وتؤكد المعلومات المتوفرة لـ"العربي الجديد"، أن قائمة المحافظين الجدد تشمل أغلبية من الدستوريين، كما أنها تضم أيضاً محافظَيْن قريبين من اليسار ومحافظاً قريباً من "النهضة" وآخر من "النداء"، مع الإبقاء على بعض المحافظين الموجودين من قبل، وبعض الذين يُشهد لهم بالكفاءة الأمنية والعسكرية.
ولا يمكن اعتبار تعيين المحافظين الجدد مجرد إجراء إداري أو تنموي لحكومة تسعى إلى تطوير آلياتها الإقليمية والمحلية لتنفيذ مشاريعها أو مواجهة الصعوبات التي تعاني منها الجهات الداخلية فحسب، وإنما شكّل اختباراً سياسياً لميزان القوى بين الصيد والأحزاب المتحالفة التي رشّحته للمنصب.
ومن الغريب أن تكون التعيينات مثيرة لاعتراضات الأحزاب الأربعة المتحالفة في الوقت نفسه، فقد أعرب "الاتحاد الوطني الحر" عن غضب قواعده من هذه التعيينات، وقال رئيس كتلة الحزب النيابية، محسن حسن، إن "الاتحاد الوطني الحر لا يبحث عن المحاصصة، لكن يجب مراعاة وجود ائتلاف حكومي وأن تُعطى بعض المناصب الحكومية في الداخل والخارج لمناضلي وقيادات الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي".
من جهته، أعرب حزب "آفاق تونس" عن تحفظاته على بعض التسميات في سلك المحافظين لعدم مطابقة سِيَرهم الذاتية مع المعايير المتفق عليها مسبقاً، مشيراً إلى أن التقييم النهائي للحزب سيكون من خلال أدائهم.
غير أن اللافت هو ما صدر عن الحزبين الكبيرين المتحالفين، حركة "النهضة" وحزب "نداء تونس". فقد أعرب زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، عن "بعض المؤاخذات على عدد من الولاة الجدد في ما يتعلق بمقياس الكفاءة والنزاهة والسيرة"، مشيراً إلى أن "الحركة قدّمت بعض الأسماء لرئيس الحكومة لكنه أخذ بالقليل منهم"، مشدداً على أن "النهضة لم تقدّم أي اسم "نهضاوي" بل قدّمت كفاءات لأن المقياس الوحيد هو الكفاءة والنزاهة بغض النظر عن الانتماء الحزبي".
كما جاء بيان المكتب السياسي لـ"نداء تونس" معبّراً عن "غضب مكتوم" من التعيينات، داعياً إلى مزيد من الشفافية في مسألة التعيينات.
هذا الغضب العام يعكس في الواقع تأكيداً ثانياً (بعد تشكيل الحكومة) من الصيد حول عزمه وضع قواعد اللعبة بنفسه، وتحديد مناطق نفوذه، والقفز فوق الأحزاب المتحالفة وحماية نفسه من "وصايتها وإملاءاتها" وعدم الرضوخ لها بشكل يجعله مجرد أداة تنفيذ بين أيديها، وهو ما فهمته بسرعة بعض القيادات من "نداء تونس" التي عبّرت عن غضبها من قرارات الصيد الأخيرة التي حوّلتها إلى مجرد قوة اقتراح لا غير، في حين أنها تطالبه بتنفيذ برنامجها الانتخابي باعتبار أن حزبها هو الفائز بالانتخابات من جهة، ولأنها كانت وراء تعيينه من جهة أخرى.
اقرأ أيضاً: شبهة النظام السابق في تعيينات محافِظي تونس
غير أن الصيد يدرك جيداً أن هذا الموقف لا يحظى بالإجماع داخل "نداء تونس"، وأن القسم الأكبر الذي يمثّل العائلة الدستورية يدعمه في توجهاته الأخيرة، وهو ما تؤكده قيادات بارزة من هذا التيار لـ"العربي الجديد"، وأن موقف المكتب السياسي للحزب المنتقد له لم يكن في الواقع سوى تعبير عن حسابات شخصية بعدما رفض الصيد قائمتها المقترحة ورفض الإذعان لها. ولكن هذه القيادات تعترف في المقابل، بأن الصيد قَبِل بمقترحات العائلة الدستورية، وتبرر ذلك بأن رئيس الحكومة يريد القفز فوق السياسة لحاجته إلى كفاءات لديها تجربة يمكن أن تُبعد الركود عن الوضع المتدهور في المناطق، وهو رهانه السياسي الكبير الذي سيمكّنه من البقاء في منصبه إذا تمكّن من إحراز تقدّم حقيقي على المستوى التنموي والاجتماعي.
قرارات الصيد التي أغضبت الجميع تقريباً، لم تكن كما قد يبدو خطأً سياسياً قد يدفع ثمنه قريباً، فالرجل يعرف ما يفعل، وهو يلعب على هذه التناقضات داخل الأحزاب من جهة، وغير مكترث تقريباً بمواقف بعض قياداتها الثانوية من جهة أخرى، كما يسعى في المقابل إلى الحفاظ على داعمَيْه الرئيسيَّين، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والغنوشي، ولذلك جاءت مواقف الثاني هادئة نسبياً حين أكد أن حكم الحركة على المحافظين سيكون من خلال النتائج.
ولكن الصيد بقفزه فوق الأحزاب المتحالفة، يريد أن يؤكد للجميع أنه صاحب القرار الفصل في تسيير شؤون البلاد وأنه يريد أن يتحمّل مسؤوليته كاملة إلى النهاية، وهو ما عبّر عنه بشكل واضح في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، رداً على سؤال عن التبديلات الحكومية، مؤكداً أنه المسؤول الأول عن القيام بهذه التبديلات حين يرى ذلك ضرورياً.
وتؤكد مصادر من "النهضة" لـ"العربي الجديد"، أنها وعلى الرغم من تحسّبها، تواصل دعمها للصيد لأنه الخط السياسي الذي اختارته منذ البداية، وأن بعض التفاصيل لا يمكن أن تُضيع البوصلة أو تغيّر في توجهها الأساسي، مشددة على أن الوقت والظرف لا يسمحان بالتشويش على الحكومة التي تواجه تحديات كبيرة في الأيام المقبلة، لعل أهمها عودة الطلاب إلى المدارس، وعودة الحياة السياسية بعد أسبوعين، وقانون المصالحة الذي تتجيّش المعارضة لمنع تمريره وتطالب بسحبه، وآخر المطالبين هو "اتحاد الشغل" الذي أعلن عن رفضه للقانون بصيغته الحالية.
وتقلّل مصادر من "النداء" و"النهضة" تحدثت لـ"العربي الجديد"، من تأثير موضوع المحافظين على مصير الحكومة، كما يروّج البعض من داخل الائتلاف الحكومي أحياناً، وتؤكد أن التبديلات المقبلة ستكون جزئية في بعض الحقائب الوزارية ولن تشمل الصيد، "الذي يملك الحق في مهلة السنة مثل سابقيه"، بحسب تعبيرها، و"عندها لكل حادث حديث".
غير أنها تؤكد في الوقت نفسه، قناعة الصيد والسبسي والغنوشي بضرورة إدخال بعض التغييرات على الحكومة بعد التفرّغ من اختبار العودة إلى المدارس الذي يواجه الحكومة بعد أسبوعين.
اقرأ أيضاً: أزمة تعيينات تلوح في الأفق بين النهضة ونداء تونس