تغريدة أبو تريكة

14 ابريل 2019
+ الخط -
يحظى لاعبو كرة القدم بشعبية تفوق شعبية الساسة، وتزداد مكانة اللاعب في القلوب بقدر موهبته، ويتضاعف الحب أضعافًا مع تمتع اللاعب بالأخلاق العالية والتواضع. ويعدّ أبو تريكة أحد النجوم القلائل الذين تربعوا في القلوب، وهو قدوة لكثيرين من اللاعبين بل الجماهير، ويحظى بسمعة طيبة على المستويين العام والشخصي.

احتدم جدل واسع على مواقع التواصل إثر تغريدة أبو تريكة، بدأ هذا الصخب مع نشر بعض الصفحات المختصة باللغة العربية لها، وعلقت الصفحة على الأخطاء النحوية والصرفية في التغريدة، فضلاً عن أخطاء تتعلق بعلامات الترقيم.

لم يُهاجم أبو تريكة، ولم يُقصد بشخصه، بل المقصود التنبيه لوجود الخطأ بغض الطرف عن مصدره وتصحيحه؛ فلسنا نؤمن بالتابوهات ولا بوجود أشخاص بيننا منزهة عن الخطأ أو السهو.

واسمح لي أن أسألك: لماذا تحب أبو تريكة بعد أن غادر الملاعب؟ وأرى الإجابة تلوح في قسمات وجهك: أخلاقه عالية وإنسان محترم! وأنا لا أختلف معك حول هذه النقطة، لكن التشبه بأهل الفضل والتواضع والأخلاق العالية يجدر بنا جميعاً، وأظنك لا تؤيد أن يبادر البعض إلى السب والشتم، وفي الوقت ذاته يتغنون بحب أبو تريكة وغيره ممن اشتهروا بالأدب وعفة اللسان؛ أليس كذلك؟!


ثم لننقل الحديث إلى دفة أخرى، أبو تريكة متميز في مجاله، ولا نبخسه حقه ولا مكانته، أما الحديث عن اللغة فمسألة أخرى؛ فإن للغة قدسيتها التي يتعين علينا الإلمام بها، وتناول أخطاء الأيقونات والرموز ليس لانتقاصهم أو تشويه صورتهم، بل ناقوس خطر يرشدك إلى معالم الطريق. لم يجمع أحدهم أطراف العلم والفن والحكمة وإن توهم ذلك، والآية صريحة "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً".

قبل مدة حضرت دورة تدريبية حول الأخطاء اللغوية على مواقع التواصل، وكانت الأمثلة جميعها لشخصيات عامة ورموز المجتمع العربي، من بينهم وزراء التعليم والصحة وأدباء وكتَّاب، لم يكن المقصود تجريحهم، وإنما كان المراد التأكيد على أهمية الموضوع.

تقتضي الحكمة أن نفصل بين حب البعض وبين الحقائق، والنحو - كما يقول اللغويون - مِلحُ العربية، ولا بأس أن يستعين غير أهل اللغة بمدقق لغوي؛ فإنهم في الأصل قدوة لمتابعيهم ومحبيهم، وأن يرى المتابع في اللاعب أو الفنان أو غيره حباً للغته وغيرةً عليها؛ فإن هذا الحب ينتقل بالعدوى للمتابعين، ويقدِّم الرياضيون والفنانون للّغة خدمةً جليلة ليس في مقدور القوانين بلوغها.

إن الهجوم على أهل اللغة بعد تغريدة أبو تريكة غير مبرر، ولم يتطاول اللغويون على الرجل، ولم يحقروه مكانته، فيما الأمر برمته يتعلق باللغة ولا شيء غير اللغة؛ فإن اهتمام المرء - لا سيما إذا كان من المشاهير - باللغة يُحدِث تغييراً في عادات متابعيه، وينشئ لديهم إقبالاً على اللغة، ويحسن الذائقة اللغوية عندهم، وهذا الأمر له تبعات مؤثرة في التمسك بأهداب الضاد.

قديماً قالوا "وحبُّك الشيء يُعمي ويُصِم"، وليس بحديث نبوي، وعلى هذا الأساس انبرى بعضهم يدافع عن أبو تريكة، وكأنه متهم، وليس الأمر كما ذهب هؤلاء، ولا تفهم لماذا استخدم بعضهم ألفاظاً نابية وعبارات فاضحة، واعجب معي، في الوقت الذي يتغنون فيه بأخلاق أبو تريكة!

إن لعلامات الترقيم في العربية أهمية لا تقل عن أهمية الزينة والمكياج للمرأة، وبقدر سلامة اللغة من الأخطاء النحوية والصرفية؛ فإنها تسلم من عيوب التشوه والترهل والعلل، واللجوء إلى المدقق اللغوي قبل النشر يشبه الاستعانة بطبيب التجميل؛ ليجمِّل المظهر ويداري ما يقبُح ويبدي أفضل ما يمكن.

وصفوة القول، لك أن تكتب ما تشاء بالطريقة التي تشاء، لكن حبذا إذا كنت من المشاهير أن تضرب بسهم في نصرة اللغة، وأن تأخذ بيد الشباب نحو لغتهم الأم. تبدو هذه أموراً بسيطة للوهلة الأولى، لكنها مؤثرة بشهادة التاريخ، وكل الحب للّغة العربية وللخلوق محمد أبو تريكة.