تعليم "داعش" وتعاليمه

12 نوفمبر 2014
+ الخط -
آخر البدع التي صدرت عن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، إغلاقه جميع المدارس في دير الزور بعد اجتماع مع إداراتها في مسجد محلي قريب. تقول الأنباء أيضاً إن التنظيم أغلق معظم المدارس في مدن وبلدات المحافظة و"ستظل مغلقة حتى اجتياز المدرسين دورة شرعية، وإلى حين الانتهاء من إعداد مناهج تعليمية جديدة بديلة من المناهج الكُفرية الحالية".
ومنذ أيلول الماضي، لجأ "داعش" في المناطق التي يسيطر عليها إلى حذف مواد الكيمياء والفيزياء، وتوسيع إطار المناهج التي تتناول التعليم الإسلامي. يقول ناشطون إنهم سيدرِّسون في المدارس فقط مادة الدين والقليل من الحساب. ومنطقهم في ذلك "أن كل المعرفة تخص الخالق، ولذلك يجب عدم تعليم جدول الضرب".
هذا في سورية. وفي موازاة ذلك، دعا أحد خطباء الجمعة في مدينة الموصل العراقية إلى إصدار عملة إسلامية موحدة خالية من رموز الغرب والصليبيين. وهذه العملة هي "أحد أهم سبل المواجهة مع الولايات المتحدة، وتعزز القوة الاقتصادية للدولة الإسلامية، وتخفف من تحكم الدول الغربية بالشعوب الإسلامية" .
ومع "داعش" يبدو أننا نعود قروناً لا تُعد إلى الوراء، عددها أكثر من أربعة عشر قرناً، إذا انطلقنا مما أثبتته كتب السيرة النبوية من أن الرسول طلب من أسرى قريش الذين وقعوا في قبضة المسلمين في غزوة أحد، أن يعِّلم كلاً منهم عشرة من صبيان المسلمين افتداء لأسرهم. منذ ذلك الحين، تطوّر التعليم ببطء في العالم العربي، بدءاً من الحلقات في المساجد والقصور، وصولاً إلى قيام المدارس في العهود اللاحقة. حتى أنه تأسست معاهد متخصصة تدرِّس الطب والفلك والفلسفة و... الآن لدينا مئات آلاف المدارس ومئات الجامعات التي تخرّج سنوياً ملايين الطلاب في مختلف أنواع الاختصاصات. هذا مع العلم أن كل الخبراء التربويين يجمعون على توصيف ما تعانيه المدرسة والجامعة العربية بأنه تخلف وتراجع في مستوى الطلاب في المواد العلمية والأدبية، وحاجتها الماسة إلى التطوير السريع في مناهجها وإداراتها وأساتذتها وتجهيزاتها وبيئتها، كي تصبح على سوية مع ما هو عليه التعليم في العالم.
يجب أن نعترف خلافاً لما يعتقده "داعش " وأخواته، أننا بحاجة إلى ثورة في قطاع التعليم، وسياسات تربوية فعلية وزيادة في الإنفاق عليه، كما تفعل دول مشابهة عندما تضاعف موازنات وزارة التربية بالقياس إلى باقي الوزارات من نوع الدفاع والأمن الداخلي وغيرها، يقيناً أن الدخول إلى العصر ليس له سوى طريق واحد قوامه المدرسة والجامعة الحقيقية.

(أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية)
المساهمون