تظاهرة في شارع الحمرا

05 يناير 2015
كنا نجيد الرقص والتمرّد في شارع الحمرا (Getty)
+ الخط -
عقدنا اجتماعاً سرياً في الثانوية. حسمنا الأمر وقرّرنا. نعم! سنتظاهر في الشارع العام. هكذا ختم صديقنا النقاش، ولهذا السبب عقدت الجلسة. بدأنا تسجيل أسماء المتظاهرين، ثمّ شرعنا في توزيع المهمات. دعوة تلاميذ الصفوف الأخرى كانت همنا الأكبر.

علينا أن نقوم بالعمل في منتهى السرية. وليد كان التلميذ المكلّف بتلك المهمة، وعلينا أن نحمّسه أكثر. اقترب عدنان، ربت على كتفيه، وقال: "يا وليد، أنت كمَن ينشر دعوة الآن. أنت كهؤلاء العظام الذين مرّوا على الشعوب وغيّروها".

انطلق وليد مزهوّاً بحماسة فائقة. هو الآن صاحب دعوة، وعليه نشرها. رسم أحدنا خريطة شارع الحمرا كاملة. كان دقيقاً بالرسم، لم ينسَ تسجيل أسماء فرن المناقيش، محل الأحذية، إشارات السير، بائع السحلب.

سأل صديق آخر: "ماذا لو استعملت الشرطة مضخات ماء"؟ صمت، ثم انفجر الجميع في حلقة أشبه بسيرك عضلات. صرخ أحدهم: "سنواجه .. لن نخاف بعد اليوم.." حاولت المشاركة بدوري: "فليكن.. نحن بحاجة إلى دم.. دم يغذي عناوين الصحف ليؤلّب الرأي العام"! لاقت الفكرة استحسان الجميع، أسرعنا إلى منازلنا نتجهّز ليوم التظاهرة.

هي الأولى التي أشارك فيها خلال حياتي. حاولت ليلاً كتابة رسالة لأمي وإخوتي. تركتها على سريري: "خرجت لأجلكم.. لأجلنا". تجمعنا صباح اليوم الموعود أمام باب المدرسة، وتوجهنا نحو شارع الحمرا. في الواقع، لم يكن هناك حشد حقيقي، كنّا قرابة الـ26 تلميذاً فقط. في الشارع الرئيسي، وقف عدنان وقال: "يا رفاق، علينا أن نهتف بلائحة المطالب". أين لائحة المطالب! أدركنا حينها أننا نسينا أمراً مهماً.

لم يكن هناك مطالب فعلياً. غلبتنا الحماسة لفكرة التظاهرة. أدركنا أنّنا لم نكن نملك شيئاً لنقوله. فيما شخصت أنظار الناس، قطع وليد إرباكنا وراح يغني: "اساري سار الليل.. حب حبيبك سار الليل..". ضحكنا جميعاً، وأخذنا بالغناء والتصفيق خلفه. عدنا أدراجنا معترفين بحماقتنا، لكننا كنا سعيدين. عدنا بعد تلك التظاهرة الخائبة، لكننا لم نعد كما كنا. حدث بعدها بسنوات، أنّنا كنا نجيد الغناء والرقص والتمرد في شارع الحمرا.
دلالات
المساهمون