرار مثل الشوارع الرئيسية والمراكز الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي.

اتفاق هش لتقطيع سورية

لم ير رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية أسامة القاضي أن مشروع "المناطق الأربع" واضح المعالم، إذ يغلب على الاتفاق الذي فرضه الضامنون، الجانبين الأمني والسياسي، ويضيف: "هي مناطق أمنية وليست آمنة، بحيث إنها لا توحي بأنها تقسيم لثروات البلاد فقط، لكنها تقطّع أوصال سورية وتشرعن الوجود الروسي والإيراني قبل أي تدخل أميركي، وهي مؤقتة حتى يحصل الحل السياسي الموعود".
ويشير القاضي لـ "العربي الجديد"، إلى أنه لا يوجد ثروات مغرية كثيرا في بعض مناطق إدلب التي ذكرها اتفاق آستانة، وكذلك غير معروفة الأجزاء الريفية المقصودة من اللاذقية، وحماة، وحلب، ولا حتى الأجزاء المذكورة من شمال ريف حمص، أو في الغوطة الشرقية، فضلا عن ضبابية المناطق المقصودة في درعا والقنيطرة.

ويقول القاضي: "أعتقد أن الروس والإيرانيين سيسعون جهدهم كي يظهروا أن النظام السوري هو المسؤول عن إعادة إعمار جزئي وتأمين الخدمات اللازمة ولو صورياً حتى يكسبوه شرعية، نافياً بالوقت ذاته، أن يكون هناك أي مشروع حقيقي لإعادة الإعمار، ولن يكون هناك قطاع خاص يبني ما تم تدميره، وسيظل كل شيء مؤقتاً وعرضة للدمار ما لم يتم التوصل لحل سياسي ناجز وبإرادة أميركية، حسب القاضي.

حصة أميركا

وحول ما يتعلق بالثروات واستحواذها خارج المناطق الأربع، يجيب القاضي، بأن واقع الحال أن أميركا باستخدامها لقوى انفصالية ليست لها حاضنة شعبية لا عربية ولا كردية ستضع يدها على النفط في شمال شرقي سورية إضافة إلى الثروة الزراعية هناك، حتى تفشل أي معاهدات موقعة بين الروس والنظام السوري بشأن التنقيب عن النفط واستثماره، ولذلك على الأغلب سيتم استبدال مناطق سيطرة "داعش " بمناطق تحت النفوذ الأميركي.
وتابع الخبير الاقتصادي: "سيظل الصراع مستمراً إلى أن تتم بلورة رؤية أميركية لإنشاء مناطق آمنة مؤقتة ودفعها باتجاه حل سياسي، مما قد لا يسمح للنظام بأن يبقي في يده أي جغرافيا مفيدة وتظل حلماً غير قابل للتطبيق، وبإمكانها أن تقلب عليه وعلى حلفائه الموازين في أي لحظة، لأن هذه المناطق هشة وسهل خرقها". يذكر أن خسائر الحرب في سورية بلغت 275 مليار دولار، خلال السنوات الست التي أعقبت الثورة في مارس/آذار عام 2011، حسب تقرير للاتحاد العام لنقابات العمال في سورية.

المساهمون