مع إقرار السعودية رسمياً بمقتل الصحافي والكاتب جمال خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول التركية، دخلت اتفاقية فيينا المنظِّمة لعمل البعثات الدبلوماسية حيّز النقاش، خصوصاً حول صلاحية محاكمة المتهمين بالوقوف وراء الجريمة على الأراضي التركية، مع تشديد السلطات السعودية على أن الجريمة وقعت على أرض تحت سيادتها (القنصلية السعودية في إسطنبول)، وستصل إلى محاكمها. في المقابل، برزت دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى إعادة النظر في اتفاقية فيينا، لتطرح الكثير من التساؤلات، في ظل تعقيدات كبيرة في هذا الملف.
وقال أردوغان، في خطاب ألقاه الثلاثاء: "أعتقد أن اتفاقية فيينا حول حصانة المقرات الدبلوماسية، أصبحت على المحك الآن"، مضيفاً أن "الاتفاقية لم تمنح إمكانية استجواب العاملين في القنصلية، وينبغي إعادة النظر فيها". وقبلها قال الرئيس التركي "لا نريد أن يفكر أحد حتى بمجرد التستر على هذه الجريمة، وهناك احتمال كبير أن يتم طرح معاهدة فيينا على الطاولة"، مشيراً إلى أن لبلاده الحق بالتحقيق بمقتل خاشقجي، باعتبار أن الجريمة نفذت في إسطنبول.
والخميس، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، إن "اتفاقية فيينا تقضي بإجراء تحقيق حول مقتل خاشقجي وفق القوانين التركية، ومحاكمة الضالعين بالجريمة في تركيا، على الرغم من وقوع الجريمة داخل القنصلية السعودية". وفي اليوم ذاته، أكد وزير العدل التركي، عبد الحميد غُل، الأمر ذاته، مشيراً إلى أن اتفاقية فيينا ترسم إطار كيفية التعامل. كما لفت إلى أن "النائب العام (التركي) لا يمكنه اتخاذ قرار بتفتيش مبنى القنصلية وقت ما يشاء"، موضحاً أن مدى تعاون ورضى الدولة المعنية بالأمر يعد "عاملاً مؤثراً".
في المقابل، فإن وزير العدل السعودي، وليد الصمعاني، قال بالتزامن مع إقرار المملكة بمقتل خاشقجي، إن قضية الأخير "وقعت على أرض سيادتها للمملكة (القنصلية السعودية في إسطنبول)، وستصل إلى قضاء المملكة بعد اكتمال المتطلبات".
هذا الواقع يطرح تساؤلات عن وجود إمكانية حقيقية لتعدل اتفاقية فيينا، المعنية بالتعامل مع سفارات وقنصليات أي دولة بالخارج، ولها شق مرتبط بالعلاقات الدبلوماسية، يعطي الدبلوماسيين وكل من يحمل صفة دبلوماسية في نطاق عمله، حصانة مطلقة وشاملة. وللاتفاقية شقّ ثان معني بالعلاقات القنصلية، صدر العام 1963. لكن لفت كذلك اعتبار الاتحاد الأوروبي أن ظروف مقتل خاشقجي تشكل "انتهاكاً صارخاً" لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، وتحديداً مادتها رقم 55، مصراً على "ضرورة إجراء تحقيق شامل".
اقــرأ أيضاً
وفي هذا السياق، قال الخبير في القانون الدولي في معهد بروكينغز، سكوت أندرسون، لوكالة "الأناضول"، إنه "لا يوجد مسار محدد مسبقاً لتغيير اتفاقية فيينا، فبإمكان الدول الأطراف في الاتفاقية اتخاذ قرار جماعي من أجل إجراء تغيير في الاتفاقية، أو توقيع اتفاقية جديدة لإجراء التغيير فيها". وأشار أندرسون إلى أنه لن يكون من السهل إعادة تنظيم الاتفاقية التي يبلغ عدد الدول الموقّعة عليها 179، لكنه قال "إن الأطراف فيها عانت من حين إلى آخر بسبب الحماية والحصانة المنصوص عليها في الاتفاقية، ولكنها لا تريد بشكل عام الانسحاب منها لحماية حقوقها القنصلية". ولفت إلى أن لتركيا الحق في الانسحاب من الاتفاقية، ولكن ذلك لن يكون في صالحها، لأنه سيحرم ممثلياتها الدبلوماسية في الخارج من حقوق الحماية التي توفرها الاتفاقية. وأضاف أن "هناك خياراً آخر هو قيام تركيا ومجموعة من الدول بما فيها السعودية بتوقيع اتفاقيات ثنائية جديدة تتضمن أحكاماً إضافية على اتفاقية فيينا".
أما عن الاختصاص في قضية مقتل خاشقجي، فنقلت وكالة "الأناضول" عن مصدر معني بالقانون الدولي، قوله إن "هناك فرقاً كبيراً بين اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وفيينا للعلاقات القنصلية، وهنا مربط الفرس في قضية خاشقجي". وأوضح المصدر أن "وزير العدل السعودي ذكر أن قنصلية بلاده في إسطنبول تخضع لسيادة المملكة، وهذا غير سليم بالمرة، فالسفارات والقنصليات جزء أصيل من إقليم الدولة المضيفة". وأشار إلى أن السفارات والقنصليات "ليست امتداداً جغرافياً وإقليمياً للدولة الموفدة، ولكن يعتقد البعض ذلك التزاماً بما يقال من أن الدولة المضيفة تلتزم بحرمتها وحصانتها". وتابع: "هذا غير صحيح، لأن هذه حالة مرتبطة فقط في القانون الدولي بوقت الحروب، مع السعي لجعل تلك الأماكن بمنأى عن أي اعتداء، لا أكثر". وبالنسبة له، فإن "الحصانة مطلقة للدبلوماسيين، ولكنها محدودة للقناصل، وحالياً، تجري تركيا تحقيقاً يتفق مع القانون الدولي، ومن حقها أن تستدعي كل القناصل الذين يعملون بالقنصلية بعد طلب هذا من السعودية". لكنه استدرك "لكنها (تركيا) ستواجه عائقاً لو أن أحد القناصل يحمل صفة دبلوماسية". وأشار إلى أن "حصانة القناصل مرتبطة فقط بوظائفهم، التي يخرج بالطبع عنها ارتكاب الجرائم داخل البعثات القنصلية"، مشيراً إلى أنه من حق السعودية وتركيا التحقيق في الأمر.
يُذكر أن اتفاقية فيينا تنص في مادتها 55، على أنه على "جميع المتمتعين بالامتيازات والحصانات، مع عدم الإخلال بها، احترام قوانين الدولة المضيفة وأنظمتها، وعليهم كذلك عدم التدخل في شؤونها الداخلية"، وعدم استخدام "البعثات بطريقة لا تتفق مع ممارسة الوظائف القنصلية".
(الأناضول)
وقال أردوغان، في خطاب ألقاه الثلاثاء: "أعتقد أن اتفاقية فيينا حول حصانة المقرات الدبلوماسية، أصبحت على المحك الآن"، مضيفاً أن "الاتفاقية لم تمنح إمكانية استجواب العاملين في القنصلية، وينبغي إعادة النظر فيها". وقبلها قال الرئيس التركي "لا نريد أن يفكر أحد حتى بمجرد التستر على هذه الجريمة، وهناك احتمال كبير أن يتم طرح معاهدة فيينا على الطاولة"، مشيراً إلى أن لبلاده الحق بالتحقيق بمقتل خاشقجي، باعتبار أن الجريمة نفذت في إسطنبول.
في المقابل، فإن وزير العدل السعودي، وليد الصمعاني، قال بالتزامن مع إقرار المملكة بمقتل خاشقجي، إن قضية الأخير "وقعت على أرض سيادتها للمملكة (القنصلية السعودية في إسطنبول)، وستصل إلى قضاء المملكة بعد اكتمال المتطلبات".
هذا الواقع يطرح تساؤلات عن وجود إمكانية حقيقية لتعدل اتفاقية فيينا، المعنية بالتعامل مع سفارات وقنصليات أي دولة بالخارج، ولها شق مرتبط بالعلاقات الدبلوماسية، يعطي الدبلوماسيين وكل من يحمل صفة دبلوماسية في نطاق عمله، حصانة مطلقة وشاملة. وللاتفاقية شقّ ثان معني بالعلاقات القنصلية، صدر العام 1963. لكن لفت كذلك اعتبار الاتحاد الأوروبي أن ظروف مقتل خاشقجي تشكل "انتهاكاً صارخاً" لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، وتحديداً مادتها رقم 55، مصراً على "ضرورة إجراء تحقيق شامل".
وفي هذا السياق، قال الخبير في القانون الدولي في معهد بروكينغز، سكوت أندرسون، لوكالة "الأناضول"، إنه "لا يوجد مسار محدد مسبقاً لتغيير اتفاقية فيينا، فبإمكان الدول الأطراف في الاتفاقية اتخاذ قرار جماعي من أجل إجراء تغيير في الاتفاقية، أو توقيع اتفاقية جديدة لإجراء التغيير فيها". وأشار أندرسون إلى أنه لن يكون من السهل إعادة تنظيم الاتفاقية التي يبلغ عدد الدول الموقّعة عليها 179، لكنه قال "إن الأطراف فيها عانت من حين إلى آخر بسبب الحماية والحصانة المنصوص عليها في الاتفاقية، ولكنها لا تريد بشكل عام الانسحاب منها لحماية حقوقها القنصلية". ولفت إلى أن لتركيا الحق في الانسحاب من الاتفاقية، ولكن ذلك لن يكون في صالحها، لأنه سيحرم ممثلياتها الدبلوماسية في الخارج من حقوق الحماية التي توفرها الاتفاقية. وأضاف أن "هناك خياراً آخر هو قيام تركيا ومجموعة من الدول بما فيها السعودية بتوقيع اتفاقيات ثنائية جديدة تتضمن أحكاماً إضافية على اتفاقية فيينا".
يُذكر أن اتفاقية فيينا تنص في مادتها 55، على أنه على "جميع المتمتعين بالامتيازات والحصانات، مع عدم الإخلال بها، احترام قوانين الدولة المضيفة وأنظمتها، وعليهم كذلك عدم التدخل في شؤونها الداخلية"، وعدم استخدام "البعثات بطريقة لا تتفق مع ممارسة الوظائف القنصلية".
(الأناضول)