تعذيب الجسد.. لغة المحتجين في الجزائر

06 مارس 2016
يخيطون أفواههم احتجاجاً (فيسبوك)
+ الخط -


أقدمت مجموعة من العاطلين عن العمل على خياطة أفواههم، وتجريح أجسادهم بشفرات الحلاقة، وتعليق حبال حول رقابهم، في محافظة ورقلة جنوب الجزائر، احتجاجاً على حرمانهم من فرص العمل، ما أعاد لغة الاحتجاج بتعذيب الجسد إلى واجهة الأحداث في البلاد.

وفي قراءة للسجل الاحتجاجي للجزائريين، نجد أن طريقة الاحتجاج تطورت من السلوك السلمي بداية ثمانينيات القرن الماضي، إلى التعبير العنفي بقطع الطرق وحرق العجلات المطاطية، ليصل الأمر في السنوات الأخيرة إلى حد تعذيب الجسد على مرأى الجميع.

وأعطى حرق محمد البوعزيزي التونسي، مع هبوب أولى رياح الربيع العربي، إشارة انطلاق ظاهرة "الانتحار حرقا" في الجزائر. وأحرق ثلاثة أشخاص أنفسهم، منهم تلميذ أحرق نفسه في ساحة المدرسة أمام زملائه، في حين أقدم شاب من محافظة برج بوعريريج (شرق الجزائر) على بتر عضوه الذكري، احتجاجاً على إقصائه من امتحان التوظيف، وابتدع سجين جزائري، ظاهرة "خياطة الفم" داخل زنزانته في أوكرانيا، احتجاجاً على وضعه، ثم انتقلت الظاهرة إلى الجزائر.

اقرأ أيضاً: بو عزيزي.. شرارة الربيع العربي وأيقونته

وتحصي الشرطة الجزائرية عشرات حالات التهديد بالانتحار حرقا أو عن طريق تفجير قوارير الغاز، احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية المزرية.

يروي "كمال.ج"، سائق في شركة خاصة، لـ"العربي الجديد"، عن محاولته الانتحار قبل ثلاث سنوات حرقاً، ويقول: "جاءت قوات الأمن إلى حينا (حي قصديري) لإخراجنا من منازلنا بأمر من السلطات المحلية بدون تقديم توضيحات، فلم أجد من سبيل لإيقافهم سوى صب البنزين على جسدي، فإذا بشرطي يرتمي علي ويوقفني".

 تعذيب الجسد عندما لا يجد الكلام آذاناً صاغية (فيسبوك)


ويواصل كمال وعلامات الندم بادية على وجهه "الله غالب (عبارة يقولها الجزائريون تعبيرا عن عدم القدرة على فعل شيء ما)، لم أحتمل رؤية زوجتي وابني في الشارع، شعرت بأنني ضعيف ولا أستطيع حماية عائلتي، فلم أجد سبيلاً للهرب من الواقع إلا بحرق نفسي، وأنا نادم اليوم".

يرى المتتبعون للشأن الاجتماعي في الجزائر أن التوجه لاستعمال الجسد كوسيلة للضغط والتعبير عن سخطهم، جاء بعد انتشار اليأس في ظل بقاء السلطات في موضع المتفرج، وغياب العدالة الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: توفيق الذي أحرق نفسه

وحسب عالم الاجتماع مروان عداد، فإن العنف الذاتي في الاحتجاجات هو "وسيلة ضغط ولفت لانتباه الرأي العام بعد استنفادهم كل الطرق". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا السلوك تجاه الذات فيه نوع من الاستعراض، وربما فيه جدّية أيضاً، يلجأ إليها المحتج لكي يُظهر لمجتمعه أن هناك فئة منه تعاني ويجب العناية بها".

من جانبها، ترى المختصة في علم النفس، كريمة مدان، أن "تجاهل الآخرين وجودك ككائن حي يعاني يدفعك إلى التعبير عبر تعذيب الذات، فيصبح الجسد هو من يدفع الثمن. كأن المحتج يقول يا من لم ينفع معهم الكلام الآن، النار أو شفرات الحلاقة ستسمعكم صوتي".

وفي نظر علماء الدين، فإن إحراق الذات، أو الامتناع عن الطعام حتى الموت، أو تقطيع الجسد تعبيراً عن رفض واقع، لا يجوز شرعاً.

وبالنسبة للإمام طيب تركي، الخطيب في مسجد الفلاح، فإن "الإنسان لا يملك نفسه، بل هو مؤتمن على نفسه، لأنه هو وما يملك ملك لله تعالى، لذا يجب أن يكون الاحتجاج وفق ضوابط شرعية تحفظ النفس أولاً".

وتتسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الجزائر، وما صاحبها من إجراءات تقشفية لجأت لها الحكومة، إلى ارتفاع موجات الاحتجاج في مختلف مدن البلاد، خاصة مع تدني القدرة الشرائية للجزائريين بفعل انخفاض قيمة الدينار وارتفاع نسبة التضخم.

اقرأ أيضاً: رجل يحرق نفسه بريف الحسكة احتجاجاً على تجنيد ابنه
المساهمون