تعزيز روسيا حضورها العسكري في سورية: قوة أو ورطة؟

16 أكتوبر 2016
يستبعد البعض حدوث صدام عسكري مباشر روسي غربي(أنطون نوفودريزكين/Getty)
+ الخط -
مع دخول العملية العسكرية الروسية في سورية عامها الثاني، توجهت روسيا لتثبيت حضورها العسكري في هذا البلد عن طريق إقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاتفاقية نشر قوات جوية روسية في قاعدة حميميم العسكرية لمدة غير محددة بعد مصادقة مجلسي الدوما (النواب) والاتحاد على الاتفاقية، والإعلان عن تحويل نقطة الدعم المادي الفني في طرطوس إلى قاعدة بحرية دائمة. وعلى الرغم من توقيع اتفاقية حميميم في 26 أغسطس/آب 2015، إلا أن بوتين لم يحلها إلى البرلمان للمصادقة إلا في 9 أغسطس/آب 2016 أي بعد مرور قرابة عام كامل.

أما مرفأ طرطوس، فعمل كنقطة الدعم المادي الفني للأسطول السوفييتي ثم الروسي منذ عام 1977، وكان يُعتبر نقطة الدعم الوحيدة لروسيا في البحر الأبيض المتوسط، قبل أن يعلن نائب وزير الدفاع الروسي، نيكولاي بانكوف، مطلع هذا الأسبوع أن روسيا تعتزم إقامة قاعدة بحرية دائمة في طرطوس
وإلى جانب تثبيت وتطوير قاعدتيها، نقلت روسيا صواريخ "إس-300" للدفاع الجوي إلى سورية. وبررت وزارة الدفاع الروسية الخطوة بالقول إنها تهدف إلى تأمين قاعدة طرطوس والسفن الروسية قبالة السواحل السورية من تهديدات محتملة من الجو.
وتتوقف بعض التحليلات عند الأهداف التي تدفع روسيا إلى تعزيز ترسانتها العسكرية، مؤكدة أن الأمر يتعدى سورية. 
يشير رئيس تحرير مجلة "الدفاع الوطني" العسكرية الروسية، إيغور كوروتشينكو، إلى أكثر من هدف استطاعت موسكو أن تحققه في آن معاً. ووفقاً لكوروتشينكو فإن وجود قاعدتين دائمتين لروسيا في سورية سيتيح لها السيطرة على منطقة الشرق الأوسط والمتوسط بأكملها. ويقول كوروتشينكو، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "مع الأخذ بعين الاعتبار أن السفن الروسية مجهزة بصواريخ كاليبر المجنحة، التي تم اختبارها في ظروف القتال لأول مرة، لشن ضربات على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قبل عام، فإن ذلك يعني أن منطقة الشرق الأوسط والمتوسط ستكون تحت سيطرة روسيا، كما أنها لن تدفع أي مقابل مادي عن استخدام قاعدتي حميميم وطرطوس". ويضيف "علاوة على ذلك، سيتيح الحضور الروسي في المنطقة منع أية تهديدات محتملة من قبل حلف شمال الأطلسي من الجنوب". وحول توقيت كشف روسيا عن خططها في سورية، يقول الخبير العسكري الروسي: "قررت روسيا أن تعلن للعالم أن حضورها العسكري في سورية سيكون لسنوات طويلة".



وتزامن تعزيز الحضور العسكري الروسي في سورية مع موجة جديدة من التوتر في العلاقات بين موسكو والغرب، بسبب التصعيد في حلب، واستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الفرنسي في مجلس الأمن الدولي، وإلغاء زيارة بوتين إلى باريس، وتلويح الغرب بفرض عقوبات جديدة على روسيا، واستمرار تبادل الاتهامات بإفشال نظام وقف إطلاق النار. 
ويرى الأكاديمي والمعارض السوري المقيم في موسكو، محمود الحمزة، في زيادة الحضور العسكري الروسي في سورية، مؤشراً لتورط موسكو في النزاع السوري بلا رجعة، مستبعداً في الوقت نفسه احتمال حدوث صدام عسكري مباشر بين روسيا والغرب. ويقول الحمزة، لـ"العربي الجديد"، "أعتقد أن روسيا تتورط أكثر فأكثر في سورية، ولم يعد لديها خط رجعة". ويضيف "لا أرى إمكانية لصدام عسكري بين روسيا والغرب، وبصفة خاصة الولايات المتحدة، لأن واشنطن غير مستعدة للتدخل بقوة لحل الأزمة في سورية، وهي التي ورطت روسيا وفسحت لها المجال".

وفي الوقت الذي يشدد فيه الخطاب الإعلامي والرسمي في روسيا على نجاحها في منع سيطرة تنظيم "داعش" على دمشق، رأت الصحافة الليبرالية الروسية أن إقامة قواعد جديدة "ليست نجاحاً جيوسياسياً، وإنما عبء واعتراف بالوقوع في المصيدة السورية بجدية ولفترة طويلة".
 ويقول كاتب مقال، في موقع "سلون.رو"، إن تعزيز الحضور الروسي في سورية يأتي بمثابة "اعتراف بأن العملية العسكرية في سورية، التي كان من المقرر في عام 2015 أن تدوم بضعة أشهر فقط، ستستمر إلى ما لا نهاية، إذ إن نظام (بشار) الأسد لن يستمر طويلاً من دون القوات الجوية الفضائية الروسية وغطاء الأسطول البحري الحربي لها". 
ويذكّر كاتب المقال بأن موافقة مجلس الاتحاد الروسي على طلب بوتين استخدام القوات المسلحة بالخارج بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2015، غير محددة المدة، ولا تتضمن أية قيود زمنية أو جغرافية، ما يعني أنه في حال قررت القيادة الروسية التدخل في ليبيا، مثلا، سيكون ذلك "قانونياً". وسبق لمجلس الاتحاد أن وافق في مارس/آذار 2014، على طلب بوتين استخدام قوات الجيش الروسي في أوكرانيا تمهيداً لضم شبه جزيرة القرم، لكنه تم إلغاء التفويض بعد مرور بضعة أشهر فقط على ضم شبه الجزيرة ذات الأغلبية الروسية، وهو أمر لم يحدث في الحالة السورية.