داخل وحدة من الخيش ذات سقف مقوس وتحيط بها أسلاك شائكة، استمع ترامب من الوحدات سابقة التجهيز التي يستخدمها الجيش، إلى تقارير من القادة الأميركيين، تشير إلى أنّ النصر على تنظيم "داعش" أصبح في متناول اليد، وأنّ الجيش لا يحتاج إلا لوقت قصير فقط لاستكمال المهمة، وفق ما نقلت "رويترز" عن مسؤولين، اليوم الأربعاء.
وقال أحد المسؤولين، لـ"رويترز"، "كانوا متفائلين بقدرتهم على إتمام المهمة"، مضيفاً أنّه يعتقد أنّ هذا الاجتماع "كان حاسماً" في التأثير في أفكار ترامب.
"الاجتماع الحاسم"
عن اللقاء الذي لم ينشر شيء عن فحواه بهذا التفصيل من قبل، قال ثلاثة مسؤولين مطلعين على ما دار فيه، لـ"رويترز"، إنّ اللفتنانت جنرال بول لاكاميرا قائد قوات التحالف في الحرب على تنظيم "داعش" في سورية والعراق بقيادة الولايات المتحدة، شرح لترامب الذي كان صبره على الحرب قد نفد، الأسباب التي تجعل الانسحاب السريع مستحيلاً، دون تعريض القوات للخطر.
وفي حالة البلبلة التي أعقبت إعلان ترامب، في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قرار الانسحاب من سورية الذي كان من أسباب استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، يبدو أنّ اللقاء الذي استغرق 45 دقيقة، ساهم في بلورة تفاهم بين ترامب وكبار القادة على الأرض، بحسب "رويترز".
وفي تصريحات للصحافيين، سلّم ترامب بأنّ إدراكه للوضع قد تحسّن، بعد حديثه مع القادة في مسرح العمليات بدلاً من المسؤولين في واشنطن.
وساعد هذا اللقاء في إتاحة مجال لالتقاط الأنفاس للجيش والدبلوماسيين في الولايات المتحدة، من أجل التخطيط لانسحاب "أكثر تأنياً" من سورية.
وكانت تلك تجربة جديدة على الرئيس، في أولى زياراته لمنطقة حرب، منذ توليه الرئاسة قبل قرابة عامين، بعد ما تلقّاه من ردود سياسية على قرار الانسحاب من سورية، من أعضاء جمهوريين في الكونغرس، وحلفاء الولايات المتحدة.
وبعد انقضاء قرابة ثلاثة أسابيع على هذا اللقاء، لم ينسحب جندي واحد من سورية، وكان كل ما انتقل من سورية بعض العتاد.
وكان الرئيس السابق باراك أوباما قد أمر، في 2015، بدخول قوات العمليات الخاصة الأميركية إلى سورية، بعد أن تردد لفترة طويلة في أخذ تلك الخطوة، في غمار الحرب. وتحوّل ما بدأ كمهمة يشارك فيها عشرات من رجال القوات الخاصة، إلى عملية شارك فيها المئات وظل العدد يتزايد.
وأصبح في سورية اليوم، حوالى 2000 جندي أميركي.
ترامب يتراجع
وعلى الرغم من أنّ ترامب أعلن، في البداية، عن "انسحاب سريع"، فقد ردّد منذ ذلك الحين أنّه ليس من الضروري أن يكون الانسحاب سريعاً.
وقال ترامب، للصحافيين في البيت الأبيض، في 6 يناير/كانون الثاني الجاري، "سننسحب من سورية وسنسحب قواتنا. لم أقل قط إننا سننجز ذلك بسرعة".
وفي واقع الأمر، أنّ ترامب قال، في 19 ديسمبر/كانون الأول، إنّ القوات الأميركية عائدة للبلاد "الآن"، وإنّها ألحقت الهزيمة بالفعل بـ"داعش" في سورية.
ولا يعتقد أيّ من الخبراء أنّ "داعش" قد انهزم، رغم أنّه خسر تقريباً كل ما فرض عليه سيطرته في 2014 و2015 من أراض، بعد أن استولى على مناطق في سورية والعراق.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية، يوم الجمعة، إنّ الانسحاب "لا يعتمد على إطار زمني متعسّف" وإنّه سيأخذ في الاعتبار الظروف القائمة على الأرض والمحادثات مع الحلفاء.
ويبدو أنّ التنازل الذي قدّمه ترامب بإتاحة المزيد من الوقت، قد دفع الجيش الأميركي ومسؤولي الإدارة الأميركية، لتحقيق أكبر إنجازات ممكنة في الأيام الأخيرة من الحملة السورية.
ويقول مسؤولون أميركيون، لـ"رويترز"، إنّ التخطيط لانسحاب كامل ما زال يجري، رغم التصريحات المثيرة للبلبلة، بل والمتضاربة في بعض الأحيان، من البيت الأبيض، ورغم التوتر مع تركيا التي يُفترض أن تتولى أمر الحرب على "داعش".
وقال عدة مسؤولين إنّهم يتوقعون انسحاباً، قبل نهاية مارس/آذار، لكنّهم لم يتمسّكوا بهذا الموعد؛ في ضوء النقاشات سريعة التطور حول السياسات والتطورات التي لا يمكن التنبؤ بها في ساحة المعركة.
ضربات أخيرة
بصفة غير رسمية، يُبدي بعض المسؤولين الأميركيين قلقهم، خشية ألا تكفي الدفعة الأخيرة للحفاظ على المكاسب التي تحققت بجهد كبير في مواجهة تنظيم "داعش"، أو ألا تضمن الحماية للحلفاء الذين دعمتهم الولايات المتحدة في "وحدات حماية الشعب" الكردية، وساعدوا في الحرب على التنظيم.
وترى تركيا عضو حلف شمال الأطلسي، أنّ المليشيا الكردية "جماعة إرهابية".
كما أنّ ترامب نفسه أبدى مخاوفه على "أكراد سورية"، يوم الإثنين، فحذر تركيا من "دمار اقتصادي" إذا هاجمت المليشيا الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في سورية.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنّه يعتقد أنّ ترامب يشير إلى عقوبات.
ووفقاً للتقديرات الأميركية، كان تنظيم "داعش" يسيطر على نحو 100 ألف كيلومتر مربع من الأرض، يبلغ عدد السكان فيها حوالي ثمانية ملايين نسمة.
وكانت الإيرادات التي يحققها التنظيم تبلغ قرابة المليار دولار سنوياً، كما أنّه استخدم مدينة الرقة السورية التي كانت عاصمته الفعلية كقاعدة للتخطيط لشن هجمات في أوروبا.
وبدعم من التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وما كان ينفذه من ضربات جوية ومدفعية وما يقدمه من مستشارين وعتاد حربي، استطاعت القوات البرية المدعومة من الولايات المتحدة في سورية والعراق، انتزاع السيطرة على مدن من أيدي "داعش". وأعلن العراق النصر على التنظيم في 2017.
ويرفض المسؤولون العسكريون الأميركيون، التنبؤ بالسرعة التي يمكن بها القضاء على أفراد التنظيم في المدن التي يوجدون بها في سورية، ويعيد هؤلاء المسؤولون التذكير بالقتال حتى الموت الذي خاضه "داعش" في مدينة الموصل بالعراق.
ولا يزال التنظيم يسيطر على حوالي 300 كيلومتر مربع في وادي نهر الفرات الأوسط، وفقاً لتقديرات التحالف.
وكان استمرار التنظيم، من الأسباب التي أذهلت وزارة الدفاع من قرار ترامب. غير أنّ قيادات عسكرية ومدنية كان من بينها ماتيس، التقت في وزارة الدفاع بعد الصدمة الأولى في الأسبوع الذي سبق عيد الميلاد، لبحث أفضل السبل وأسلمها وأكثرها إدراكاً للمسؤولية، لتنفيذ انسحاب القوات وحماية الحلفاء الأكراد.
لا إطار زمنياً
واتضح أنّ انسحاباً سريعاً خلال 30 يوماً، مثلما أشار البيت الأبيض في البداية، لن يفي بمعايير السلامة والإحساس بالمسؤولية. وقبل قرار ترامب المفاجئ كان تخطيط وزارة الدفاع يشير إلى أنّ تنفيذ الانسحاب، يحتاج أربعة أشهر.
وهوّن مصدر من هواجس ترامب بشأن ما إذا كان الانسحاب سيتم خلال أسابيع أم أشهر. وقال المصدر، لـ"رويترز"، إنّ "كل ما يريد أن يعرفه هو أنّه يحدث".
ومما يستحق الإشارة أنً الأمر الذي أصدره ماتيس قبل عيد الميلاد، لم يتضمن إطاراً زمنياً محدداً رغم أنّ مسؤولين أميركيين قالوا إنّ القادة العسكريين أبلغوا البيت الأبيض، أنّه لا يمكن تنفيذ انسحاب مأمون، في فترة تقل عن 120 يوماً.
وقال المسؤولون إنّ هذا الأمر لم يتغيّر، منذ ترك ماتيس منصبه، في 31 ديسمبر/كانون الأول، وتولي نائبه باتريك شاناهان أمور الوزارة.
الحلفاء يستوضحون
في الوقت نفسه، تواصل القوات التي تدعمها الولايات المتحدة في سورية، بما فيها الأكراد، القتال مخالفة بذلك توقعات المحللين بأن تتجه شمالاً على وجه السرعة استعداداً لهجوم تركي.
وتقول تلك القوات إنّها تقاتل تنظيم "داعش"، منذ إعلان ترامب الانسحاب، تدعمها في ذلك الضربات الجوية والمدفعية التي يشنها التحالف.
ولا يزال الحلفاء الأميركيون الذين أخذهم إعلان ترامب على حين غرة، يسعون لاستيضاح توقيت الانسحاب الأميركي.
وقد هيمن سحب القوات على المباحثات التي أجراها بومبيو، خلال اجتماعاته في العاصمة الأردنية عمان والقاهرة وأبوظبي والرياض والعراق، خلال الأيام الأخيرة، والتي أبلغ فيها حلفاء الولايات المتحدة أنّ الانسحاب يمثل "تغيّراً تكتيكياً" فقط.
وقال المسؤولون الأميركيون ودبلوماسيون، إنّ الحلفاء يريدون أيضاً معلومات عن الدور الذي سيلعبه الجيش الأميركي بعد الانسحاب، لضمان ألا تقوم لتنظيم "داعش" قائمة مرة أخرى. لكن يبدو أنّ الحلفاء يشعرون بارتياح للتباطؤ البادي في تنفيذ الانسحاب.
فقد قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الأسبوع الماضي، "يبدو أنّ هناك تغيراً أعتقد أنّه إيجابي".
(رويترز, العربي الجديد)