ولا يبدو إجراء العبادي ناجعاً لوقف سلسلة التصفيات التي تشهدها المحافظة، وتنفّذها مليشيات مسلّحة، تُمثّل فصائل مختلفة تابعة لـ"الحشد الشعبي". وظهر الأمر، بعد تبيان عدم جدوى حظر التجوال المفروض على المدينة، في منع هجمات مليشيات "العصائب" و"بدر" و"حزب الله ـ العراق"، والتي استهدفت سبعة مساجد حتى مساء أمس، دُمّرت بالكامل. كما أُعدم 17 شاباً في مناطق العروبة، والإسكان، والمقدادية وشهربان، وفُقد نحو 15 آخرين، وسُجّلت عمليات إعدام داخل المنازل لشباب ينتمون جميعهم إلى طائفة واحدة. وتسبّبت تلك الأعمال بعملية نزوح واسعة نحو إقليم كردستان، وسط ذهول من موقف الشرطة المتفرج على تلك الهجمات.
كما أكدت الشرطة مقتل مراسل ومصور لفضائية الشرقية، بعد اختطافهما من قبل مجموعة مسلّحة لدى خروجهما من شهربان، خلال مهمة صحافية قاما خلالها بتصوير تقرير عن هجمات تعرضت لها المدينة على يد المليشيات.
في هذا السياق، يكشف العقيد بالشرطة حسين التميمي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مسلحين يستقلون سيارات حكومية ويرتدون زي الحشد الشعبي، اختطفوا مراسل "الشرقية" الفضائية الصحافي سيف طلال، والمصور الخاص بالقناة حسن العنبكي، بعد إيقاف سيارتهما وإجبارهما على الصعود في سيارات المسلّحين". ويلفت إلى أن "سكاناً محليين عثروا على جثتي الصحافيين بعد ساعة، وقد أُعدموا رمياً بالرصاص وصودرت منهما الكاميرا وجهاز تسجيل وأفلام مسجلة لصالح القناة". ويُرجّح التميمي "وقوف الجهة التي نفّذت الهجمات على المساجد، وراء عملية اغتيال الصحافيين".
اقرأ أيضاً: العراق: مليشيات تقتل مدنيين وتحرق مساجد بديالى
وعن الأحداث الأخيرة يقول إن "مليشيات مسلّحة تستقلّ سيارات سوداء وتحمل لوحات تسجيل حكومية، قد نفّذت عمليات التفجير والحرق". ويبيّن أن "الجوامع التي تعرّضت للاعتداء، هي المقدادية الكبير ومثنى الشيباني والقادسية والأورفلي والعروبة والقدس والرسول". ويوضح التميمي أن "القوات العراقية فرضت حظراً شاملاً للتجوال في مناطق عدة من المحافظة، للسيطرة على الموقف"، مشيراً إلى أنه "تمّ إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مناطق التوتر". لكنه يُشدّد على أن "المليشيات المسلحّة لا تمثل مجاهدي الحشد الشعبي".
من جهته، يُطالب النائب رعد الدهلكي، رئيس الحكومة ووزير الدفاع (خالد العبيدي) بالتدخل العاجل لوقف ما سماه "المجازر التي تنفّذها المليشيات". ويكشف الدهلكي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع في ديالى عبارة عن عمليات إعدام وتهجير واختطاف لسكان محليين عزّل، لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم". ويُناشد رئيس الحكومة ووزير الدفاع "الإسراع في إنقاذ الموقف"، كما يدعو المراجع الدينية لـ"كبح جماح الجماعات المسلّحة الخارجة عن القانون".
في سياق متصل، يفيد أحد وجهاء العشائر في المقدادية حسين النداوي، بأن "المدنيين لا يتحمّلون مسؤولية الإخفاقات الأمنية التي تسبّبت بتفجير المقهى". ويكشف بدوره في حديثٍ لـ "العربي الجديد" عن "قيام مليشيات مسلحة بعمليات انتقامية طاولت المدنيين".
ويضيف: "قام عناصر المليشيات بقتل عدد من الشباب بحجة أنهم حواضن داعش، وهي الحجة الجاهزة لتنفيذ جرائمهم"، مؤكداً أنه "تمّ اعتقال أكثر من 20 شاباً آخرين واقتيادهم إلى جهة مجهولة". كما يدعو نائب رئيس "مجلس عشائر الوسط" الشيخ محمد الكروي المجتمع الدولي لـ"إدانة جرائم المليشيات واعتبارها جرائم إرهابية لا تختلف عن الجرائم التي يقوم بها إرهابيو داعش".
ويوضح الكروي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع في ديالى على شفا الانفجار، والمليشيات بجرائمها الطائفية تُمثّل عامل جذب لداعش من أجل اقتحام مدن المحافظة". ويطالب "المراجع الدينية والزعامات القبلية في الجنوب بإدانة تلك الأعمال تخفيفاً للتوتر الذي يسود الشارع العراقي".
وعلى الرغم من كل تلك التصفيات، اكتفت الشرطة ببيان مقتضب في محافظة ديالى، ذكرت فيه أنه "تمّ تشكيل لجنة تحقيق عليا في المحافظة للنظر بالأحداث الإجرامية التي ضربتها على يد جماعات مشبوهة". وأضافت أن "الشرطة تنتشر بشكل واسع لمنع وقوع اعتداءات جديدة".
تُعتبر محافظة ديالى الخاصرة الشرقية الحساسة للعراق، وتُمثّل مثلثاً جغرافياً بين إقليم كردستان العراق وبغداد وإيران، وتقطنها ثلاث قوميات هي العربية والكردية والتركمانية، والطوائف السنية والشيعية والمسيحية. ويُمثّل العرب السنة فيها نحو 65 في المائة، يتركزون في بعقوبة، عاصمة المحافظة، والمدن الشمالية والشمالية الشرقية. فيما يتركّز الأكراد والتركمان في أمرلي وبلد روز وخانقين وقزانية، ويتواجد الشيعة في بلدات خرنابات والهويدر وكنعان والخالص وخان بني سعد، واتسعت رقعة تواجدهم أخيراً لتشمل بعقوبة وأبو صيدا وسنسل.
وتتميز المحافظة بشكل عام بطابع مديني أكثر من كونه عشائرياً، على الرغم من وجود قبائل عربية عريقة فيها، مثل شمر والعنزة والجبور والدليم والعبيد وطي وتميم والقيسيين، على خلاف المحافظات المجاورة لها. وتُعتبر ديالى المحافظة الأكثر تماساً مع بغداد بنحو 55 كيلومتراً.
وقد أدت العمليات الإرهابية لتنظيم "القاعدة"، ومن بعده "داعش" إلى زيادة تغلغل المليشيات فيها بحجة "محاربة الإرهاب"، في المجتمع الذي عُرف بتعايشه السلمي لقرون في المحافظة، والتي أطلق عليها المؤرخون العراقيون لقب "الكوكتيل العراقي".
وشهدت المحافظة خلال العامين الماضيين عمليات تغيير ديموغرافي، تمثلت بأعمال تطهير طائفية وتهجير لقرى وبلدات كاملة، فضلاً عن الاستيلاء على آلاف البساتين والحقول الزراعية فيها، وفقا لما كشفه محافظ ديالى السابق عمر الحميري سابقاً.
مع العلم أنه نُظّم انقلاب سياسي أخيراً، أطاح بمحافظ ديالى عامر المجمعي، ممثل "الحزب الإسلامي العراقي" (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين بالعراق)، ومن ثم صدرت مذكرة اعتقال بحقه، بتهمة "الفساد المالي". وتولّى منصبه زعيم مليشيا "بدر" مثنى التميمي، وهو ما دفع أعضاء المجلس المحلي من السنة والأكراد، إلى مقاطعة المجلس والانسحاب منه إلى حين إنصاف القضاء للمحافظ الذي يصفونه بـ"الشرعي".
كما سجّل نواب بالبرلمان العراقي عن دورته السابقة، دعاوى قضائية بحق رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، اتهموه فيها بـ"توزيع قطع أراضٍ لمواطنين وموظفين من سكان جنوب العراق في ديالى، بصورة مخالفة للقانون، تدلّ على وجود مؤامرة طائفية بحق المحافظة". كما افتتحت إيران ثلاثة مكاتب ثقافية داخل المحافظة، لتتفوق على النجف وكربلاء والبصرة، والتي تحوي كل واحدة منها مكتباً واحداً يمارس أنشطة مختلفة غالبيتها دينية.
ويقول القيادي عن "التحالف الكردستاني" حمه أمين، لـ"العربي الجديد"، إن "المليشيات المدفوعة من إيران ترغب في تغيير طبيعة ديالى من محافظة ذات مذهب معين إلى أخرى موالية لها، خصوصاً أن ديالى تُمثّل أقرب نقاط التواصل البري مع بغداد من خلالها". ويُبيّن أن "تسعة قرى حدودية مع إيران مهجورة حالياً، وعلى حكومة بغداد الالتفات إلى المحافظة، وعدم استخدام سياسة دفن الرأس بالتراب ووقف تغيير هوية المحافظة على يد المليشيات التي تقبض من إيران". ويُشدّد على أن "أي اتساع للجرائم يمثل بداية فتنة طائفية ستعمّ العراق".
اقرأ أيضاً ديالى: المليشيات تتلطّى بشركات شراء المنازل