تعهدات إعادة إعمار غزة تنتظر التنفيذ

14 أكتوبر 2014
الفلسطينيون ينتظرون تفعيل وعود المانحين(العربي الجديد/عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يترقب الجميع نتائج مؤتمر إعادة إعماره غزة، الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة أول أمس، وينتظر العالم إصلاح ما دمره الاحتلال الإسرائيلي من منشآت البنية الأساسية والمنازل في العدوان على قطاع غزة، الذي بدأ في 7 يوليو/تموز واستمر 51 يوماً.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كان من المفترض أن ترفع الحواجز عن المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، حيث تتحكم إسرائيل في ستة منها، وما زالت لا تعمل إلى الآن إلا بشكل استثنائي، وخصوصاً معبر رفح، الذي يعد شريان الحياة لقطاع غزة منذ حصار القطاع في بداية عام 2006. إلا أنه يغلق في وجه الفلسطينيين بشكل شبه دائم، مما يزيد من صعوبة الحياة على الفلسطينيين المقيمين بالقطاع.
تقديرات رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بشأن إعادة الإعمار، كما أشار إليها في بداية مؤتمر القاهرة، كانت في حدود أربعة مليارات دولار، وكانت تقديرات السلطة الفلسطينية وحركة حماس في غزة من قبل تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تصل إلى ثمانية مليارات دولار.
وفي غياب حصر دقيق لاحتياجات إعادة الإعمار تبقى التقديرات متضاربة، فالبعض يتحدث عن إعمار البنية الأساسية من محطة الكهرباء والمستشفيات والمدارس، وكذلك إعادة إعمار المطار الدولي والميناء، والبعض الآخر يضيف إليها المنشآت الاقتصادية للقطاع الخاص التي تم تدميرها، من وحدات صناعية ومزارع سمكية ومساحات زراعية، وكذلك المتاجر التي تم تدميرها في إطار الوحدات السكانية التي استهدفتها القوات الإسرائيلية إبان الحرب.
ليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها الاحتلال الإسرائيلي بتدمير قطاع غزة، ففي عام 2009 ارتكبت نفس الجرم، دون عقاب دولي أو إقليمي، وهو ما يشجعه في كل مرة على ارتكاب نفس الجريمة، وصادف في نفس الوقت انعقاد القمة الاقتصادية العربية الأولى، في الكويت أنداك، وخرجت القمة العربية بتعهدات قدرت بنحو 1.7 مليار دولار ولم تنفذ معظمها، وعلقت الدول العربية مساعدتها على أن تقوم السلطة الفلسطينية بتنفيذ مشاريع الإعمار، وليس حكومة إسماعيل هنية المقالة، وهو ما جعل الأمر كأنه لم يكن، حيث ظلت العلاقة بين السلطة وحكومة "حماس" في وضع لا يسمح بحالة وفاق تمكن قطاع غزة من الاستفادة بتلك التعهدات العربية.
وكانت السعودية صاحبة التعهد الأكبر في قمة الكويت عام 2009 بنحو مليار دولار، تبعتها قطر بنحو 250 مليون دولار، ثم مساهمات باقي الدول العربية الأخرى، لتصل التعهدات لنحو 1.7 مليار دولار.
بينما مؤتمر القاهرة لم يقتصر على المساهمات العربية، ولكن شمل مشاركة دولية واسعة، حيث مثلت الوفود المشاركة نحو 50 دولة، وحضر وزراء خارجية 30 دولة، وكانت قطر أكبر المتعهدين بتقديم مليار دولار لإعادة الإعمار، تبعتها السعودية بنحو 500 مليون دولار في تعهدات سابقة لم تؤكد عليها خلال المؤتمر، ثم مساهمات متساوية لكل من الإمارات والكويت وتركيا واليابان بنحو 200 مليون دولار.
كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 568 مليون دولار وأميركا 212 مليون دولار وإيطاليا 62 مليون دولار، وبريطانيا 32 مليون دولار والسويد 10 ملايين دولار.
وقدرت التعهدات الكلية من المانحين للفلسطينيين في مؤتمر القاهرة بنحو 5.4 مليار دولار، خصص منها 2.7 مليار دولار لإعادة إعمار غزة. وبذلك تكون الدول العربية صاحبة النصيب الأوفر في إعادة إعمار غزة، بينما أتت التعهدات الغربية في حدود حصص صغيرة، قد تحتاج إلى زيادتها خلال الفترة القادمة، وأوضح الخبراء أن دخول مشروع الإعمار إلى حيز التنفيذ سوف يشجع العديد من الدول والمؤسسات الأخرى إلى المساهمة بشكل أكبر مما هو معلن الآن.
ويرى الخبراء أن هذه التعهدات ستبقى حبراً على ورق، ما لم تصل المفاوضات القائمة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بوساطة مصرية إلى فتح كامل للمعابر، فبناء هذا الكم الهائل من منشآت البنية الأساسية يحتاج إلى سنوات، إذا ما ظل الوضع على ما هو عليه من السماح بمرور أعداد محدودة من السيارات المحملة بمواد البناء.
وعلى الرغم من مرور نحو شهرين من وقف إطلاق النار، إلا أن هناك 1.8 ألف فلسطيني يعيشون في كارثة، بعد أن تهدمت عشرات الآلاف من البيوت والمنشآت، وحسب الإحصاءات الأولية التي نشرت خلال الأيام الأولى عقب انتهاء الحرب، فإن 20 ألف منزل تم تدميرها بالكامل، مما خلف هذا العدد الكبير ممن يعيشون بدون منازل حتى الآن.
ويحتاج الأمر كذلك حسب التقديرات المنشورة، إلى تعويض أصحاب 350 مصنعاً، تم تدميرها، فضلًا عن أن منظمة "الأونوروا" قد أعلنت أن احتياجاتها لبرامج العمل داخل قطاع غزة يحتاج إلى 1.6 مليار دولار، وهو ما يعبر عن حجم المأساة التي يعيشها سكان قطاع غزة.
ومن المقرر حسب أعمال مؤتمر القاهرة أن عمليات إعادة الإعمار بقطاع غزة سوف تستمر لمدة ثلاث سنوات، ويرى خبراء بأنه يمكن تقليل هذه الفترة، بتقدير الخسائر الخاصة بالبيوت وإعطاء أصحابها قيمة التعويضات، على أن يسمح بدخول مواد البناء بشكل يلبي احتياجات السوق، فيقوم أصحاب المنازل ببنائها في أسرع وقت، وهو ما سيؤدي إلى أكثر من ميزة حسب رأي الخبراء، منها تحريك سوق العمل الذي تصل فيه البطالة إلى نحو 60 % من القوى العاملة.
أما عن باقي مؤسسات البنية الأساسية مثل محطة الكهرباء أو المستشفيات والمدارس فيمكن تنفيذها من خلال الشركات والمؤسسات الكبيرة، ولكن كما ذكرنا من قبل، فإن الخبراء يضعون شرط تسهيل عمل المعابر وفتحها في أقرب وقت، لكي تتم إعادة إعمار غزة.
ونظرا لأن كل دولة وعدت بتقديم جزء من هذه التعهدات لإعادة إعمار غزة، اشترطت أن يكون ذلك من خلال صناديق الإنماء أو المعونة الخاصة بها، فإن الأمر يحتاج إلى وجود جهة واحدة ترعى مسألة التنسيق بين أعمال هذه المؤسسات، حتى يتم التنفيذ بشكل أسرع وتوزع المهام على كافة المؤسسات كل حسب النشاط الذي يرغب في إعماره.
ولعل انعقاد المؤتمر في القاهرة، ووجود السلطة الفلسطينية ممثلا وحيدا لغزة في المؤتمر، وكذلك زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني قبل انعقاد المؤتمر بأيام لقطاع غزة، يسهمان بشكل كبير في حل بعض المشكلات المطروحة بشأن تنفيذ برنامج لإعادة إعمار غزة.
وشدّدت معظم الوفود المشاركة في مؤتمر القاهرة على ضرورة التزام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني باتفاق وقف إطلاق النار، وعدم ممارسة أية أعمال من طرف واحد، فالأمر يحتاج إلى تسريع عملية المفاوضات لتكون التعهدات محل التنفيذ على أرض الواقع.
وحسب الأناضول اتفق محللان سياسيان فلسطينيان على أن عملية إعمار قطاع غزة ستكون "بلا جدوى" في حال عدم توفر ضمانات دولية بألا تعود إسرائيل لشن حرب على القطاع تدمر ما تم إعماره.
ورأى المختصان السياسيان أن توقيع السلطة الفلسطينية على "اتفاقية روما" (المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية) وتمهيد الطريق لمحاكمة قادة إسرائيل على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، يعد من أهم الضمانات التي يمكن أن تمنع إسرائيل من شن حرب جديدة على غزة.
وقال المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "الرسالة" الفلسطينية نصف الأسبوعية وسام عفيفة، إن "عملية إعادة إعمار قطاع غزة التي وفر لها المؤتمر الدولي في القاهرة الأموال اللازمة ستكون بدون أي قيمة في حال عدم توفر ضمانات سياسية ودولية بأن لا تعود إسرائيل لشن حروب جديدة على غزة تدمر فيها ما تم إعماره".
وأضاف عفيفة أن "التوقيع على اتفاقية روما الأساسية هو الحل لعدم شن إسرائيل أي حروب جديدة على غزة في الأعوام المقبلة".
وأوضح أن انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة مرتكبي "الجرائم الخطيرة" من الإسرائيليين سواء على المستويات السياسية أو العسكرية سيكون ضمان لعدم تكرار شن حروب تدمر ما تم إعماره.
وأشار إلى أنه من الضروري أن يتم إشراك إسرائيل في إعادة إعمار قطاع غزة من خلال إجبارها دوليا على دفع جزء من تكلفة هذه العملية، لأنها المسؤول الأول والأخير عن ما خلفته الحرب من دمار، وليدرك القادة الإسرائيليين أن شن الحروب وإتباع سياسة التدمير الشامل سيكون مقابل ثمن باهظ.
من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعات قطاع غزة، علاء أبو عامر، "عدم وجود ضمانات أو رادع لإسرائيل لتتوقف عن شن حروبها ضد القطاع خلال الأعوام المقبلة سيجعل عملية الإعمار بلا أي قيمة".
وأضاف أن "إسرائيل لا تدخر جهداً لأن تبقي غزة في حالة عدم استقرار دائمة لأنها تعتقد أنها تشكل خطرا أمنيا عليها، وفي ظل عدم وجود رادع، فإنها لن تتوقف عن شن العمليات العسكرية ضدها وبالتالي تدمير كل ما يتم إعماره".
المساهمون