نجح كل من أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح (برئاسة النائب ميشال عون)، النائب إبراهيم كنعان، ورئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات اللبنانية، ملحم رياشي، في هندسة مشهد التوافق الذي حلّ على العلاقة الشخصية والسياسية بين الزعيمين المسيحيين عون وسمير جعجع.
وبدأ التواصل بين كنعان ورياشي في سبتمبر/ أيلول 2014. في تلك المرحلة لم يكن أحد ينتظر تطوّر الحوار بين الطرفين، لكن الظروف ساهمت في ترسيخ هذه الفكرة ودفعها بالاتجاه الصحيح. أما بوادر الحوار بين عون وجعجع فسرعان ما تمت ترجمتها بخطوات سريعة وفعلية ولو كانت شكلية.
سرعان ما فتح كنعان ورياشي غرفتي الاستقبالات في كل من الرابية (مقرّ إقامة عون، شرقي بيروت) ومعراب (مقرّ إقامة جعجع، شرقي بيروت). انتقلا من النقاشات الشخصية بينهما ومن الأراضي الحيادية إلى داخل البيتين السياسيين، وبحضور أحد الزعيمين؛ لقاء لرياشي في الرابية مع عون بحضور كنعان. وزيارة لكنعان إلى معراب للقاء جعجع بمشاركة رياشي.
فكان عيد الميلاد ليلة 25 ديسمبر/ كانون الأول 2014 مناسبة جدية لتواصل مباشر بين عون وجعجع. تم الاتصال وحصلت التهنئة المباشرة بحلول موسم الأعياد، بدون أي تكلفة شخصية أو كلفة سياسية. ثم بدأت مرحلة تصفية القلوب، من الباب القضائي أولاً، بحيث تمّ الإعلان عن سحب الدعاوى القضائية المقدمة من كل طرف بحق صحافيي ووسائل إعلام الطرف الآخر.
اقرأ أيضاً: أصوات البرلمان اللبناني: 75 لفرنجية و47 لعون
كان كل شيء يسير ببطء على نار رياشي وكنعان اللذين استمرّا في مهمة تلطيف الأجواء لكون الحوار بينهما سيدخل مرحلة الخطوط الحمراء والنقاط السياسية الحسّاسة. وكما كانا ينقلان هدايا الأعياد، باقة من الورد من الرابية إلى معراب، وتشكيلة من الشوكولا في الاتجاه المعاكس، عرف المهندسان كيف يبعدان الملفات الخلافية، فعبّدا طريق التفاهم بجملة من القضايا التي لا يمكن لأي منهما الوقوف بوجهها.
كما كرّسا مجموعة من الثوابت، كدور المسيحيين وحصصهم في الجمهورية اللبنانية، والمحافظة على الدستور واحترامه، ودعم المؤسسات الشرعية كافة ومنها العسكرية. وتمّ تحييد ملف الشغور الرئاسي وطموح كل من جعجع وعون لملئه، بينما استمرّت الخطوات الإعلامية الصغيرة في إضفاء التهدئة وفتح أبواب الوئام الشخصي بين الزعيمين. ومع حلول عيد ميلاد عون الرابع بعد الثمانين (17 فبراير/شباط)، هنّأه جعجع علناً على موقع "تويتر" في تغريدة كتب فيها "أتمنى قبل عيد ميلادك القادم أن نكون قد أتممنا اتفاقنا الكامل وكل عام وأنت بخير". وهو ما حصل فعلياً بعد أقل من عام مع التوافق الذي تمّ.
تكريس هذا التوافق جاء أيضاً على مراحل، أبرزها محطّة يونيو/ حزيران، والتي تمّ خلالها الإعلان عن "ورقة النوايا"، كوثيقة سياسية جامعة بينهما. يومها زار جعجع الرابية وأعلن وضع خريطة طريق للتفاهم، لتنطلق بعدها لقاءات ثنائية على مستوى القطعات التنظيمية أبرزها على الصعيد الطلابي. والترجمة الفعلية للتفاهم بين عون وجعجع أتت خلال الموقف الموحّد الذي أصدره الطرفان من الجلسات التشريعية. فنجح الطرفان في تعطيل جلسة للتشريع في أبريل/ نيسان، ليعدلا في نوفمبر/ تشرين الثاني عن قرار المقاطعة بعد الاستجابة إلى طلبهما بإقرار قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني.
يجتمع عون وجعجع اليوم على عنوان "وحدة المسيحيين ومصالحهم"، ولو أنهما كانا فعلياً، من خلال صراعهما، فصلاً رئيسياً من تشتّت المسيحيين وضياع حقوقهم السياسية.