تغير السياسة الألمانية تجاه تركيا: الحسابات الانتخابية والاقتصادية

30 يوليو 2017
ميركل وأردوغان خلال قمة "مجموعة العشرين" بهامبورغ أخيراً(فريدمان فوغل-بول/Getty)
+ الخط -
بعدما وصل الخلاف أخيراً بين برلين وأنقرة إلى نوع جديد من التصعيد، مع رد الفعل الألماني الحاد تجاه السلطات التركية إثر اعتقال ناشطين مدافعين عن حقوق الإنسان، بينهم ناشط ألماني في تركيا، يبدو أن العلاقات المتدهورة حالياً بين الدولتين ستنعكس سلباً على الملف السياسي والتبادل الاقتصادي.

ويأتي ذلك في ظل اتخاذ برلين توجهاً جديداً في السياسة الخارجية ورفع درجة تحذيراتها لمواطنيها من السفر إلى تركيا لأنها "لم تعد قادرة على ضمان سلامتهم"، إضافة إلى إعلانها أنه سيعاد النظر في الضمانات السيادية التي تقدمها برلين للشركات الألمانية في تركيا، في حين لجأت أنقرة إلى توجيه اتهامات مباشرة إلى شركات ألمانية بدعم الإرهاب.

وفي هذا الإطار، يرى خبراء في الشؤون السياسية الألمانية أنه لا يخفى على أحد أن التصعيد الحالي جاء في توقيت يساهم في التحشيد لحملات الانتخابات التشريعية العامة المقررة في سبتمبر/ أيلول المقبل. وكان على وزير الخارجية، زيغمار غابريال، أنْ يقْدِم، بالتنسيق مع المستشارة أنجيلا ميركل، وزعيم الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، مارتن شولتز، على خطوة ما أمام مواطنيه للرد على التصرف التركي. وجاء ذلك عندما أكد على أن ألمانيا بحاجة لتوجيه سياستها مع تركيا إلى مسار جديد، وأنه يجب على المسؤولين الأتراك أن يفهموا أن مثل هذه السياسات "لن تمر دون عواقب"، وفق تعبيره.

ويعتقد الخبراء أن مستقبل العلاقات الألمانية - التركية لا يمكن أن تتضح معالمه إلا بعد انقضاء الانتخابات في ألمانيا. ويتوقف المراقبون عند الخطاب المفتوح لغابريال الذي توجه به للمواطنين المتحدرين من أصل تركي والمقيمين في ألمانيا، ونشرته صحيفة "بيلد" أخيراً باللغتين التركية والألمانية. وقد شدد على أنه "مهما بلغت صعوبة العلاقات التركية - الألمانية سيظل واضحاً بالنسبة لنا أنكم تنتمون إلينا، سواء كنتم تحملون جوازات السفر الألمانية أم لا"، وفق تعبيره.


وفي ظل التوقعات التي تشير إلى نيّة ألمانيا التوقف عن استصدار أي تراخيص تصدير جديدة للمعدات العسكرية إلى تركيا، البلد العضو في "حلف شمال الأطلسي"، والتي وافقت الحكومة الألمانية عام 2016 على صفقات معه، بلغت قيمة بعضها حوالي 83.9 مليون يورو، يرى اقتصاديون أنه في حال جمّدت ألمانيا عدداً من طلبات صفقات الأسلحة المقررة مع تركيا، فإن الشركات الألمانية ستكون مضطرة لدفع البنود الجزائية والتعويضات على العقود المبرمة، لا سيما أنه ليست هناك عقوبات اقتصادية دولية على تركيا أو أي قرار أممي يمنع ذلك.

وفي ما يتعلق بالقروض، تبقى خيارات برلين محدودة والخطوات المقبلة ستجري بشكل رئيسي في بروكسل لاتخاذ قرار أوروبي بتجميد المساعدات. والتجميد لا يعني الإلغاء، كما أنه سيكون على الاتحاد الأوروبي التحدث بصوت واحد بهذا الخصوص. لكن ولغاية الآن، ليس هناك موقف موحد تجاه قضية تركيا، لأن الاتحاد ينظر إلى الأمور انطلاقاً من القضايا التي قد تؤثر على اقتصادات الدول الأعضاء.

وانطلاقاً من ذلك، سيكون من الصعب على ألمانيا أن تصرّ على مزيد من التصعيد في التعامل مع تركيا، بالمقارنة مع العقوبات التي فرضت على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. كذلك، يرى مراقبون أن تركيا ليست بلداً عدواً وألمانيا ليست في حالة حرب معها، كما أن أنقرة عضو في "حلف شمال الأطلسي" منذ عقود وبرلين أكبر شريك تجاري لأنقرة في مجال التصدير. وسيكون من الضروري إيجاد خط مشترك معها، نظراً لموقعها الاستراتيجي وأهميتها بالنسبة لأوروبا في الاقتصاد والأمن وأزمة اللاجئين التي تعاني منها أوروبا، والتي لا ترغب ألمانيا في أن تجد نفسها مجدداً، وعلى أبواب الانتخابات، أمام موجة جديدة منهم كما حصل عام 2015، بحسب رأي خبراء ألمان.

ويمكن القول بالتالي إن البلدين يمران بأزمة ثقة خطيرة إنما ليست هناك من نية لقطع العلاقات أو تشديد العقوبات. أمام هذا الواقع، يحذّر خبراء، وبينهم خبير شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الألماني، راينر ستينر، في حديث صحافي، من ممارسة الكثير من الضغوط على تركيا، لأن هذا الأسلوب من الضغط على شخصية مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا يأتي بنتيجة. وذكر أن السياسة الألمانية في التصعيد الحالي "لم تكن بريئة تماماً"، وفق تعبيره، لافتاً إلى أن محاولة الانقلاب الفاشلة التي حصلت في تركيا العام الماضي، لم تؤخذ على محمل الجد في ألمانيا. وأضاف أنه في بعض الدوائر كان هناك أمل سري بأن يكون الانقلاب ناجحاً، وبالتالي سيكون من الخطأ اعتماد لغة التهديد والتشدد فقط، وعلى ألمانيا وأوروبا أن تجعلا تركيا تدرك أن التعاون المشترك هو الأهم.

وكانت التعليقات والتصريحات قد توالت من المسؤولين الألمان حول الأزمة الأخيرة مع تركيا. ولم يستبعد رئيس ديوان المستشارية، بيتر ألتماير، أخيراً اتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات التي تخص السياحة والاستثمار والقروض والضمانات الحكومية للاستثمار والدعم المالي للصادرات التي بلغت 20.6 مليار يورو عام 2016. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد وصل الأمر بكل من زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مارتن شولتز، للقول إن تركيا تجاوزت الخطوط الحمراء. ورأى أنه لم يعد بإمكان ألمانيا الوقوف جانباً ومشاهدة التعسف الذي يسود في تركيا، داعياً إلى تعليق المفاوضات الرامية إلى توسيع الاتحاد الجمركي معها وإعادة النظر في المساعدات المالية الأوروبية لدعم اقتصادها. ومن المتوقع أن تصل قيمة تلك المساعدات بحلول عام 2020، إلى 4.45 مليارات يورو تقريباً، ولم يدفع منها حتى الآن سوى 200 مليون، بسبب الوضع المتأزم بين الجانب الأوروبي وتركيا.

ويشار إلى أن وزير المالية الألماني، فولفغانغ شويبله، قال في حديث لصحيفة "بيلد"، إن الوضع بتركيا يذكره بالوضع الذي كان سائداً في أيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية عام 1989.