تفاصيل غير مهمة

24 فبراير 2016
رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام (حسين بيضون)
+ الخط -
كشفت الأيام الماضية حجم "الانحطاط" في الخطاب السياسي في لبنان. بدت نشرات الأخبار أشبه بحلقات زجل رديء. حضرت العروبة، بشكلها العصبوي. ورفع سياسيون فاسدون شعارات السيادة الوطنية ومحاربة الفساد. وفي نظرة سريعة على خطاب هذه القوى يظهر حجم الانفصام الحقيقي في الخطابين. ففريق 14 آذار، أو ما بقي منه، بنى خطابه في اللحظة التي تلت اغتيال رفيق الحريري، على شعار "لبنان أولاً"، وعاد ليستحضر العروبة، وليقول إنه من الواجب الوقوف مع السعوديّة في صراعها المفتوح مع إيران.

أما فريق 8 آذار، فقد تشكّل في لحظة شعار مستفزّ، رُفع في وسط بيروت، أي شعار "شكراً سورية"، وأراد منه رافعوه، إلى جانب شكر النظام الأمني السوري على "منجزاته" الكبيرة في البلاد، أن يُعلنوا أنهم سيكونون أمناء على تركة هذا النظام الأمني. وقد أثبتت الأيام مدى أمانتهم، لدرجة تفوق النظام الأمني على أستاذه السوري.

مَن بنى خطابه السياسي على شعار "شكراً سورية"، وعلى كونه "جندي لدى الولي الفقيه"، أعلن في الأيام الماضية تمسّكه بخطاب "سيادة لبنان". بين هذين التحولين، كان الانهيار مستمراً في البلد. انهيار على كافة المستويات: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وخدماتياً، وانهيار في الصيغة اللبنانيّة. أظهر لبنان في الأيام الماضية، قدرة على تحويل الأمور إلى مهزلة غير مضحكة. ففي لحظة الصراع الكبير في المنطقة، وهو صراع يكاد يصل إلى مرحلة إعادة رسم الخرائط، يتعامل الساسة اللبنانيّون مع ما يجري كأنه لعبة "مونوبولي"، ويُريدون استحداث ورقة جديدة في اللعبة اسمها "مكب النفايات". فمجلس الوزراء اللبناني، اجتمع لساعات طويلة، ليخرج معلناً للبنانيين أنه اكتشف أنهم عرب هويةً وانتماءً. ساعات طويلة من المباحثات، ليُكرّر مجلس الوزراء سياسة النأي في النفس، وفي الوقت عينه الالتزام بـ"الإجماع العربي". وعندما سُئل رئيس الحكومة، تمام سلام، كيف سيترجم الإجماع العربي في قضايا خلافية كسورية واليمن، أجاب: "لا أريد أن أدخل في التفاصيل". فعلاً ما يجري في اليمن وسورية تفاصيل، وقد تكون غير مهمة. تماماً مثلما أن إزالة النفايات المتراكمة في جبال ووديان وطرقات البلد، تفصيل غير مهمة. المهم هو الكرامة والعريضة.