فتح قرار الرئيس السوداني، عمر البشير، بإقالة مدير جهاز الأمن والاستخبارات الوطني، الفريق أول محمد عطا المولى عباس، وتعيين الفريق أول صلاح عبد الله محمد صالح، الملقب بـ"صلاح قوش"، بديلاً عنه، الباب واسعاً أمام التكهنات بتغييرات واسعة في القيادة على مستوى الحكومة، وكذلك على مستوى منظومة حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
ويُجمع الكثير من المراقبين في الخرطوم على أن حتمية التغيير تفرضها جملة من الأسباب والمؤشرات، منها السياسي والاقتصادي والأمني. فعلى الصعيد السياسي، يشهد الحزب الحاكم منذ فترة أزمة صامتة جراء اضطراب في الأداء، قاد إلى حالة من عدم الرضا، شملت حتى البشير الذي تدخل أكثر من مرة لمعالجة القصور، كما حدث في ولاية الجزيرة، وسط السودان. وكانت الولاية شهدت خلافات بين الحاكم ونواب الحزب في البرلمان، ما أدى إلى اضطراب في الأداء الحكومي، صحبه فشل القيادة المركزية للحزب بمعالجة خلاف، هو بكل المقاييس خلاف داخلي بحت. وأجبر هذا الأمر البشير على التدخل، وإصدار قرار بإعلان حالة الطوارئ في ولاية الجزيرة وحل مجلسها التشريعي. كما ظهر الاختلال الحزبي من خلال إدارة معركة انتخابات نقابة المحامين، إذ كاد أنصار الحزب يشاركون بقائمتين مختلفتين، قبل أن يتم تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة.
ولا تتمثل المشكلات داخل الحزب الحاكم فقط في ضعف الأداء، فالكل يلمس التباين الكبير حيال مواقف ومواضيع جوهرية، بينها ترشح البشير لدورة رئاسية جديدة، وموضوع حل الحركة الإسلامية. وبات الخلاف حول موضوع ترشح البشير واضحاً، وأصبح الحديث عنه متاحاً في كثير من المنابر. فقيادات ممسكة بمفاتيح اللعبة داخل الحزب، مثل نائب رئيس الحزب السابق، نافع علي نافع، تعمل بجهد للحيلولة دون ترشح البشير مرة أخرى، بينما يلعب أنصار ترشحه بورقة دعم الولايات التي أصدرت غالبيتها مواثيق مكتوبة تدعم التجديد للبشير. وبشأن موضوع حل الحركة الإسلامية، فإن أنصارها يرون أنها هي الأصل والأساس الذي وقف على أكتافه حزب المؤتمر الوطني والحكومة معاً، مشددين على إبقائها كما هي، بينما يرى آخرون أن دور الحركة انتهى ويجب تذويبها في الحزب، أو الإبقاء عليها، مع حصر مهمتها في مجال الدعوة والإرشاد فقط.
وبسبب كل هذه المعطيات، فإنه يصبح من شبه المؤكد أن على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وبقوة دفع من البشير، إجراء تغييرات هيكلية واسعة، تشمل قيادات الصف الأول، بمن فيهم إبراهيم محمود حامد، نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية والسياسية، والذي يشغل في الوقت ذاته منصب مساعد رئيس الجمهورية، كما أنه يقود وفد الحكومة إلى مفاوضات السلام مع "الحركة الشعبية" في أديس أبابا، والذي تعرض إلى انتقادات، ويوصف غالباً بالضعف والتراخي وعدم الحسم في القضايا الحزبية، خصوصاً حين يُقارن مع سلفه نافع علي نافع وإبراهيم غندور. لكن محمود يدافع بقوة عن نفسه ويرفض مقارنته مع سابقيه. وقال، في حوار صحافي، أمس الإثنين، إن فترته هي الأكثر نشاطاً والأقل من حيث التفلتات الداخلية والخروج عن الحزب والتمرد عليه. وأعلن استعداده للتنحي متى رأى الحزب ذلك، مشيراً إلى أنه أكمل دورتين في القيادة، ويلعب الآن في الزمن الضائع.
ومنذ أن برزت الأزمة الاقتصادية الأخيرة، والتي تُعد الأسوأ في تاريخ السودان، والمتمثلة بانهيار قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية والارتفاع المضاعف في أسعار السلع الضرورية، بالإضافة إلى تضارب السياسات المالية والنقدية، برز شبه إجماع على تحميل المسؤولية للطاقم الاقتصادي الحكومي والحزبي. وفي مقدمة ذلك الطاقم، يقف وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، محمد عثمان الركابي، الذي لم يمض على تعيينه عام واحد. وحسب ما تسرب من محضر اجتماع للقطاع الاقتصادي في الحزب الحاكم، أخيراً، فإن الركابي أعلن استعداده لتقديم استقالته من منصبه إذا كانت الخطوة ستحل المشكلة. وجاء حديث الركابي بعد حملة انتقادات عنيفة وجهت له أثناء الاجتماع. لذا فإن كثيرين يعتقدون أن قضية ذهابه أضحت مسألة وقت ليس إلا، وهي رشحت بالتزامن مع ترشيحات لخلافته، مثل الحاكم الحالي لولاية الجزيرة، محمد طاهر إيلا، ووزير الزراعة السابق، عبد الحليم المتعافي. ولا يقف محافظ البنك المركزي، حازم عبد القادر، بمنأى عن موجة التغييرات المرتقبة، إذ إنه جزء أصيل من منظومة الطاقم الاقتصادي، الموسومة بالفشل، إذ ظل عبد القادر تحت دائرة الضوء خلال الأسابيع الماضية، ولم تتمكن كل القرارات التي اتخذها من كبح جماح تصاعد الدولار في السوق الموازي. كما برزت تجاوزات بنكية للسياسات النقدية نتيجة لضعف عمليات الإشراف والمراقبة والمحاسبة من جانب البنك المركزي السوداني.
قد يكون الأمر مختلفاً إلى حد بعيد بالنسبة إلى وزير الخارجية، إبراهيم غندور، لأنه بادر، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى تقديم استقالة مكتوبة إلى البشير، يعتذر فيها عن مواصلة عمله في منصبه، بسبب ما اعتبره تدخلات من جهات عديدة في الشأن الدبلوماسي. وتضاربت المعلومات عن رد الرئاسة على الاستقالة ما بين قبولها وتوسط نافذين لاحتواء موضوعها وتراجعه عنها، إلا أن الثابت في كل مرة هو استمرار غندور على رأس عمله، وهو أمسك قبل أيام بملف العلاقة مع مصر، من خلال مشاركته في لجنة ألفت لاحتواء الخلافات بينهما. غير أن إقالة العضو الآخر من جانب السودان، الفريق محمد عطا المولى عباس، فتحت الباب من جديد أمام قبول الاستقالة، أو إدراج غندور ضمن التغييرات المرتقبة، وخصوصاً أن التنسيق كان كبيراً بين عطا وغندور، إذ أدارا معاً ملف العلاقات مع الولايات المتحدة ومصر ودول أخرى.