19 أكتوبر 2024
تغيير السلطة الإيرانية
شكل القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي جديداً نوعياً لتحجيم السلطة الإيرانية، ومن ثم تغييرها، ليس في المنطقة العربية بل في إيران نفسها. العرب وليس السنة كما يشاع، متضرّرون من الوجود الإيراني. وفي سورية هناك رفض شعبي واسع لها. إسرائيل التي هي كيان استعماري ترفض أي تمدّد إقليمي لإيران، ولا سيما في سورية ولبنان. إيران التي لم تستطع إنقاذ النظام السوري من السقوط، واستعانت بروسيا لصناعة قدمين له، لا يمكنها فرض شروطها على العالم والوجود في سورية باعتبارها دولة إقليمية قوية!
كان التلاعب الايراني في المنطقة بسبب السياسة الأميركية الانكفائية والاستيعابية في آنٍ واحد، والتي أتاحت لها دوراً مركزياً في العراق، وفي سورية واليمن، وقبل ذلك في لبنان. أعطت السياسة هذه لإيران أوهاماً كبيرة، لا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي 2015، وأنّها أصبحت دولة إقليمية ونووية مستقبلاً. مشكلة إيران الأصلية في أنّها دولة "طائفية"، أي لا تمتلك تطوراً صناعياً أو عسكرياً يتيح لها فرض نفوذها إلا وفق الطرق القروسيطة. "فجيعتها "أن الطائفية باعتبارها سياسة "إقليمية" لا تضمن لها النفوذ، ولا سيما في سورية واليمن؛ وإذا كان ذلك ممكناً في العراق أو لبنان، فإن الأمر يظل عصياً في كل هذه الدول، حيث الانتماء القومي أقوى من الديني. أيضاً، الناس لا يعيشون من خلال الطائفية، بل عبر عوامل الاستقرار؛ فأي استقرارٍ ستوفره إيران لهم؟ هنا مشكلة كبيرة، فإيران لا تمتلك ذلك في المناطق التي فيها شيعة فكيف في المناطق التي تحاول تشييعها. لم تعد مشكلة إيران الآن مع الشعب السوري الذي رفضها، وهي لن تجد حماية من الروس، فالأخيرون أيضاً أصبحوا متضرّرين من سياساتها في سورية؛ الأسوأ لها، أن وجودها مرفوض أميركياً وإسرائيلياً. بدمار سورية وتخريبها، يصبح من مصلحة إسرائيل وأميركا طردها من سورية خصوصا. أيضاً بتلاشي "داعش" لم يعد
لإيران كقواتٍ برية في الحرب أهمية تذكر في كل من العراق وسورية؛ إذا ليس أمامها إلا التحول إلى السياسة، فهل في مقدورها إنشاء قوى سياسة عربية تابعة لها. وهل يمكن لدولة كإيران أن تتحول نحو ذلك، كما يكتب بعضهم إن إيران تنتصر بحزب الله، وبأحزاب طائفية في العراق. إيران هذه في أزمة اقتصادية عميقة، وكانت هناك بوادر ثورة شعبية، واتهامات طاولت المرشد "المقدس" نفسه، وطاولت الدعم الذي يقدم لهذه الأحزاب، وفي لبنان وسورية خصوصا (!). إيران التي سقطت إيديولوجيتها الاسلامية، ولم يعد لوجودها الخارجي من مبرّرٍ شعبي، سقطت كذلك سياساتها الطائفية في كل من سورية واليمن. إن كل محاولةٍ لإظهار تشييع إيران لسوريين كثيرين، وأن ذلك ترسيخ لها في سورية هو بمثابة وهم كبير. هي تفعل ذلك فعلاً، لكن ذلك يظل هامشياً. الإشكالية هنا أن إيران لا تمتلك إلا سياسات تُجذر ما هو معاكس لمصالحها، أي الطائفية والتهجير والقتل؛ هذه السياسة كما قلت مرفوضة بالكامل سوريا وإقليمياً ودولياً.
الجديد بعد خطوة ترامب، والتي تتضمن إعلان حربٍ مقبلة، وأن على إيران أن تتخلص من النووي والباليستي والدور الإقليمي. الجديد هو التوافق الروسي الإسرائيلي على تحجيم إيران في سورية، وهو ما قُرئ من خلال الضربات الجوية الواسعة للوجود الإيراني في سورية ليلة 10 مايو/ أيار 2018، وهذا سيليه سياسة جديدة، تستهدف كل الوجود الإيراني وتضيّق عليه. لم يعد في مقدور إيران الآن التنديد بالروس، لأنهم لا يقفون ضد التدخل الإسرائيلي في سورية، وهي أيضاً ليس في مقدورها شن حربٍ حقيقية ضد إسرائيل من سورية، وكذلك ليس من لبنان. لو فعلت ذلك ستكون هناك بوادر حرب إقليمية واسعة ودولية، وستطاول الداخل الإيراني ذاته.
إيران الآن محاصرة بالكامل. وجودها في العراق ولبنان "لإزعاج" الأميركان والإسرائيليين، لن يكون مفيداً ما دامت كل من روسيا وإسرائيل وأميركا متضرّرة من سياساتها، ولا يغير من ذلك اختلاف أسباب التضرّر. ليست أوروبا في موقعٍ قوي لتواجه أميركا، وستخضع شركاتها الموجودة في إيران للعقوبات الأميركية بدورها، والتشاور الأوروبي الإيراني والتنديد بإلغاء الإتفاق النووي ليس له أية قيمة حقيقية، وكذلك لو انسحبت إيران من الاتفاق النووي الذي أصبح ميتاً. ربما انسحابها سيوفر فرصة ثمينة للأميركان لشنِ حربٍ شاملة، تستهدف نظام ولي الفقيه وتغيّره بالكامل.
ذهاب كوريا الشمالية إلى عقد اتفاقٍ يُنهي البرنامج النووي لديها مع الأميركان والبدء بتنسيق علاقاتها مع الجنوبية وأميركا، يدفع أميركا للتشدّد إزاء نظام ولي الفقيه. وبالتالي، ليس من عودة عن إعادة هيكلة هذا النظام بأكمله، وتحويله إلى دولةٍ ضعيفة ومنزوعة الأسنان النووية والبالستية والدور الإقليمي، وربما تغييرات داخلية كالتي تجري في السعودية. إيران مضطرة وبسبب أزمتها الداخلية والضغط الدولي ضدها لتغيير ذاتها.
إذاً لن يكون هناك وجود إيراني كبير في سورية. التوافقات الإسرائيلية مع الروس ستعطي للأخيرين الدور الاساسي في سورية، وهذا لا يرفضه الأميركان، وهنا ربما سيكون الاتفاق بإخراج إيران، وبشرعنة دور أساسي للروس في سورية. إذاً إيران التي تحيك السجاد "السياسي" جيداً، استُخدمت في حربٍ طويلةٍ في سورية، وذلك لتجهيز الأرض لاحتلالات متعددة للروس والأميركان والصهاينة والأتراك. إيران ستخسر كثيراً إذا لم تحاول فهم المرحلة الجديدة؛ أي أن ترامب يريد تحجيم السلطة الإيرانية ذاتها وإحداث تغيير كبير فيها.
إيران المأزومة معنيةً بتغيير ذاتها، فهل نظام ولي الفقيه يستطيع ذلك؟ هل في مقدوره إجراء تغييرٍ كبير في سياساته الخارجية والداخلية ليتوافق مع السياسات الدولية والإقليمية؟ أغلب الظن لن يتخلى عن سياساته القديمة، ومحاولاته لإرضاء أميركا بأقل مما ذكرت أعلاه ستدفع أميركا، ليس لتشديد الحصار عليها والعقوبات، بل وربما لحربٍ صغيرة تطاول أهم مؤسساتها العسكرية، وربما لحربٍ واسعة تستهدف نظام الحكم الذي أصبح مرفوضاً من أكثرية الشعب الإيراني، والذي قام بثورة خضراء ضد نظام الحكم 2009، وبثورة شعبية في أواخر عام 2017 وتم إخمادهما.
كان التلاعب الايراني في المنطقة بسبب السياسة الأميركية الانكفائية والاستيعابية في آنٍ واحد، والتي أتاحت لها دوراً مركزياً في العراق، وفي سورية واليمن، وقبل ذلك في لبنان. أعطت السياسة هذه لإيران أوهاماً كبيرة، لا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي 2015، وأنّها أصبحت دولة إقليمية ونووية مستقبلاً. مشكلة إيران الأصلية في أنّها دولة "طائفية"، أي لا تمتلك تطوراً صناعياً أو عسكرياً يتيح لها فرض نفوذها إلا وفق الطرق القروسيطة. "فجيعتها "أن الطائفية باعتبارها سياسة "إقليمية" لا تضمن لها النفوذ، ولا سيما في سورية واليمن؛ وإذا كان ذلك ممكناً في العراق أو لبنان، فإن الأمر يظل عصياً في كل هذه الدول، حيث الانتماء القومي أقوى من الديني. أيضاً، الناس لا يعيشون من خلال الطائفية، بل عبر عوامل الاستقرار؛ فأي استقرارٍ ستوفره إيران لهم؟ هنا مشكلة كبيرة، فإيران لا تمتلك ذلك في المناطق التي فيها شيعة فكيف في المناطق التي تحاول تشييعها. لم تعد مشكلة إيران الآن مع الشعب السوري الذي رفضها، وهي لن تجد حماية من الروس، فالأخيرون أيضاً أصبحوا متضرّرين من سياساتها في سورية؛ الأسوأ لها، أن وجودها مرفوض أميركياً وإسرائيلياً. بدمار سورية وتخريبها، يصبح من مصلحة إسرائيل وأميركا طردها من سورية خصوصا. أيضاً بتلاشي "داعش" لم يعد
الجديد بعد خطوة ترامب، والتي تتضمن إعلان حربٍ مقبلة، وأن على إيران أن تتخلص من النووي والباليستي والدور الإقليمي. الجديد هو التوافق الروسي الإسرائيلي على تحجيم إيران في سورية، وهو ما قُرئ من خلال الضربات الجوية الواسعة للوجود الإيراني في سورية ليلة 10 مايو/ أيار 2018، وهذا سيليه سياسة جديدة، تستهدف كل الوجود الإيراني وتضيّق عليه. لم يعد في مقدور إيران الآن التنديد بالروس، لأنهم لا يقفون ضد التدخل الإسرائيلي في سورية، وهي أيضاً ليس في مقدورها شن حربٍ حقيقية ضد إسرائيل من سورية، وكذلك ليس من لبنان. لو فعلت ذلك ستكون هناك بوادر حرب إقليمية واسعة ودولية، وستطاول الداخل الإيراني ذاته.
إيران الآن محاصرة بالكامل. وجودها في العراق ولبنان "لإزعاج" الأميركان والإسرائيليين، لن يكون مفيداً ما دامت كل من روسيا وإسرائيل وأميركا متضرّرة من سياساتها، ولا يغير من ذلك اختلاف أسباب التضرّر. ليست أوروبا في موقعٍ قوي لتواجه أميركا، وستخضع شركاتها الموجودة في إيران للعقوبات الأميركية بدورها، والتشاور الأوروبي الإيراني والتنديد بإلغاء الإتفاق النووي ليس له أية قيمة حقيقية، وكذلك لو انسحبت إيران من الاتفاق النووي الذي أصبح ميتاً. ربما انسحابها سيوفر فرصة ثمينة للأميركان لشنِ حربٍ شاملة، تستهدف نظام ولي الفقيه وتغيّره بالكامل.
ذهاب كوريا الشمالية إلى عقد اتفاقٍ يُنهي البرنامج النووي لديها مع الأميركان والبدء بتنسيق علاقاتها مع الجنوبية وأميركا، يدفع أميركا للتشدّد إزاء نظام ولي الفقيه. وبالتالي، ليس من عودة عن إعادة هيكلة هذا النظام بأكمله، وتحويله إلى دولةٍ ضعيفة ومنزوعة الأسنان النووية والبالستية والدور الإقليمي، وربما تغييرات داخلية كالتي تجري في السعودية. إيران مضطرة وبسبب أزمتها الداخلية والضغط الدولي ضدها لتغيير ذاتها.
إذاً لن يكون هناك وجود إيراني كبير في سورية. التوافقات الإسرائيلية مع الروس ستعطي للأخيرين الدور الاساسي في سورية، وهذا لا يرفضه الأميركان، وهنا ربما سيكون الاتفاق بإخراج إيران، وبشرعنة دور أساسي للروس في سورية. إذاً إيران التي تحيك السجاد "السياسي" جيداً، استُخدمت في حربٍ طويلةٍ في سورية، وذلك لتجهيز الأرض لاحتلالات متعددة للروس والأميركان والصهاينة والأتراك. إيران ستخسر كثيراً إذا لم تحاول فهم المرحلة الجديدة؛ أي أن ترامب يريد تحجيم السلطة الإيرانية ذاتها وإحداث تغيير كبير فيها.
إيران المأزومة معنيةً بتغيير ذاتها، فهل نظام ولي الفقيه يستطيع ذلك؟ هل في مقدوره إجراء تغييرٍ كبير في سياساته الخارجية والداخلية ليتوافق مع السياسات الدولية والإقليمية؟ أغلب الظن لن يتخلى عن سياساته القديمة، ومحاولاته لإرضاء أميركا بأقل مما ذكرت أعلاه ستدفع أميركا، ليس لتشديد الحصار عليها والعقوبات، بل وربما لحربٍ صغيرة تطاول أهم مؤسساتها العسكرية، وربما لحربٍ واسعة تستهدف نظام الحكم الذي أصبح مرفوضاً من أكثرية الشعب الإيراني، والذي قام بثورة خضراء ضد نظام الحكم 2009، وبثورة شعبية في أواخر عام 2017 وتم إخمادهما.