تعديلات المناهج الدراسية في الأردن.. جدل التغيير

28 سبتمبر 2016
جدل بعد تعديل في المناهج الدراسية في الأردن(العربي الجديد)
+ الخط -

تصاعدت حدة الجدل الدائر في الأردن منذ بداية العام الدراسي الحالي، بعد إجراء تعديلات على المناهج الدراسية، في الأوساط التربوية والنقابية، فيما تداول ناشطون وأولياء أمور العديد من الصور والأمثلة المقارِنة بين المنهجين القديم والجديد، من دون تفصيل واضح لحقيقة ما جرى من تعديلات، ما زاد من مساحة التأويل ومغالاة بعضهم في كيل الاتهامات حول حقيقة تلك التغييرات، بدون الاحتكام لرأي مختص أو خبير.

وفي خضم الأزمة التي تلف تغييرات المناهج الجديدة جاء موقف نقابة المعلمين شديداً ووصل إلى حد المطالبة بإقالة وزير التربية والتعليم، ما يعكس انقطاع قنوات الحوار والتعاون بين الوزارة ومجلس النقابة، فيما عبر معلمون عن رفضهم التغييرات الحاصلة بمقاطعتهم المناهج والعزوف عن تدريسها، مطالبين الوزارة بتغييرها.

تركزت جملة الانتقادات لتعديلات المناهج، على رفض تخفيف دروس وأنشطة حفظ السور القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة من كتب اللغة العربية، إذ استبدلت عبارة (حفظ السورة) بعبارة (قراءة السورة)، بالإضافة إلى حذف الصور المتعلقة بأداء الصلاة، وحذف النشاط المتعلق بالبحث عن حديث شريف، واستبعاد المسجد من قائمة أماكن التعلم، وحذف غالبية الآيات القرآنية من الدروس في كتاب التربية الوطنية للصف السادس.

وشملت التغييرات التي أجريت تعديلات شكلية، إذ أضيفت صور لرجل غير ملتحٍ وامرأة غير محجبة، واستبدلت الأسماء التقليدية بأخرى جديدة في غالبية المواضع، الأمر الذي اعتبره مشرفون تربويون وخبراء بأنه اتجاه لصياغة للمنهج بأسلوب حداثي، بينما رفضه آخرون باعتباره تعديلاً غير مبرر، كون المقررات السابقة تتماشى وروح العصر، وتزرع قيم الإخاء والتسامح ولا تشجع على التزمت أو التطرف، على حد قولهم.


نقيب المعلمين: التعديلات تشويه متعمّد


يرى نقيب المعلمين باسل فريحات، أن التغيير والاستبدال في المناهج لا يقل عن ثلاثين صفحة، إذ بُني التعديل على اختزال الدروس والأنشطة التي تركز على القرآن الكريم والحديث النبوي، بالإضافة إلى استبعاد العديد من دروس القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، واصفاً ذلك التغيير، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد"، بـ "التشوهات المتعمدة" التي تصرف النشء عن أمته والقضية الفلسطينية بتكريس ما وصفه بـ"اللغة التطبيعية"، وحذف العديد من المحاور المتعلقة بها، على حد قوله.

واعتبرت نقابة المعلمين في بيان أصدرته، أن تغيير المناهج كانت القشة التي قصمت الظهر ودفعت إلى المطالبة بإقالة وزير التربية والتعليم محمد الذنيبات نتيجة العبث بالمناهج الوطنية، وقد جاءت هذه الخطوة عقب جملة من الإجراءات التي رفضتها النقابة، كالتعريف الجديد لمهنة المعلم بموجب قانون وزارة التربية المعدل لعام 2016، وانتهاج السلبية مع مجلس النقابة، وفقاً للبيان.



التربية: الكتب الجديدة تطوّر مهارات التفكير


في بيانها التوضيحي بعد أزمة تغيير المناهج، قالت وزارة التربية والتعليم، إن الكتب الجديدة هدفت إلى تطوير مهارات التفكير والتحليل لدى الطلبة والابتعاد ما أمكن عن حالة التلقين والحشو الزائد، وركزت على قيم الأمة وحضارتها ووسطيتها وثوابتها، وليس كما زعم البعض أنها دخلت في معركة مع القيم الإسلامية وانسلخت عنها، داعية إلى النظر للمناهج الجديدة كوحدة واحدة من دون اجتزاء، موزعة على صفوف ومراحل دراسية متكاملة، وتزويد الجهة المختصة بأي ملاحظات حول الكتب باعتبارها نسخة تجريبية.

ردود أفعال متباينة لأولياء الأمور

وسط هذا السجال، تباينت ردود أفعال أولياء الأمور إزاء التعديلات الحاصلة، وتقول منى عبدالله وهي أم لطالبة في الصف الثالث لـ"العربي الجديد": "كان الأولى بوزارة التربية تطوير المناهج بما يعالج الضعف المستشري لدى الطلبة الأردنيين في اللغة العربية والإنكليزية والرياضيات". مضيفة أن الإبقاء على أنشطة حفظ الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة لن يقلل من القيمة المنفعية للمناهج بل على العكس يثريها.

في المقابل يؤيد والد كريم، الطالب في الصف السادس، تطوير المناهج لتعزيز الروح الإبداعية لدى الطلبة، معتبراً أن التعديلات السطحية التي جرت على المناهج كتعديل الصور مثلاً غير فاعلة، باعتباره تعديلاً على المظهر وليس الجوهر، قائلا إن "التغيير الحقيقي يجب أن يقوم على تشجيع الابتكار والتفكير التحليلي بعيداً عن السرد والحشو الزائد".


خبير تربوي: التعديلات إيجابية وبعضها جدلي

يؤكد الخبير التربوي ذوقان عبيدات أن الكتب الجديدة لم تحمل أي تعديلات تمسّ المعتقدات الإسلامية أو تخالف المنهج، وتابع في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن هذه التعديلات جاءت بعد أن كانت وزارة التربية قد أصدرت عام 2015 كتباً مدرسية مليئة بالمغالطات العلمية التي تم نقدها، فعادت التربية للتغيير عام 2016.

وانطلاقاً من دراسة وتحليل التعديلات يوضح عبيدات أن "ما جرى هو تنظيم المحتوى في الكتب الجديدة، إذ كان حجم النصوص الدينية في الكتب السابقة كبيراً جداً، وأنشطة الحفظ في كل درس تثقل ظهر الطالب في المرحلة الابتدائية، وتم تخفيفها، بينما احتفظت كتب العلوم بالآيات القرآنية في استهلالات الدروس رغم أن مواضيعها علمية بحتة".

وأبرز عبيدات عدداً من إيجابيات التغيير أهمها أنها تكرّس احترام التعددية الدينية والثقافية، وتسهم في بلورة هوية أردنية واضحة لدى الطالب، وهذا كان غائباً عن الكتب السابقة.

واعتبر الخبير التربوي أنه كان الأجدر بوزارة التربية تحاشي بعض التغييرات التي سببت جدلاً واسعاً، خاصة لدى فئة الناس البسيطة، كالتعديلات التي أجرتها على الأسماء، والتعديلات الشكلية التي تضمنت تغييراً على لباس المرأة، علماً أن كل الصور المعروضة في مقررات التربية الإسلامية حافظت على مظهر الرجل والمرأة ولم يطرأ التعديل سوى على صور المرأة في معرض الحديث عنها في بيتها، أما استبدال اسم محمد فلم يأت في سياق ديني، كما خلصت دراسة عبيدات للكتب.

وفي سياق متصل، أشار عبيدات إلى إخفاق القائمين على التعديل بإضافة دروس ولّدت تأويلات خطيرة للمضامين التي حملتها، وكان من الضروري استبعادها من الكتب الدراسية حتى لا يقع اللغط القائم، من ذلك نص (الحية والحسون) الموجود في مقرر اللغة العربية للصف السابع، والذي جاء فيه، "قالت الحية: وأعرف هيكلاً مطموراً تحت تراب الأرض، لم يهتد إليه باحث أو منقب بعد، أزوره مرة في الشهر، وهو من بناء جبابرة الأزمنة الغابرة. وقد نقشت على جدرانه أسرار جميع الأزمنة والأمكنة"، إذ ذهب الكثيرون إلى تفسير الهيكل الوارد في النص، على أنه يرمز إلى هيكل سليمان المزعوم تحت المسجد الأقصى. موضحاً أن النص لجبران خليل جبران الذي رحل عام 1930 قبل نشوء الأفكار الصهيونية المزعومة، وكتبه جبران في عشرينيات القرن الماضي، مما يدرأ أي شبهات عن الكاتب.

وبين شد وجذب من وزارة التربية ونقابة المعلمين، سادت الضبابية المشهد، نظراً إلى غياب الدراسات التحليلية المختصة للتعديلات التي جرت، بهدف الحصول على نتائج متكاملة تتناول سلبيات وإيجابيات التغيير. وفي سبيل احتواء الأزمة التي أحدثتها الكتب الجديدة، قامت الوزارة بتشكيل لجنة لمراجعة المناهج بإيعاز من وزير التربية والتعليم، تضم عشرة أعضاء من ذوي الاختصاص، لدراسة التعديلات وتقديم ملاحظاتهم في تقارير مفصلة. من جهتها، بينت مديرة إدارة المناهج والكتب المدرسية في وزارة التربية وفاء العبداللات أنهم ما زالوا بانتظار تقارير اللجنة، رافضة التعليق على ما نشرته النقابة من نقد للكتب الجديدة.

دلالات