حصل "العربي الجديد" على التفاصيل الكاملة لقصة تورط قاض مصري يعمل كرئيس الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات الزقازيق المصرية، في الحصول على رشى مالية قدرها 600 ألف جنيه (نحو 34 ألف دولار أميركي)، مقابل إصدار 3 أحكام قضائية، بين براءة وأحكام مخففة، في 3 قضايا قتل، وكيفية الإيقاع به.
وتضم القضية 9 متهمين، وهم صابر نصر غلاب (59 سنة) قاضٍ بمحكمة استئناف المنصورة، وسويلم هليل الروبيعي (51 سنة) صاحب شركتي العاشر للحراسة و"إس إم للمقاولات العامة"، والسيد مرسي عمري السيد (25 سنة) تاجر، وحسين صالح حسين (52 سنة) محامٍ حر، ومصطفى صالح عوض الله (49 سنة) صاحب معرض سيارات، وعاطف فؤاد الحلال (60 سنة) صاحب شركتي "كومباك" للصناعات الهندسية والاتحاد العربي للعبوات، ونايف أحمد جيرة الله (62 سنة) عضو برلمان سابق عن دائرة منيا القمح بمحافظة الشرقية، وعبدالرحيم سعد أبو قشيمو (57 سنة) موظف بمحكمة استئناف الإسماعيلية، وأحمد رمزي غيث وشهرته "رمزي غيث" (71 سنة).
ووجّهت نيابة أمن الدولة، إلى المتهمين في قرار إحالتهم إلى المحاكمة الجنائية، بأنهم خلال الفترة من يوليو/ تموز 2017 حتى 25 سبتمبر/ أيلول 2017، بدائرة قسم شرطة مدينة نصر أول، قام المتهم الأول (القاضي)، بطلب وأخذ أموال لأداء عمل من أعمال وظيفته، مقابل إصدار 3 أحكام قضائية ما بين "البراءة والمخفف" في 3 قضايا جنائية جميعها "جنايات قتل"، بأن طلب من المتهم الثاني، مبلغ 400 ألف جنيه، أخذ منه مبلغ 300 ألف على سبيل الرشوة، مقابل القضاء ببراءته وشقيقه فريج هليل سويلم المتهمين في قضية قتل منظورة بالدائرة التي يترأسها، وكان ذلك بواسطة المتهمين الخامس والسادس والسابع، الوسطاء في الواقعة.
كما طلب القاضي المتهم أيضا، من المتهم الثالث، مبلغ 100 ألف جنيه رشوة مقابل القضاء بعقوبة مخففة على شقيقه، عمري مرسي عمري السيد، بواسطة المتهمين السابع والتاسع، وطلب القاضي أيضا، من المتهم الرابع، مبلغ 100 ألف جنيه رشوة مقابل القضاء بعقوبة مخففة على كل من عيد سلامة رفيع، وعبدالله سلامة رفيع، بواسطة المتهم الثامن.
اكتُشفت الواقعة من خلال أيمن السيد حسونة (36 سنة)، وهو سكرتير بمحكمة جنايات الزقازيق، والذي يعمل كأمين سر الدائرة التي يترأسها القاضي المتهم، وفوجئ حسونة، في يوليو/ تموز 2017، بعرض المتهم مصطفى صالح سليمان، مبالغ مالية عليه مقابل إمداده بمعلومات عن القضية والتلاعب في أوراقها للحصول على حكم ببراءة المتهم الثاني وشقيقه من تهمة القتل، فتوجه إلى هيئة الرقابة الإدارية ليبلغ عن الأمر.
وقامت الرقابة الإدارية بإجراء التحريات عن الأمر، وثبتت صحة أقوال المبلِّغ عن الرشوة، واتفاق المتهمين على عرض مبالغ مالية على سبيل الرشوة، فصدر إذن من النيابة العامة بتسجيل المحادثات الهاتفية التي تدور على هواتفهم ولقاءاتهم، وأسفر تنفيذه عن تسجيل عدة محادثات هاتفية أكدت صحة ما توصلت إليه التحريات.
كما تم تسجيل محادثات أخرى دارت بين المتهمين تضمنت تقديم المتهم الثاني مبالغ مالية على سبيل الرشوة بوساطة المتهمين الخامس والسادس والسابع، لأحد الأشخاص للحصول على حكم ببراءته، ومحادثة بين المتهم السابع وشخص تضمنت اتفاقهما على اللقاء بتاريخ 14 أغسطس/ آب 2017 بمدينة الزقازيق، وأكدت التحريات أن ذلك الشخص هو القاضي، فعرض الأمر على النيابة العامة التي أصدرت إذنا من مجلس القضاء الأعلى، بمباشرة إجراءات التحقيق مع القاضي وتسجيل محادثاته الهاتفية وتصوير لقاءاته مع المتهمين المذكورين.
وتولت النيابة العامة تسجيل محادثات هاتفية جرت عبر هاتف القاضي المتهم، وتصوير لقاء جرى بينه والمتهم السابع عضو البرلمان السابق بتاريخ 15 أغسطس/ آب 2017، وثبت من التسجيل، أنه تضمن حديثا بشأن القضية المنظورة بدائرة القاضي، وأقر المتهم السابع بانتهائه من اتفاق الرشوة الخاص بالقضية مقابل 400 ألف جنيه، فطلب القاضي إحضار إحدى شاهدات النفي بالجلسة المزمع انعقادها صباح يوم 16 أغسطس/ آب 2017، للإدلاء بشهادتها في القضية، فأبلغه الأخير بمثول الشاهدة أمام هيئة المحكمة بجلسة سابقة وتقاضيها مبالغ مالية عما سبق وأبدته من أقوال، وأن إعادة مثولها يستلزم تقديم مبالغ مالية أخرى لها، فاتفقا على تقديم دفاع المتهم الثاني حافظة مستندات بالجلسة العلنية تتضمن أقوال تلك الشاهدة التي سبق إبداؤها بالقضية.
كما تضمن اللقاء حديثا بينهما حول القضية الثانية، حين سأل القاضي عن إجمالي المبالغ المالية المزمع تقديمها له على سبيل الرشوة للقضاء بعقوبة مخففة على المدعو، عمري مرسي عمري، فأبلغه المتهم عضو البرلمان السابق، باتفاقه على مبلغ 100 ألف جنيه، وهو ما لاقى قبولا لدى القاضي.
وعقب تصوير اللقاء، قامت النيابة العامة بإلقاء القبض على القاضي المتهم، وبتفتيشه تم اكتشاف واقعة الرشوة الثالثة، حيث ضبط على هاتفه المحمول رسالتين نصيتين واردتين من هاتف المتهم الثامن، عبدالرحيم سعد أبو قشيمو، بشأن القضية الثالثة.
واعترف المتهمون تفصيليا بالوقائع، وكانت أبرز الاعترافات للمتهم نايف جيرة الله، الذي أقر بتوسطه في تقديم مبالغ مالية على سبيل الرشوة للقاضي، وأبان تفصيلا لذلك بتعرفه على القاضي في 1999، وعلمه بدأبه على تقاضي مبالغ مالية على سبيل الرشوة من المتقاضين في القضايا المنظورة بالدوائر محل عمله.
واعترف الموظف بمحكمة استئناف الإسماعيلية، بتوسطه في تقديم مبالغ مالية على سبيل الرشوة للقاضي، وأنه تعرف على القاضي المتهم، خلال عمله كعضو يمين لإحدى دوائر الجنايات بمحكمة استئناف المنصورة، وامتدت علاقتهما بعد تولي القاضي رئاسة الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات الزقازيق، ووقف من خلال علاقتهما على دأبه قبول مبالغ مالية على سبيل الرشوة مقابل إصداره أحكاماً لصالح المتهمين في القضايا المعروضة بالدوائر محل عمله.