بدا المشهد الأميركي يوم الأحد الماضي خارج المألوف إلى حد ملحوظ. فمستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي الجنرال هاربرت ماكمستر زار أفغانستان في أعقاب استخدام "أم القنابل" هناك، فيما كان من المفترض أن يقوم وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بالزيارة، باعتبار أن هذا التطور العسكري يخص وزارته. بينما صرّح الوزير بأن "الرئيس دونالد ترامب وفريقه العسكري على اطلاع بأن كوريا الشمالية أجرت تجربة صاروخية فاشلة. ولا تعليق". وفي العادة يدلي المتحدث الرسمي في البيت الأبيض بمثل هذا التصريح، أو ربما يتولى إعلانه وزير الخارجية لكونه يتعلق بأزمة من العيار الثقيل.
في غضون ذلك، قام نائب الرئيس مايك بانس بزيارة عاجلة إلى كوريا الجنوبية، كان يتولاها وزير الخارجية في حالات مماثلة سابقاً، على اعتبار أنه الممثل الأول للسياسة الخارجية والمتحدث باسمها، حتى لو كان للأزمة طابع عسكري. بينما لا أثر لحضور وزير الخارجية في التعاطي مع الوضع الكوري. وترامب قضى الإجازة في منتجعه بولاية فلوريدا، من دون أن يصدر عنه موقف مباشر في الموضوع.
كل هذه المفارقات جدّدت طرح تساؤلات: من له الغلبة من فريق السياسة الخارجية في صياغة قراراتها والتأثير على توجّهات الرئيس الأميركي بشأنها والنطق باسمها؟ ثم لماذا يتوالى صدور الإشارات المتباينة وأحياناً المتضاربة إزاء القضية الواحدة، في مواقف المسؤولين المعنيين بها؟
الواضح أن الجنرالين مكماستر وماتيس قد تمكّنا من كسب موقع جعل منهما صاحبي الصوت المسموع في أمور السياسة الخارجية والأمن القومي. بل ثمة ما يشير إلى وجود تناغم وتنسيق بينهما وبما يجعل منهما فريقاً واحداً ضمن الفريق المعني بالشأن الدفاعي-الخارجي. اعتبارات وعوامل كثيرة ساهمت في صعودهما إلى هذه المرتبة. منها، عدا عن الكفاءة، أن ترامب لا يطيق التعامل مع نخب السياسة الخارجية ومدرستها القائمة على الحسابات الجيوسياسية ودروس التاريخ وضرورة التماسك والتكامل بين التوجهات. مقاربته من هذه الناحية تقوم على مبدأ التعاطي بالمفرق مع الأزمات، على طريقة إدارة الأعمال. ومنها أيضاً أن ترامب الذي لا يتحمل النكسات لصورته، يأتمن أصحاب الخلفية العسكرية المتميزة بانضباطها ودقة حساباتها. فليس صدفة أن معظم أركان إدارته في هذا المجال هم من ذوي هذه الخلفية. وتساءل أحد المعلقين عما "إذا كان العسكر في نهاية المطاف، هو الذي يوجّه سياسة ترامب الخارجية؟"، لا سيما بعدما خلت الساحة للجنرالين مكماستر وماتيس إثر التغييرات التي أقدم عليها الرئيس، بتأثير منهما، في تركيبة فريقه الأمني الخارجي، والتي تمثّلت بالإطاحة بالجنرال مايكل فلين وتقليص حجم ونفوذ المستشار ستيفن بانون وربما وضعه على طريق التخلي عنه لاحقاً.
اقــرأ أيضاً
وفي هذا السياق، كان من اللافت أن يشير ماتيس في تصريحه بخصوص كوريا الشمالية إلى أن "الرئيس وفريقه العسكري" أخذوا علماً بالتجربة الصاروخية الكورية الشمالية. لم يقل "فريقه للأمن القومي" الذي يشمل وزير الخارجية ريكس تيلرسون. وكأنه يستثني هذا الأخير ولو بزلة لسان، تعبيراً عن واقع الحال. ويبدو من عودة تغييب تيلرسون في الأزمة الكورية، أن زيارته إلى موسكو بخصوص سورية والتي برز فيها على غير الصورة المرتسمة عنه، كانت استثنائية، وحصلت على خلفية أن له معرفة وتجارب سابقة في التعامل مع القيادة الروسية، أكثر مما كانت مهمة من صلب اختصاصه.
بنتيجة عملية الفرز والتموضع هذه والتي ما زالت جارية، توالى التضارب في تعبيرات الإدارة الأميركية حول التوتر مع كوريا الشمالية، كما سبق وتوالى بشأن سورية. ففيما قال بانس في العاصمة الكورية الجنوبية إن "كل الأوراق على الطاولة" بما فيها الخيار العسكري للرد على الشمال، اكتفى الجنرال ماكمستر بالتشديد على أهمية "اتخاذ كافة الخطوات ما عدا الخيار العسكري حالياً"، مع أن البيت الأبيض تراجع عن تهديده بالرد على كوريا الشمالية لو أجرت تجربة نووية أو صاروخية. ووجدت الإدارة في فشل التجربة الصاروخية التي بدت كمخرج لحفظ ماء الوجه، ما يعفي من توجيه ضربة عسكرية حذر منها الصينيون والكثير من الدوائر الأميركية.
قبل توليه الرئاسة، نادى ترامب بوجوب الابتعاد عن سورية. في النهاية عاد ووجّه ضربة لقاعدة الشعيرات. كذلك لوّح بالقوة لو أصرت كوريا الشمالية على تجربتها الصاروخية، لكنه تراجع في النهاية بعد التجربة. بصرف النظر عن صحة تسويغ الإدارة لموقفيها في الحالتين، تبقى مخاطر سياسة القفز لهذه الإدارة، سواء كانت تعبيراً عن الضياع أو التضييع، راجحة على المدى الأبعد.
في غضون ذلك، قام نائب الرئيس مايك بانس بزيارة عاجلة إلى كوريا الجنوبية، كان يتولاها وزير الخارجية في حالات مماثلة سابقاً، على اعتبار أنه الممثل الأول للسياسة الخارجية والمتحدث باسمها، حتى لو كان للأزمة طابع عسكري. بينما لا أثر لحضور وزير الخارجية في التعاطي مع الوضع الكوري. وترامب قضى الإجازة في منتجعه بولاية فلوريدا، من دون أن يصدر عنه موقف مباشر في الموضوع.
الواضح أن الجنرالين مكماستر وماتيس قد تمكّنا من كسب موقع جعل منهما صاحبي الصوت المسموع في أمور السياسة الخارجية والأمن القومي. بل ثمة ما يشير إلى وجود تناغم وتنسيق بينهما وبما يجعل منهما فريقاً واحداً ضمن الفريق المعني بالشأن الدفاعي-الخارجي. اعتبارات وعوامل كثيرة ساهمت في صعودهما إلى هذه المرتبة. منها، عدا عن الكفاءة، أن ترامب لا يطيق التعامل مع نخب السياسة الخارجية ومدرستها القائمة على الحسابات الجيوسياسية ودروس التاريخ وضرورة التماسك والتكامل بين التوجهات. مقاربته من هذه الناحية تقوم على مبدأ التعاطي بالمفرق مع الأزمات، على طريقة إدارة الأعمال. ومنها أيضاً أن ترامب الذي لا يتحمل النكسات لصورته، يأتمن أصحاب الخلفية العسكرية المتميزة بانضباطها ودقة حساباتها. فليس صدفة أن معظم أركان إدارته في هذا المجال هم من ذوي هذه الخلفية. وتساءل أحد المعلقين عما "إذا كان العسكر في نهاية المطاف، هو الذي يوجّه سياسة ترامب الخارجية؟"، لا سيما بعدما خلت الساحة للجنرالين مكماستر وماتيس إثر التغييرات التي أقدم عليها الرئيس، بتأثير منهما، في تركيبة فريقه الأمني الخارجي، والتي تمثّلت بالإطاحة بالجنرال مايكل فلين وتقليص حجم ونفوذ المستشار ستيفن بانون وربما وضعه على طريق التخلي عنه لاحقاً.
وفي هذا السياق، كان من اللافت أن يشير ماتيس في تصريحه بخصوص كوريا الشمالية إلى أن "الرئيس وفريقه العسكري" أخذوا علماً بالتجربة الصاروخية الكورية الشمالية. لم يقل "فريقه للأمن القومي" الذي يشمل وزير الخارجية ريكس تيلرسون. وكأنه يستثني هذا الأخير ولو بزلة لسان، تعبيراً عن واقع الحال. ويبدو من عودة تغييب تيلرسون في الأزمة الكورية، أن زيارته إلى موسكو بخصوص سورية والتي برز فيها على غير الصورة المرتسمة عنه، كانت استثنائية، وحصلت على خلفية أن له معرفة وتجارب سابقة في التعامل مع القيادة الروسية، أكثر مما كانت مهمة من صلب اختصاصه.
قبل توليه الرئاسة، نادى ترامب بوجوب الابتعاد عن سورية. في النهاية عاد ووجّه ضربة لقاعدة الشعيرات. كذلك لوّح بالقوة لو أصرت كوريا الشمالية على تجربتها الصاروخية، لكنه تراجع في النهاية بعد التجربة. بصرف النظر عن صحة تسويغ الإدارة لموقفيها في الحالتين، تبقى مخاطر سياسة القفز لهذه الإدارة، سواء كانت تعبيراً عن الضياع أو التضييع، راجحة على المدى الأبعد.