18 نوفمبر 2024
تعامل ترامب مع جائحة كورونا وتأثيرها المحتمل في حظوظه الانتخابية
باتت جائحة فيروس كورنا المستجد التهديد الأكبر الذي يواجه فرص إعادة انتخاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ويبدو أن هذه الأزمة ستكون العامل الحاسم في تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وربما التشريعية كذلك، فقد ساهم رد فعل ترامب الأوّلي المستخف بالوباء، ثم الاستجابة المرتبكة والمتأخرة لإدارته في التعامل مع تفشيه، في انهيار أسواق الأسهم المالية. وشلّ التعامل اللازم والمتأخر مع الفيروس مظاهر الحياة وكشف ضعف البنية الصحية الأميركية، فضلًا عن فقدان مئات آلاف من الأميركيين وظائفهم. وتتوقع تقديرات أن تصل نسبة العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة إلى أكثر من 20%. وقد ترتفع أكثر، في حال استمرت الأزمة إلى ما بين 12 و18 شهرًا كما تشير جهات مختصة. ويعيش اليوم عشرات الملايين من الأميركيين تحت حجر كامل، وقرّر ترامب نشر عشرات آلاف من قوات الحرس الوطني للمساعدة في جهود احتواء هذا الفيروس في الولايات الأشدّ تأثرًا، مثل نيويورك وكاليفورنيا. وإذا ما عجزت إدارة ترامب عن منع انهيار الاقتصاد ومعالجة مشكلة البطالة الفادحة التي ستترتب على هذه الجائحة، فإن هذا سيحرم ترامب من ورقته الأقوى في معركة الانتخابات الرئاسية، الاقتصاد.
الإنكار والتهوين
مع تسجيل أول إصابة أميركية بفيروس كورونا المستجد، في 21 كانون الثاني/ يناير 2020، في ولاية واشنطن، سارع ترامب إلى التهوين من حجم التهديد، وأصرّ على أن الأمور تسير على نحو جيد، وأنها تحت السيطرة. أطلق ترامب هذه المواقف، على الرغم من التحذيرات المتتالية التي كانت تصدر في الوقت ذاته عن خبراء ومسؤولين في مجالات مكافحة الأمراض المُعدية والأوبئة والأمن البيولوجي. وكان تقدير استخباري بعثه إليه مدير المخابرات الوطنية الأميركية، في كانون الثاني/ يناير 2020، حمل تحذيرًا من انكشاف الولايات المتحدة الأميركية أمام هذا الفيروس، بعد تفشّيه في الصين في كانون الأول/ ديسمبر 2019، ولكن ترامب تجاهل التحذير، واعتبر الأمر كله مجرد "خدعة" ديمقراطية جديدة، مثل "خدعة" محاولة عزله.
جاء التحرّك العملي الأول لترامب في 31 كانون الثاني/ يناير 2020؛ إذ أصدر قرارًا بحظر دخول معظم الأجانب الذين زاروا الصين أخيرا إلى الولايات المتحدة، ولكن الحظر لم
يشمل الأميركيين الذين كانوا يسافرون إليها. ومع تفاقم المشكلة، وإصابة مزيد من الأميركيين بالفيروس، ظل ترامب يتعامل مع الأزمة كأن رئاسته وشخصه هما الموضوع الرئيس، كما واصل التقليل من حجم الخطر الذي يمثّله الوباء، مخافة حصول انهيار اقتصادي يُضعف حظوظه الانتخابية. ونتيجة ذلك، أهدرت الإدارة الوقت، بدلًا من العمل على تطوير إجراءاتٍ أشدّ صرامة لاحتواء الفيروس وإبطاء انتشاره. وكان في إمكانها رفع جاهزية الحكومة الفدرالية وتنبيه الولايات إلى ضرورة رفع جاهزيتها. كما كان في وسعها أن تدفع إلى التعجيل في صناعة أدوات الوقاية، وتجهيز المعدّات اللازمة للكشف عن المرض، وزيادة نسبة الفحوصات، وصناعة أجهزة التنفس، وحثّ الأميركيين على اتخاذ الاحتياطات اللازمة أمامه، هذا فضلًا عن تعليق السفر من دول أخرى وإليها، وإخضاع القادمين إلى الولايات المتحدة لفحوصات طبية مشدّدة.
ومع الوقت، بدأ ترامب يدرك أن هذا الفيروس أبعد من أن يكون أزمة عابرة، ومع ذلك ظل يقارب المسألة لناحية انعكاسها بالدرجة الأولى على البورصة، وعلى صورته وقيادته. بل ضغطت إدارته على الكونغرس، في خضم تفشّي الوباء، لإجراء تخفيضات كبيرة على ميزانيتي المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، والمعهد الوطني للصحة، إلا أن الكونغرس رفض ذلك. ثمَّ بدأ ترامب يروج فكرة أن الفيروس سيتلاشى ويختفي في الأشهر المقبلة، مع ارتفاع درجات الحرارة. ووصل به الأمر إلى أن اعتبر أن الإنفلونزا مرضٌ أخطر من فيروس كورونا المستجد، على أساس أنها تقتل عددًا أكبر من الناس كل عام.
تطلّب الأمر انهيار الأسواق المالية، وتدخل أعضاء الكونغرس من الجمهوريين، وحتى إصابة بعض حلفائه بالفيروس، ليقتنع، أخيرًا، أن الوضع خطير. حينها، تبنّى ترامب مقاربة جديدة، تقوم على تحميل غيره مسؤولية تفشّي الفيروس، فاتهم الصين بإخفاء حجم الكارثة عن العالم، كما اتهم الديمقراطيين بالمساهمة في نشر الفيروس داخل البلاد لدفاعهم عن سياسة الحدود المفتوحة، وأخيرًا اتهم إدارة سلفه، باراك أوباما، بالتسبّب في النقص الكبير في أجهزة الكشف عن المرض. في حين أن إدارة ترامب هي التي أغلقت، عام 2018، مكتب الأمن الصحي العالمي والدفاع البيولوجي. وكان هذا المكتب يتبع مجلس الأمن القومي الأميركي.
ارتباك المقاربة
لم ينعكس فهم ترامب لخطورة الأزمة، أخيرًا، على أدائه في التعامل معها. لذلك، بدأ فريق الرئيس يضغط عليه، لأخذ زمام المبادرة، وتعبئة إمكانات الحكومة الفدرالية للتصدّي لها. وفي
مساء اليوم نفسه الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا المستجد رسميًا وباءً عالميًا، قرّر ترامب أن يوجه خطابًا إلى الأمة من المكتب البيضاوي حذر فيه الشعب الأميركي من "عدوى رهيبة".
كان واضحًا أن الخطاب قد وضعه، على عجل، مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، ومستشاره الآخر، ستيف ميلر. وعلى الرغم من أن الخطاب كان قصيرًا، إذ لم يتجاوز عشر دقائق، وكان يفترض أن يقدم ترامب قائدًا للبلاد في هذه المرحلة الحرجة، فإنه احتوى أخطاء جوهرية؛ وهو ما دفع الوكالات المختصة إلى محاولة الاستدراك، الأمر الذي أضعف صورة ترامب. وقد تضمن الخطاب ثلاثة إجراءات رئيسة، هي:
• وضع قيود على السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة، باستثناء الأميركيين الذي يريدون العودة، بعد أن يخضعوا لإجراءات الفحص المناسبة. واستثنى القرار، في المرة الأولى، بريطانيا، بذريعة أن لديها سياسات حدودية قوية، على الرغم من أنها تعاني تفشّي هذا الفيروس، كإيطاليا وفرنسا وألمانيا. كما أعلن ترامب أن قرار التعليق سيشمل التبادل التجاري مع أوروبا، إلا أن الإدارة عادت لاحقًا لتوضح أنه لن يشملها قرار التعليق. وبعد أيام، تمت إضافة بريطانيا إلى قائمة الدول التي يشملها قرار تعليق السفر. وقد أثار القرار غضب الاتحاد الأوروبي؛ ذلك أنه جاء من دون تنسيق معه.
• وعد ترامب أن تقوم شركات التأمين الصحي بتغطية جميع نفقات علاج مشتركيها المصابين بالفيروس، لكن الإدارة عادت وصححت هذه المعلومة، موضحةً أن التغطية ستقتصر على اختبارات الإصابة بالعدوى من عدمها.
• تقديم حُزم تحفيز اقتصادية بعشرات المليارات من الدولارات، مثل قروض ميسّرة للأعمال
الصغيرة، وتمديد مهلة دفع الضرائب إلى الحكومة الفدرالية، ومطالبة الكونغرس بأن يعمل على خطة إنقاذ اقتصادي بقيمة تريليون دولار. لكن الديمقراطيين في الكونغرس يعارضون هذه الحزم، لأنها لا تشتمل على ميزانيات للعمال، سيما الذين سيتعطلون عن العمل، ولا ميزانيات كافية للمستشفيات ولوازمها.
استمرت مظاهر الفوضى في تعامل إدارة ترامب مع الأزمة في تدخلاته الشخصية في قرارات تقنية وتخصّصية دقيقة؛ ما جعل عمل الوكالات المختصة أكثر صعوبة. فعلى سبيل المثال، أعطى ترامب مرارًا آمالا عن قرب إنتاج لقاح ضد الفيروس، مع أن الخبراء في إدارته نفوا ذلك. ثمَّ بدأ يروّج أدوية تستخدم في علاج الملاريا كعقاقير لعلاج فيروس كورونا المستجد، وهو ما استلزم تدخل الخبراء والوكالات المختصة في إدارته لكبح جماح تصريحاته. وعلى الرغم من أنه أعلن، في 18 آذار/ مارس 2020، عن تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي الذي يتيح إنتاج المعدّات والأجهزة الطبية المطلوبة، فإنه لا يزال يتصارع مع بعض حكام الولايات، كحاكم ولاية نيويورك، ويطالبهم بالعمل بأنفسهم على إيجاد وشراء أجهزة التنفس الصناعي والأسرّة الطبية وغير ذلك.
تداعيات الأزمة على حظوظ ترامب الانتخابية
يتفق أغلب المراقبين في الولايات المتحدة على أن تعامل ترامب مع جائحة فيروس كورونا المستجد سيكون المعيار الأساس، وربما الوحيد، في الحكم عليه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومع أن القدرات القيادية التي أفصح عنها ترامب متواضعة جدًا، إن لم تكن كارثية، فإن ثمّة عوامل تزيد من ضعفه وأخرى تقف لمصلحته.
1 ــ العوامل التي تقف ضده:
• بنى ترامب شعبيته، خلال السنوات الثلاث الماضية، على أرضية اقتصادية؛ حيث شهدت البلاد في عهده ازدهارًا اقتصاديًا كبيرًا، وتراجعًا لنسب البطالة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة. صحيحٌ أن ذلك الازدهار بدأ تحت إدارة أوباما، لكنّ الأميركيين يحكمون على الواقع في الحاضر من دون تحليل عوامل نشوئه. وكما تعطيه غالبية الأميركيين فضل الاقتصاد القوي، فإنهم قد يحمّلونه مسؤولية انهياره بسبب تفشّي الوباء.
• توجّه الديمقراطيين إلى حسم الانتخابات التمهيدية لمصلحة نائب الرئيس السابق، جو بايدن،
الذي يستفيد من انشغال الرئيس بأزمة فيروس كورونا لإعادة ترتيب أوضاعه.
• أسلوب ترامب الفوضوي والمرتبك في إدارة ملف جائحة فيروس كورونا في الأسابيع الأولى، وتحميل طيفٍ واسعٍ من الإعلام الأميركي له مسؤولية تفشّي الوباء، في مقابل الخطاب العقلاني لبايدن، وتقديمه برنامجًا مفصلًا لكيفية تعامله مع الأزمة، لو وصل إلى البيت الأبيض، وهي كلها عوامل تضعف موقف ترامب في الانتخابات المقبلة.
• عدم قدرة ترامب على إقامة تجمعات ومهرجانات انتخابية ضخمة؛ ما يُضعف من قدرته على حشد قاعدته الانتخابية.
• قد يتخلى بعض مؤيدي ترامب عنه، إذا فشلت جهوده في السيطرة على تفشّي الوباء، وما يتبع ذلك من تأثير في الحياة اليومية للمواطنين، وأوضاعهم الاقتصادية.
2. عوامل لمصلحته:
• ما تزال أغلبية القاعدة الانتخابية لترامب متمسّكة به وموحدة وراءه، بغض النظر عن تقييمها
مستوى استجابة إدارته أزمة الوباء.
• استغلال ترامب الأزمة لتأكيد صحة مواقفه المرتبطة بمعارضته سياسة الحدود المفتوحة أو المرنة؛ وهذا يفسّر إصراره على وصف فيروس كورونا بأنه أجنبي، أو "صيني"، ومن ثمّ فهو يرى أنه كان محقًا في إصراره على تأمين الحدود والحدِّ من الهجرة، وتقليل الاعتماد على الصناعات الصينية، في ضوء عجز الولايات المتحدة عن توفير أبسط المستلزمات للتعامل مع هذه الأزمة، مثل الكمّامات الواقية والقفازات الطبية والمعقّمات.
• إذا نجحت خطة ترامب في إنقاذ الاقتصاد الأميركي وتحفيزه، فقد تزداد فرص فوزه بالانتخابات.
• عجز الديمقراطيين حتى الآن عن توحيد صفوفهم؛ بسبب استمرار المنافسة، فضلًا عن تعليق ولاياتعديدة انتخاباتها التمهيدية بسبب الجائحة.
• يحاول ترامب تقديم نفسه بأنه رئيس في حالة حرب، على أمل أن يوحد الأميركيين خلفه ويستمروا في دعمه.
خاتمة
تمثل جائحة فيروس كورنا المستجد أكبر تحدٍّ يواجهه الرئيس الأميركي ترامب، بعد أكثر من ثلاث سنوات على تبوئه منصب الرئاسة. ويبدو أن هذه الأزمة ستكون العامل الحاسم في تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ فعلى الرغم من أن أعداد المصابين بين الأميركيين، رسميًا، تجاوزت 30 ألف شخص إلى الآن، وتوفي منهم أكثر من 370، فإن التخمينات تفيد بأن عشرات الآلاف قد يكونون مصابين بالفيروس، وعشرات ملايين آخرين سيصابون به. وإذا عجزت إدارة ترامب عن انتشال الاقتصاد من الانهيار ومعالجة مشكلة البطالة الفادحة التي ستترتب على هذه الجائحة، فإن ترامب سينتهي رئيسًا بولاية واحدة.
مع تسجيل أول إصابة أميركية بفيروس كورونا المستجد، في 21 كانون الثاني/ يناير 2020، في ولاية واشنطن، سارع ترامب إلى التهوين من حجم التهديد، وأصرّ على أن الأمور تسير على نحو جيد، وأنها تحت السيطرة. أطلق ترامب هذه المواقف، على الرغم من التحذيرات المتتالية التي كانت تصدر في الوقت ذاته عن خبراء ومسؤولين في مجالات مكافحة الأمراض المُعدية والأوبئة والأمن البيولوجي. وكان تقدير استخباري بعثه إليه مدير المخابرات الوطنية الأميركية، في كانون الثاني/ يناير 2020، حمل تحذيرًا من انكشاف الولايات المتحدة الأميركية أمام هذا الفيروس، بعد تفشّيه في الصين في كانون الأول/ ديسمبر 2019، ولكن ترامب تجاهل التحذير، واعتبر الأمر كله مجرد "خدعة" ديمقراطية جديدة، مثل "خدعة" محاولة عزله.
جاء التحرّك العملي الأول لترامب في 31 كانون الثاني/ يناير 2020؛ إذ أصدر قرارًا بحظر دخول معظم الأجانب الذين زاروا الصين أخيرا إلى الولايات المتحدة، ولكن الحظر لم
ومع الوقت، بدأ ترامب يدرك أن هذا الفيروس أبعد من أن يكون أزمة عابرة، ومع ذلك ظل يقارب المسألة لناحية انعكاسها بالدرجة الأولى على البورصة، وعلى صورته وقيادته. بل ضغطت إدارته على الكونغرس، في خضم تفشّي الوباء، لإجراء تخفيضات كبيرة على ميزانيتي المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، والمعهد الوطني للصحة، إلا أن الكونغرس رفض ذلك. ثمَّ بدأ ترامب يروج فكرة أن الفيروس سيتلاشى ويختفي في الأشهر المقبلة، مع ارتفاع درجات الحرارة. ووصل به الأمر إلى أن اعتبر أن الإنفلونزا مرضٌ أخطر من فيروس كورونا المستجد، على أساس أنها تقتل عددًا أكبر من الناس كل عام.
تطلّب الأمر انهيار الأسواق المالية، وتدخل أعضاء الكونغرس من الجمهوريين، وحتى إصابة بعض حلفائه بالفيروس، ليقتنع، أخيرًا، أن الوضع خطير. حينها، تبنّى ترامب مقاربة جديدة، تقوم على تحميل غيره مسؤولية تفشّي الفيروس، فاتهم الصين بإخفاء حجم الكارثة عن العالم، كما اتهم الديمقراطيين بالمساهمة في نشر الفيروس داخل البلاد لدفاعهم عن سياسة الحدود المفتوحة، وأخيرًا اتهم إدارة سلفه، باراك أوباما، بالتسبّب في النقص الكبير في أجهزة الكشف عن المرض. في حين أن إدارة ترامب هي التي أغلقت، عام 2018، مكتب الأمن الصحي العالمي والدفاع البيولوجي. وكان هذا المكتب يتبع مجلس الأمن القومي الأميركي.
ارتباك المقاربة
لم ينعكس فهم ترامب لخطورة الأزمة، أخيرًا، على أدائه في التعامل معها. لذلك، بدأ فريق الرئيس يضغط عليه، لأخذ زمام المبادرة، وتعبئة إمكانات الحكومة الفدرالية للتصدّي لها. وفي
كان واضحًا أن الخطاب قد وضعه، على عجل، مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، ومستشاره الآخر، ستيف ميلر. وعلى الرغم من أن الخطاب كان قصيرًا، إذ لم يتجاوز عشر دقائق، وكان يفترض أن يقدم ترامب قائدًا للبلاد في هذه المرحلة الحرجة، فإنه احتوى أخطاء جوهرية؛ وهو ما دفع الوكالات المختصة إلى محاولة الاستدراك، الأمر الذي أضعف صورة ترامب. وقد تضمن الخطاب ثلاثة إجراءات رئيسة، هي:
• وضع قيود على السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة، باستثناء الأميركيين الذي يريدون العودة، بعد أن يخضعوا لإجراءات الفحص المناسبة. واستثنى القرار، في المرة الأولى، بريطانيا، بذريعة أن لديها سياسات حدودية قوية، على الرغم من أنها تعاني تفشّي هذا الفيروس، كإيطاليا وفرنسا وألمانيا. كما أعلن ترامب أن قرار التعليق سيشمل التبادل التجاري مع أوروبا، إلا أن الإدارة عادت لاحقًا لتوضح أنه لن يشملها قرار التعليق. وبعد أيام، تمت إضافة بريطانيا إلى قائمة الدول التي يشملها قرار تعليق السفر. وقد أثار القرار غضب الاتحاد الأوروبي؛ ذلك أنه جاء من دون تنسيق معه.
• وعد ترامب أن تقوم شركات التأمين الصحي بتغطية جميع نفقات علاج مشتركيها المصابين بالفيروس، لكن الإدارة عادت وصححت هذه المعلومة، موضحةً أن التغطية ستقتصر على اختبارات الإصابة بالعدوى من عدمها.
• تقديم حُزم تحفيز اقتصادية بعشرات المليارات من الدولارات، مثل قروض ميسّرة للأعمال
استمرت مظاهر الفوضى في تعامل إدارة ترامب مع الأزمة في تدخلاته الشخصية في قرارات تقنية وتخصّصية دقيقة؛ ما جعل عمل الوكالات المختصة أكثر صعوبة. فعلى سبيل المثال، أعطى ترامب مرارًا آمالا عن قرب إنتاج لقاح ضد الفيروس، مع أن الخبراء في إدارته نفوا ذلك. ثمَّ بدأ يروّج أدوية تستخدم في علاج الملاريا كعقاقير لعلاج فيروس كورونا المستجد، وهو ما استلزم تدخل الخبراء والوكالات المختصة في إدارته لكبح جماح تصريحاته. وعلى الرغم من أنه أعلن، في 18 آذار/ مارس 2020، عن تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي الذي يتيح إنتاج المعدّات والأجهزة الطبية المطلوبة، فإنه لا يزال يتصارع مع بعض حكام الولايات، كحاكم ولاية نيويورك، ويطالبهم بالعمل بأنفسهم على إيجاد وشراء أجهزة التنفس الصناعي والأسرّة الطبية وغير ذلك.
تداعيات الأزمة على حظوظ ترامب الانتخابية
يتفق أغلب المراقبين في الولايات المتحدة على أن تعامل ترامب مع جائحة فيروس كورونا المستجد سيكون المعيار الأساس، وربما الوحيد، في الحكم عليه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومع أن القدرات القيادية التي أفصح عنها ترامب متواضعة جدًا، إن لم تكن كارثية، فإن ثمّة عوامل تزيد من ضعفه وأخرى تقف لمصلحته.
1 ــ العوامل التي تقف ضده:
• بنى ترامب شعبيته، خلال السنوات الثلاث الماضية، على أرضية اقتصادية؛ حيث شهدت البلاد في عهده ازدهارًا اقتصاديًا كبيرًا، وتراجعًا لنسب البطالة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة. صحيحٌ أن ذلك الازدهار بدأ تحت إدارة أوباما، لكنّ الأميركيين يحكمون على الواقع في الحاضر من دون تحليل عوامل نشوئه. وكما تعطيه غالبية الأميركيين فضل الاقتصاد القوي، فإنهم قد يحمّلونه مسؤولية انهياره بسبب تفشّي الوباء.
• توجّه الديمقراطيين إلى حسم الانتخابات التمهيدية لمصلحة نائب الرئيس السابق، جو بايدن،
• أسلوب ترامب الفوضوي والمرتبك في إدارة ملف جائحة فيروس كورونا في الأسابيع الأولى، وتحميل طيفٍ واسعٍ من الإعلام الأميركي له مسؤولية تفشّي الوباء، في مقابل الخطاب العقلاني لبايدن، وتقديمه برنامجًا مفصلًا لكيفية تعامله مع الأزمة، لو وصل إلى البيت الأبيض، وهي كلها عوامل تضعف موقف ترامب في الانتخابات المقبلة.
• عدم قدرة ترامب على إقامة تجمعات ومهرجانات انتخابية ضخمة؛ ما يُضعف من قدرته على حشد قاعدته الانتخابية.
• قد يتخلى بعض مؤيدي ترامب عنه، إذا فشلت جهوده في السيطرة على تفشّي الوباء، وما يتبع ذلك من تأثير في الحياة اليومية للمواطنين، وأوضاعهم الاقتصادية.
2. عوامل لمصلحته:
• ما تزال أغلبية القاعدة الانتخابية لترامب متمسّكة به وموحدة وراءه، بغض النظر عن تقييمها
• استغلال ترامب الأزمة لتأكيد صحة مواقفه المرتبطة بمعارضته سياسة الحدود المفتوحة أو المرنة؛ وهذا يفسّر إصراره على وصف فيروس كورونا بأنه أجنبي، أو "صيني"، ومن ثمّ فهو يرى أنه كان محقًا في إصراره على تأمين الحدود والحدِّ من الهجرة، وتقليل الاعتماد على الصناعات الصينية، في ضوء عجز الولايات المتحدة عن توفير أبسط المستلزمات للتعامل مع هذه الأزمة، مثل الكمّامات الواقية والقفازات الطبية والمعقّمات.
• إذا نجحت خطة ترامب في إنقاذ الاقتصاد الأميركي وتحفيزه، فقد تزداد فرص فوزه بالانتخابات.
• عجز الديمقراطيين حتى الآن عن توحيد صفوفهم؛ بسبب استمرار المنافسة، فضلًا عن تعليق ولاياتعديدة انتخاباتها التمهيدية بسبب الجائحة.
• يحاول ترامب تقديم نفسه بأنه رئيس في حالة حرب، على أمل أن يوحد الأميركيين خلفه ويستمروا في دعمه.
خاتمة
تمثل جائحة فيروس كورنا المستجد أكبر تحدٍّ يواجهه الرئيس الأميركي ترامب، بعد أكثر من ثلاث سنوات على تبوئه منصب الرئاسة. ويبدو أن هذه الأزمة ستكون العامل الحاسم في تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ فعلى الرغم من أن أعداد المصابين بين الأميركيين، رسميًا، تجاوزت 30 ألف شخص إلى الآن، وتوفي منهم أكثر من 370، فإن التخمينات تفيد بأن عشرات الآلاف قد يكونون مصابين بالفيروس، وعشرات ملايين آخرين سيصابون به. وإذا عجزت إدارة ترامب عن انتشال الاقتصاد من الانهيار ومعالجة مشكلة البطالة الفادحة التي ستترتب على هذه الجائحة، فإن ترامب سينتهي رئيسًا بولاية واحدة.