حتى منتصف عام 2014، لم تكن القدرات العسكرية العراقية تتجاوز قدرات أي جهاز أمن محلي بالمنطقة العربية. وقد غادرت قوات الاحتلال الأميركية البلاد عام 2011 مخلفةً وراءها جيشاً مرتبكاً يفتقر لقدرات القتال وتتركز مهامه على تفتيش السيارات والمنازل وتنفيذ مذكرات الاعتقال. وانكسر هذا الجيش عند أول اختبار له حين اجتاح تنظيم "داعش" مدن شمال وغرب العراق واحتلها في غضون 48 ساعة فقط، واستولى التنظيم خلالها على أسلحة الجيش ومعداته من القواعد التي تركها خلفه عام 2014.
وعلى الرغم من تخصيص ما مجموعه 71 مليار دولار بين العامين 2006 و2014، لتطوير الجيش خلال فترة حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية، إلا أن الجيش العراقي كان متهالكاً. وتشير التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع إلى أنه لم يكن يملك حتى منتصف يونيو/ حزيران 2014، إلا ثلاث طائرات "سوخوي" الروسية والقديمة، واحدة منها غير صالحة للطيران. كما كان لديه 21 طائرة مروحية فقط، منها 9 غير هجومية وتخصص لأغراض النقل. وبلغ عدد أفراده 400 ألف جندي، أكثر من نصفهم غير مدربين على القتال ويعانون من مشاكل صحية مختلفة، وآخرون متغيبون ممن أطلق عليهم أخيراً مصطلح "الفضائيون" وتم طردهم من الجيش.
وذكرت تقارير عسكرية عراقية أن الجيش يمتلك حالياً 76 طائرة مقاتلة حديثة، من بينها سرب مقاتلات "أف 16" وسربين من طائرات "سوخوي 25" ومقاتلات "ألكا" التشيكية و"فالكون" الأميركية، كما يملك 129 طائرة مروحية قتالية أميركية وروسية وبريطانية وفرنسية، فضلاً عن 411 دبابة أميركية وروسية و2643 مدرعة حديثة، وسبعة آلاف ناقلة جند وألفي عربة قتالية من طراز "همفي" الأميركية و"بنهارد" الفرنسية، و128 قطعة حربية بحرية ومنظومات صواريخ أرض جو مضادة للطائرات. كما دشن الجيش العراقي مطلع العام الحالي أول قوة صاروخية لديها قدرة على إصابة أهداف خارج الحدود العراقية.
ويبلغ تعداد الجيش العراقي حالياً 276 ألف جندي، وعدد قوات احتياط يبلغ نحو 350 ألف عنصر، وهو أقل بكثير من العدد السابق قبل سيطرة تنظيم "داعش". وقد تقلصت الأعداد بعد حملة الإصلاحات التي نفذها رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، إذ أمر بطرد ما لا يقل عن 60 ألف جندي متغيب أو فار من القتال، كما أبعد نحو 12 ألفاً ممن يعانون من مشاكل صحية.
وذكر عضو لجنة الأمن والدفاع العراقية في البرلمان العراقي ماجد الغراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في الوقت السابق للأسف، كانت أغلب قيادة الجيش تدين بالولاء لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي بعيداً عن المهنية وبعيداً عن العمل الوطني الذي قد يجعل الجيش مؤسسة حقيقية مستقلة ومحصنة من التدخلات الحزبية، وهذا أحد أسباب انكساراته واجتياح داعش للعراق". وأضاف أن هذا الوضع تغير اليوم، وأن "الانتصارات المتحققة أكبر دليل على ذلك". وتابع أنه "في السابق كان الجيش يعتبر طائفياً بسبب اختزال المالكي ضباطه وقياداته بلون معين، كما أن المناصب كانت تشترى فيه، لكن الآن هناك تغيير واضح ويمكن القول إن الجيش العراقي بات الآن أقوى بعدة أضعاف من السابق".
وبشأن دلالات تعزيز قوة الجيش العراقي، قال الخبير بالشؤون العراقية، رياض عبد الحميد الجبوري، إن "تكريس الولايات المتحدة أكثر من 50 بالمائة من جهودها العسكرية في العراق على بناء الجيش الحالي يأتي ضمن استراتيجية تهدف لعدم تكرار السيناريو اللبناني عندما تحول حزب الله لقوة موازية للجيش اللبناني الذي يمثل جميع اللبنانيين"، وفق تعبيره. وأضاف أنه "حتى وقت قريب كانت الرغبة الأميركية بجيش عراقي دفاعي لضبط الأمن فقط، لكن الأمور الآن تغيرت وهناك عملية تزويد سلاح وتدريب وبناء وحدات جديدة وكل هذا لمواجهة تغول إيران عبر المليشيات العراقية ورغبة واشنطن بأن لا تكون المليشيات أقوى من الجيش بالوقت الحالي". وأكد أن "عملية إبعاد قيادات عسكرية طائفية مقربة من نوري المالكي ساهمت في بناء صورة أفضل للجيش". وخلص إلى أن "ذلك لا يعني أن الجيش تعافى من طائفيته ومن الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها على أسس طائفية خلال معاركه أو انتهاكات بحقوق الإنسان، لكن حاله الآن أفضل بكثير" مما كان عليه في السابق.