ربما كان المجتمع المغربي في حاجة إلى صدمة مدرسية من هذا النوع كي يواجه ما يجري في المدارس من تعنيف، إذ أشعل مقطع فيديو لتلميذ يضرب معلمه موجة من الغضب وصلت إلى البرلمان
في الفترة الأخيرة برزت حالات عديدة تثبت تنامي العنف في الوسط المدرسي داخل المجتمع المغربي، إذ تكررت الاعتداءات التي يكون التلاميذ أبطالها والمعلمون ضحاياها في مشاهد تنقلها أحياناً كاميرات الهواتف الذكية للتلاميذ، بالإضافة إلى استمرار تعنيف المعلمين بدورهم للتلاميذ.
أكثر ما أثار الضجة أخيراً هو مقطع مصور يظهر فيه تلميذ يبلغ من العمر 17 عاماً يضرب معلمه ويسحله أرضاً قبل أن يصده زملاؤه في القسم، ثم يُعتقل التلميذ. لكن ظهرت إفادات متطابقة من التلاميذ تقول إنّ المدرس استفز التلميذ بإهانة والدة الأخير، ما دفعه إلى "الانتقام" منه ضرباً وتعنيفاً.
تطورت الأحداث لتعمّ الكثير من الوقفات الاحتجاجية في المؤسسات التعليمية، طالب فيها رجال التعليم بصون كرامتهم وتقدير مهامهم ومعاقبة التلاميذ المعتدين عليهم، لكن أيضاً طالبوا بنبذ العنف داخل الأقسام، واجتثاث كلّ مسببات هذه الحالة كونها لا تليق بحرمة المدرسة.
وصلت واقعة هذا الاعتداء الذي جرى في إحدى مدارس مدينة ورزازات إلى قبة البرلمان المغربي، حيث استهجن نواب أحزاب الموالاة والمعارضة معاً الاعتداءات على رجال التعليم، كما دعوا إلى مناظرة وطنية يشارك فيها جميع الأطراف ذوي الصلة لبلورة تصور يطور أداء المدارس العمومية، ويدفع عنها مشاهد العنف بين المعلم وتلميذه.
وإذا كانت هذه الواقعة هي أكثر ما آلم العديد من المغاربة مع مشاهدتهم اللّكم والضرب والسحل على الأرض، مع تعاطف كبير مع المعلم المعني ورجال التعليم بصفة عامة، فإنّ حالات اعتداء أخرى تلت هذه الحادثة كلها كانت تصب في اتجاه تعنيف المعلمين. فقد تدخلت أجهزة الأمن في كلّ من مدن الرباط والمهدية وسيدي بنور لتعتقل تلاميذ عمدوا إلى ضرب معلميهم. وانتشر فيديو آخر يُظهر حصاراً ضربه تلاميذ أحد الفصول على معلمة.
توالي حوادث تعنيف التلاميذ لمعلميهم في فترة زمنية قصيرة، وقبلها في مواسم دراسية كثيرة، لا يعني أنّ التلميذ هو المعتدي دائماً والمعلم هو الضحية، بل هناك حالات عديدة لمعلمين ومعلمات نكّلوا بتلاميذهم بدعوى معاقبتهم وزجرهم على أخطاء اقترفوها.
اقــرأ أيضاً
من جهتها، دخلت منظمات حقوقية على الخط لتنسب جرعة العنف والاعتداءات ضد الكوادر التعليمية في المغرب إلى ما سمته "سياسة التهميش واللامبالاة بكرامته وبمكانته في المجتمع، مقارنة مع ما يحظى به رجال ونساء قطاعات أخرى، مثل رجال السياسة وسلك القضاء والشرطة والجيش". وطالبت المنظمات الحكومة بـ"إعادة النظر في الضوابط القانونية والإجرائية التي تنظم المؤسسات التعليمية العمومية، من أجل وضع حد لهذا الانفلات الأمني الذي تعرفه المؤسسات التعليمية ومحيطها". وشددت على "ضرورة الاعتزاز بكرامة المعلم، وعدم التساهل في حمايتها بالطرق القانونية والإدارية اللازمة".
يقول الاختصاصي النفسي محمد بنزهرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ عنف بعض التلاميذ ضد معلميهم ليس سوى انعكاس للعنف في البيت والشارع والحافلة والمساحات العامة والإعلام أيضاً، إذ يتكرس هذا العنف داخل التلميذ، فيبحث عن أدنى فرصة لتفريغه داخل القسم. يتابع أنّ العنف الذي يرتكبه التلميذ ضد المعلم ينشأ أحياناً من رغبة الأول في الظهور بمظهر القوي المتمرد داخل الفصل الدراسي، وهو ما قد يجلب إليه نظرات الإعجاب، خصوصاً من طرف الفتيات، كما يجعله مهاب الجانب من طرف زملائه، وهو ما يحدث كثيراً لدى التلاميذ في سن المراهقة، خصوصاً في المرحلة الثانوية.
المفتش التربوي محمد بولوز، يرى من جانبه أنّ تعنيف المعلمين من جانب التلاميذ لم يتحول بعد إلى ظاهرة في الوسط المدرسي المغربي، فما زالت حالات قليلة، وقد كانت من قبل أيضاً ولو أقل عدداً. لكنّ ما يظهرها أكثر من حجمها بكثير هو توثيقها ونشرها على أوسع نطاق وتناول الإعلام بمختلف أشكاله لها. يعتبر بولوز، في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ تعنيف رجال التعليم مؤشر سلبي ومدمر وعلامة انقلاب جذري في عالم القيم عند شريحة من التلاميذ، وحصاد مر لعوامل تكاتفت وأسباب تضافرت، إذ ننتقل من النقيض إلى النقيض، ومن حال "قم للمعلم وفّه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا" إلى حال السخرية والاستهزاء وتمريغ الكرامة بالضرب والإهانة والتقتيل.
يعزو الخبير التربوي تفشي حالات اعتداءات التلاميذ على المعلمين إلى تراجع أثر التربية والتنشئة على القيم في المدارس، والتركيز أساساً على معارف مجردة من أسسها القيمية والأخلاقية، وكذا بعض المهارات، وتراجع دور الأسرة وانسحاب معظم أولياء الأمور عن القيام بدور توريث القيم والأخلاق الإيجابية على الأقل التي ورثوها عن الجيل السابق". يفسر: "كان الاحترام سائداً حتى أنّ التلميذ قد يغير طريقه إذا لمح أستاذه من الجهة الأخرى، وإذا لقيه كان في غاية التواضع أمامه، وغض بصره إن لم يقبّل يده وينصرف في احترام كبير". يشير إلى التقدير الكبير الذي كانت تكنه الأسر لدور المعلم ووضعه في منزلة عالية من التقدير والاحترام".
يبدو أنّ مرور السنوات وتغير القيم داخل المجتمع المغربي، أديا إلى "تدهور منزلة المعلمين الاجتماعية عموماً وضعف الهالة والمكانة التي كان يحظى بها معظمهم، فقد تنامت حالات احتجاج أولياء الأمور على أي شكل من أشكال تعنيف المعلم للتلميذ، بالإضافة إلى المذكرات الوزارية المتوالية التي تمنع التعنيف منعاً تاماً"، بحسب بولوز. يلفت إلى أنّ "التخفيف من العقوبات المقررة في حق التلاميذ المتجاوزين للحدود التربوية والأخلاقية الذي توج بمذكرة تتحدث عن تكليف التلميذ المشاغب بمجرد المساهمة في نظافة المؤسسة أو القيام ببعض أعمال البستنة، ربما يزيد من جرأة بعض التلاميذ على مدرسيهم حتى وصل الأمر ببعضهم إلى ارتكاب العنف مما شهدناه في تلك الوقائع المتداولة".
أما بخصوص الحلول المقترحة، يشير بولوز إلى أنّه "من الضروري تضافر جهود الأسر والمؤسسات الإعلامية والثقافية والاجتماعية والتربوية في المدارس، لإعادة قيمة الاحترام المتبادل بين التلميذ والمعلم، وتعزيز التشريعات والقوانين التي تحمي مختلف الأطراف، كي تؤدي المنظومة التربوية دورها الريادي في التنمية والنهوض".
نحو ثمانية ملايين تلميذ
سبعة ملايين و870 ألف تلميذ وتلميذة مسجّلون للعام الدراسي 2017 - 2018 في المغرب. من بين هؤلاء أربعة ملايين و322 ألفاً و482 تلميذاً وتلميذة في المرحلة الابتدائية، ومليون واحد و722 ألفاً و949 في المرحلة الثانوية الإعدادية، ومليون واحد و26 ألفاً و296 في الثانوية التأهيلية، و805 آلاف و201 في التعليم الأولي.
اقــرأ أيضاً
في الفترة الأخيرة برزت حالات عديدة تثبت تنامي العنف في الوسط المدرسي داخل المجتمع المغربي، إذ تكررت الاعتداءات التي يكون التلاميذ أبطالها والمعلمون ضحاياها في مشاهد تنقلها أحياناً كاميرات الهواتف الذكية للتلاميذ، بالإضافة إلى استمرار تعنيف المعلمين بدورهم للتلاميذ.
أكثر ما أثار الضجة أخيراً هو مقطع مصور يظهر فيه تلميذ يبلغ من العمر 17 عاماً يضرب معلمه ويسحله أرضاً قبل أن يصده زملاؤه في القسم، ثم يُعتقل التلميذ. لكن ظهرت إفادات متطابقة من التلاميذ تقول إنّ المدرس استفز التلميذ بإهانة والدة الأخير، ما دفعه إلى "الانتقام" منه ضرباً وتعنيفاً.
تطورت الأحداث لتعمّ الكثير من الوقفات الاحتجاجية في المؤسسات التعليمية، طالب فيها رجال التعليم بصون كرامتهم وتقدير مهامهم ومعاقبة التلاميذ المعتدين عليهم، لكن أيضاً طالبوا بنبذ العنف داخل الأقسام، واجتثاث كلّ مسببات هذه الحالة كونها لا تليق بحرمة المدرسة.
وصلت واقعة هذا الاعتداء الذي جرى في إحدى مدارس مدينة ورزازات إلى قبة البرلمان المغربي، حيث استهجن نواب أحزاب الموالاة والمعارضة معاً الاعتداءات على رجال التعليم، كما دعوا إلى مناظرة وطنية يشارك فيها جميع الأطراف ذوي الصلة لبلورة تصور يطور أداء المدارس العمومية، ويدفع عنها مشاهد العنف بين المعلم وتلميذه.
وإذا كانت هذه الواقعة هي أكثر ما آلم العديد من المغاربة مع مشاهدتهم اللّكم والضرب والسحل على الأرض، مع تعاطف كبير مع المعلم المعني ورجال التعليم بصفة عامة، فإنّ حالات اعتداء أخرى تلت هذه الحادثة كلها كانت تصب في اتجاه تعنيف المعلمين. فقد تدخلت أجهزة الأمن في كلّ من مدن الرباط والمهدية وسيدي بنور لتعتقل تلاميذ عمدوا إلى ضرب معلميهم. وانتشر فيديو آخر يُظهر حصاراً ضربه تلاميذ أحد الفصول على معلمة.
توالي حوادث تعنيف التلاميذ لمعلميهم في فترة زمنية قصيرة، وقبلها في مواسم دراسية كثيرة، لا يعني أنّ التلميذ هو المعتدي دائماً والمعلم هو الضحية، بل هناك حالات عديدة لمعلمين ومعلمات نكّلوا بتلاميذهم بدعوى معاقبتهم وزجرهم على أخطاء اقترفوها.
يقول الاختصاصي النفسي محمد بنزهرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ عنف بعض التلاميذ ضد معلميهم ليس سوى انعكاس للعنف في البيت والشارع والحافلة والمساحات العامة والإعلام أيضاً، إذ يتكرس هذا العنف داخل التلميذ، فيبحث عن أدنى فرصة لتفريغه داخل القسم. يتابع أنّ العنف الذي يرتكبه التلميذ ضد المعلم ينشأ أحياناً من رغبة الأول في الظهور بمظهر القوي المتمرد داخل الفصل الدراسي، وهو ما قد يجلب إليه نظرات الإعجاب، خصوصاً من طرف الفتيات، كما يجعله مهاب الجانب من طرف زملائه، وهو ما يحدث كثيراً لدى التلاميذ في سن المراهقة، خصوصاً في المرحلة الثانوية.
المفتش التربوي محمد بولوز، يرى من جانبه أنّ تعنيف المعلمين من جانب التلاميذ لم يتحول بعد إلى ظاهرة في الوسط المدرسي المغربي، فما زالت حالات قليلة، وقد كانت من قبل أيضاً ولو أقل عدداً. لكنّ ما يظهرها أكثر من حجمها بكثير هو توثيقها ونشرها على أوسع نطاق وتناول الإعلام بمختلف أشكاله لها. يعتبر بولوز، في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ تعنيف رجال التعليم مؤشر سلبي ومدمر وعلامة انقلاب جذري في عالم القيم عند شريحة من التلاميذ، وحصاد مر لعوامل تكاتفت وأسباب تضافرت، إذ ننتقل من النقيض إلى النقيض، ومن حال "قم للمعلم وفّه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا" إلى حال السخرية والاستهزاء وتمريغ الكرامة بالضرب والإهانة والتقتيل.
يعزو الخبير التربوي تفشي حالات اعتداءات التلاميذ على المعلمين إلى تراجع أثر التربية والتنشئة على القيم في المدارس، والتركيز أساساً على معارف مجردة من أسسها القيمية والأخلاقية، وكذا بعض المهارات، وتراجع دور الأسرة وانسحاب معظم أولياء الأمور عن القيام بدور توريث القيم والأخلاق الإيجابية على الأقل التي ورثوها عن الجيل السابق". يفسر: "كان الاحترام سائداً حتى أنّ التلميذ قد يغير طريقه إذا لمح أستاذه من الجهة الأخرى، وإذا لقيه كان في غاية التواضع أمامه، وغض بصره إن لم يقبّل يده وينصرف في احترام كبير". يشير إلى التقدير الكبير الذي كانت تكنه الأسر لدور المعلم ووضعه في منزلة عالية من التقدير والاحترام".
يبدو أنّ مرور السنوات وتغير القيم داخل المجتمع المغربي، أديا إلى "تدهور منزلة المعلمين الاجتماعية عموماً وضعف الهالة والمكانة التي كان يحظى بها معظمهم، فقد تنامت حالات احتجاج أولياء الأمور على أي شكل من أشكال تعنيف المعلم للتلميذ، بالإضافة إلى المذكرات الوزارية المتوالية التي تمنع التعنيف منعاً تاماً"، بحسب بولوز. يلفت إلى أنّ "التخفيف من العقوبات المقررة في حق التلاميذ المتجاوزين للحدود التربوية والأخلاقية الذي توج بمذكرة تتحدث عن تكليف التلميذ المشاغب بمجرد المساهمة في نظافة المؤسسة أو القيام ببعض أعمال البستنة، ربما يزيد من جرأة بعض التلاميذ على مدرسيهم حتى وصل الأمر ببعضهم إلى ارتكاب العنف مما شهدناه في تلك الوقائع المتداولة".
أما بخصوص الحلول المقترحة، يشير بولوز إلى أنّه "من الضروري تضافر جهود الأسر والمؤسسات الإعلامية والثقافية والاجتماعية والتربوية في المدارس، لإعادة قيمة الاحترام المتبادل بين التلميذ والمعلم، وتعزيز التشريعات والقوانين التي تحمي مختلف الأطراف، كي تؤدي المنظومة التربوية دورها الريادي في التنمية والنهوض".
نحو ثمانية ملايين تلميذ
سبعة ملايين و870 ألف تلميذ وتلميذة مسجّلون للعام الدراسي 2017 - 2018 في المغرب. من بين هؤلاء أربعة ملايين و322 ألفاً و482 تلميذاً وتلميذة في المرحلة الابتدائية، ومليون واحد و722 ألفاً و949 في المرحلة الثانوية الإعدادية، ومليون واحد و26 ألفاً و296 في الثانوية التأهيلية، و805 آلاف و201 في التعليم الأولي.