تعديلات اقتصاديّة رقابيّة عربيّة

15 ابريل 2015
الرقابة تكسب البورصات قوة اقتصادية (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
تأتي استحقاقات التعديلات الخاصة في بعض القوانين والتشريعات المرتبطة بالبورصات، بعد أن تمر في إطار تجريبي لبعض الوقت عندما تكون في بداياتها كونها اجتهادات بشرية قابلة للخطأ والتغيير. لذلك، أخذت التشريعات والقوانين العالمية سنوات طويلة من التطبيق والتعديل ولا تزال في حالة مراجعة دورية ومستمرة بل وتخضع لتغيير معايير بين الحين والآخر.

وفي العام الحالي، اتخذت دول عديدة قرارات بشأن بعض قوانينها وتشريعاتها التي رأت بأنها مهمة في الوقت الحاضر كي تقوم بتعديل المسار السابق الذي قد يكون فيه شيء من الأخطاء البشرية المتخذة، في وقت اختلفت فيه الظروف المحيطة، ليأتي شكل القانون بما خرج به ظناً ممّن وضعه بأنه الأفضل لتطبيق ممارسات رقابية فعالة.

في جمهورية مصر، اتخذ قرار تطبيق ضرائب مالية على أرباح وتداولات الأسهم في البورصة التي سجلت خلال العام الماضي مراكز متقدمة على مستوى أداء مؤشراتها لتتفوّق على عدد كبير من البورصات العربية، بيد أن هذا القرار، كما وصفه مراقبون متخصصون، سيكون له أثر سلبي في أداء المؤشرات العامة للبورصة، بل وسيؤدي إلى ضعف في أحجام التداول، وهو أمر متوقع نظراً لحجم تداولات المستثمر الأجنبي مقارنة بالمستثمر المصري.

ولا بد من القول بأن من اتخذ هذا القرار يعتقد بأن هذه الممارسة الرقابية والمشاركة بالأرباح هي وسيلة تعود بالنفع على الاقتصاد المصري، ولا يمكن ضمان هذا الأثر كونه ينطلق من توقعات قد تستند إلى دراسات ذات مدلولات خاطئة تماماً، ولهذا يجب أن تكون نافذة التغيير بمثل تلك القرارات دائماً مفتوحة حتى يأتي التطبيق بنتائج فعلية تستند إليها القرارات التغييرية والتي يؤمل منها التصحيح.

وفي الكويت، أقر البرلمان عدداً من التعديلات على قانون هيئة أسواق المال، ومنها إعفاء أرباح الأسهم من الضرائب، وهو بعكس ما اتخذ في جمهوية مصر العربية، ولذلك رأينا بأن البورصة المصرية تفاعلت بتراجع مؤشراتها، والبورصة الكويتية سجلت ارتفاعاً.

كما كانت لعدد من التعديلات في الكويت آثار مختلفة أدت إلى حصول ارتفاعات في أول جلسة تداول بعد التعديلات. فقد تراجع المؤشر السعري العام عن أعلى مستوى له في الجلسة إثر عدم وضوح كيفية التعامل الجديد مع تعديلات استحقّت، نظراً للحالة التي مرت بها البورصة الكويتية خلال السنوات الماضية ومن خلال التطبيق الرقابي الجديد الذي بدأ في العام 2010 مع قانون إنشاء هيئة أسواق المال والتي تعتبر آخر هيئة تم استحداثها في الخليج، على الرغم من أن البورصة الكويتية هي الأولى بين نظرائها في المنطقة.

ولهذا، كانت المطالبات بالتغيير متفقة على المبدأ ومختلفة على النمط، فقد طالب بذلك التغيير كل من الهيئة والحكومة ومجلس النواب والمتداولين والمستثمرين والشركات المدرجة والاستثمارية وشركات الوساطة، وهي أجمعت على ضرورة تلك التعديلات التي من الممكن أن تعيد للبورصة الأقدم خليجياً أن تعود إلى بريقها السابق والمفقود، بل والذي كان يسير بعكس البورصات الخليجية التي سجلت خلال العام الماضي تعافياً كبيراً قبل تراجع النفط.

لا شك أنه يمكن للجهات الرقابية أن تستفيد من تلك التجربة عن طريق البعد عن التشدد في التطبيق ونشر الثقافة التي يحتاجها المتعامل حتى لا يقع في المخالفات القانونية، وخاصة في ظل وجود عقوبات تصل إلى السجن والغرامات المالية الكبيرة، وهي لا تفرّق بين حسن النوايا وعكسها.

وخلال ما مرت به حالة الجدل بشأن التعديل الخاص ببعض مواد القانون الخاص بهيئة أسواق المال الكويتية، كانت الدروس المستفادة من هذا الأمر هي اتساع رقعة التغيير الشامل لتعزيز دور الرقابة دون الإفراط في هيبتها التي يعتمد عليها حتى لا تكون الحلقة الأضعف في ممارسات الاستثمار في الأوراق المالية، ولهذا عززت بعض من تلك التغييرات سطوة الهيئة عن طريق دخول الأسهم المرهونة لدى المصارف وكيفية تسييلها تحت مظلة قواعد تضعها وتشرف على تطبيقها الهيئة.

رقابة موحّدة خليجياً
ومن التعديلات التي تعزز من دور المراجعة والتحديث هي قابلية التعاون مع الجهات الرقابية الأخرى وتبادل تلك الخبرات، بل وتوحيد بعض من التطبيقات الرقابية حتى تصبح المنظومة الخليجية أكثر قوة اقتصادياً، وتعزيز التعاون المشترك الرقابي الذي يعتبر من القواسم المشتركة لدول تكاد البيئة الاستثمارية تكون فيها متطابقة.

وفي وقت سابق من العام الحالي، قامت هيئة الأسواق السعودية كذلك بإقرار قبول استحواذ المستثمرين الأجانب على الأسهم السعودية وهو ما كان غير مسموح به بشكل مباشر في البورصة الأكبر من حيث الرأسمال عربياً، وهي كذلك خطوة هامة دفعت إلى تعزيز المكاسب وتوسيع قاعدة الاستثمار المستقبلية التي لا شك ستزيد من تدفقات السيولة إلى منطقة الخليج.

(خبير اقتصادي كويتي)

إقرأ أيضا: الرعاية الصحيّة السعوديّة تستحوذ على 18% من الموازنة
المساهمون