تطوّر أشكال التظاهرات وطرق تنظيمها في المغرب

28 ابريل 2016
تحمل معظم التظاهرات طابعاً اجتماعياً (منير محيمدات)
+ الخط -
في المغرب آلاف التظاهرات سنوياً، معظمها اجتماعي. أساليبها وطرق تنظيمها تطوّرت بالترافق مع ازدياد عددها

يخرج المغاربة إلى الشارع من أجل الاحتجاج بمعدل 31 مرة في اليوم الواحد. فقد شهد عاما 2015 و2016 أكثر من 16 ألف تظاهرة واحتجاج بحسب إحصاءات جديدة أصدرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

تشهد التجمعات والتظاهرات، التي يتعلق معظمها بالملف الاجتماعي، تنامياً مضطرداً يفسره مراقبون بازدياد المطالب لدى كثير من الشرائح الاجتماعية، وارتفاع جرعة حرية التعبير، وازدياد الوعي بالحقوق لدى المواطنين.

يرى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي استشاري) إدريس اليزمي أنّ "ازدياد التظاهرات الاحتجاجية، بمختلف أشكالها، مؤشّر صحي على تعافي الجسد الديموقراطي والحقوقي والسياسي في المملكة". ويؤكد أنّ خروج المواطنين إلى الشارع بهدف التظاهر بكلّ حرية، والمطالبة بحقوقهم المختلفة في شتى المجالات، لا يتعين أن يُؤخذ بعين الشك أو يُنظر إليه بمنطق الخوف، بل يجب التعامل معه على أنه أحد التعبيرات الراقية الدالة على المواطنة، بشرط سلمية التظاهرات والترخيص لها من طرف السلطات.

يشير اليزمي إلى أنّ "تنظيم التظاهرات الاحتجاجية، سواء المسيرات أو الوقفات أو الاعتصامات، لا يشكل تهديداً للأمن العام، بل هو عامل يؤشّر إلى نضج المجتمع، إذ يمكنه تصريف احتقانه أو غضبه عن طريق احتجاجات منظمة وسلمية، لها أهداف واضحة ومحددة". يضيف: "بقدر ما تُعَدّ التظاهرات الاحتجاجية عنواناً بارزاً على قبول الدولة بالرأي المخالف واحتضانها للأصوات الغاضبة والمحتجة ومعرفتها بمطالب المواطنين في مختلف الفئات الاجتماعية، بقدر ما يتعيّن على هؤلاء المحتجين أيضاً أن يحرصوا على الحصول على تراخيص وفق ما تنص عليه قوانين التجمعات في المغرب".

تحمل معظم تظاهرات العام الجاري راية المطالب الاجتماعية. أبرزها على الإطلاق احتجاجات طلاب الطب والأطباء والمدرّسين المتدربين. بالنسبة إلى الفئة الأولى، نظم مئات من الأطباء وقفات عديدة في شوارع الرباط، للمطالبة بتحسين أوضاعهم وكذلك التراجع عن "الخدمة الإجبارية" للأطباء في أرياف المملكة.

بخلاف الأطباء الذين سرعان ما خفضت الحكومة رأسها لعاصفة احتجاجاتهم بالتجاوب مع أغلب مطالبهم الآنية، فإنّ احتجاجات المدرّسين المتدربين عرفت زمناً أطول وأكثر تعقيداً، وشهدت شوارع مدن عديدة اعتصامات ووقفات وتظاهرات احتجاجية طوال ستة أشهر تقريباً.

إلى جانب الأعداد الكبيرة من المواطنين الذين شاركوا في التظاهرات، فإنّ أشكال التظاهرات وطرق تنظيمها تطوّرت أيضاً. من ذلك احتجاجات المدرّسين المتدربين الذين نظموا اعتصاماتٍ شهدت إلقاء أشعار وتبادل تجارب وأفكار. وعرفت تظاهرات أخرى نظمها سكان مدينة طنجة (شمال) شكلاً جديداً من الاحتجاج، تمثل في إطفاء أضواء البيوت مرة في الأسبوع وإيقاد الشموع في الشوارع، وذلك تعبيراً عن غضبهم العارم من فواتير الكهرباء المرتفعة التي تصدرها شركة فرنسية مكلفة بتدبير قطاع تزويد الماء والكهرباء في المدينة.


ولجأ عديد من الشباب المكفوفين في العاصمة الرباط إلى أشكال عنيفة في الاحتجاج ضد ما سمّوه تلكؤ الحكومة في تلبية مطالبهم الاجتماعية، وعلى رأسها توظيفهم في مهن تلائم إعاقتهم. وعمدوا أكثر من مرة إلى محاولة إضرام النار في أنفسهم، وأحياناً اعتراض سير القطارات بشكل جماعي، وهم يربطون بين بعضهم البعض بسلاسل حديدية.

جديد الاحتجاجات في المغرب ظهور قوة صاعدة ومؤثرة من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً "فيسبوك". كثيرة هي الاحتجاجات التي انطلقت من هناك، سواء بالدعوة إليها أو تحديد مواعيدها. من ذلك "ثورة الشموع" في طنجة، والوقفات الاحتجاجية المتضامنة مع فتاتين اعتقلتا قبل أسابيع بسبب ملابس قيل إنّها استفزت بائعين في سوق في مدينة إنزكان (غرب).

ترى الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير أنّ "فيسبوك" بات ذا تأثير قوي وملحوظ في تنظيم الاحتجاجات، منذ ما سمّي بـ"فضيحة كالفان" وهو المجرم الإسباني الذي اغتصب أطفالاً مغاربة وجرى العفو عنه بالخطأ، ما أثار ضجة واحتجاجات عارمة في البلاد، انطلقت في البداية من "فيسبوك".

تؤكد العوفير أنّ "الاحتجاج الذي ينطلق من الانترنت، يتسم بأنّه أكثر سلاسة ولا يعرف تعقيدات الهيئات السياسية والنقابية التي تدعو إلى الاحتجاجات تحت دوافع وشروط معينة، فناشطو الإنترنت غالباً ما لا تقف خلفهم مبررات أيديولوجية. تحوّلت مواقع التواصل إلى قوة ضاغطة اعترف بها حتى رئيس الحكومة نفسه". تتابع أنّ انطلاق الاحتجاجات من مواقع التواصل الاجتماعي "مؤشّر اجتماعي جديد يتعين الانتباه إليه بقوة من جهة المسؤولين، كون الدعوات إلى الاحتجاج في فيسبوك لا يُعْرَف لها زعيم أو قائد. كذلك فإنّها غالباً ما تكون دعوات انفعالية لا تلتمس الحصول على تراخيص، ولا تراعي الظروف السياسية والاجتماعية القائمة".

في المقابل، دعا رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران الشباب أوّل من أمس إلى عدم الاحتجاج من أجل المطالبة بوظائف، مشيراً إلى أنّ "الاحتجاج لم يكن يوماً طريقة مضمونة". ودعاهم إلى "الجدية للظفر بفرص عمل، والاتكال على سواعدهم".