تطمينات لمصر بحسم قضية سد النهضة نهاية فبراير

07 فبراير 2020
تطالب مصر بـ40 مليارمتر مكعب من المياه(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن وزير الخارجية، سامح شكري، تلقّى تطمينات من أديس أبابا وواشنطن، على حد سواء، بأن إثيوبيا "ملتزمة بصورة نهائية بضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي حول سد النهضة، يتم توقيعه بين كل من مصر وإثيوبيا والسودان نهاية الشهر الحالي في واشنطن".

وأشارت إلى أن هناك مقترحاً أميركياً بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى واشنطن، والتوقيع على الاتفاق حال التوصل إليه بشكل نهائي، الأمر الذي سيكون مشهداً إيجابياً من الناحية الترويجية للإدارة الأميركية.

وسبق أن كشفت مصادر مصرية، لـ"العربي الجديد"، الثلاثاء الماضي، أن وزارة الخارجية الإثيوبية أرسلت خطاباً، يبدو روتينياً، اعتاد كل طرف إرساله لباقي الأطراف المعنية منذ انطلاق المفاوضات، لمراجعة نقاط الاتفاق والاختلاف وأهم مخرجات الاجتماع الأخير. لكن أديس أبابا ضمّنته عبارة غامضة تزعم أن "المفاوضات القادمة ستكون مخصصة فقط لمناقشة ملء وتشغيل السد، لوضع قواعد استرشادية"، وهي عبارة تشكل، حال تطبيقها فعلاً، نسفاً للمسار التفاوضي بالكامل، الأمر الذي دعا المصريين إلى التواصل مع الولايات المتحدة وإثيوبيا لاستيضاح الأمر وتداركه والتأكيد على جميع التفاهمات السابقة، ليأتيها الرد بهذه التطمينات.

وأضافت المصادر أن شكري، المتواجد حالياً في أديس أبابا لحضور اجتماعات الدورة العادية للاتحاد الأفريقي، كلف ديوان الوزارة بالتواصل المكثف مع إثيوبيا والسودان بهدف تصفية الخلاف حول جميع النقاط العالقة قبل الاجتماعات الفنية والقانونية، المقرر عقدها في 12 و13 فبراير/شباط الحالي في واشنطن، وبصفة خاصة ملف آليتي التنسيق وحل النزاع، والذي عطلت أديس أبابا الاتفاق بشأنه في جولة واشنطن الماضية. وترى إثيوبيا أن سلطتها على السد سيادية ومطلقة، في حين ترى مصر، وتقترح الولايات المتحدة ويوافق السودان، على أن تضم عدة مسارات، بتخصيص اجتماعين دوريين سنوياً بين وزراء الخارجية والمياه في كل من الدول الثلاث، تقدم فيها أديس أبابا خطة الملء الخاصة بها، وتعرض القاهرة فيها مخاوفها ومحاذيرها المختلفة. لكن إثيوبيا ترغب في إبعاد وزراء الخارجية عن النقاشات الفنية. وهناك مقترحات أخرى بأن يتم تشكيل لجنة فنية خالصة من الدول الثلاث لمتابعة حالة النيل، ومدى التزام كل طرف بتعهداته. كما توجد خلافات أخرى حول اللجوء إلى دول أو مكاتب استشارية لفض النزاعات، إذ ترغب مصر في استمرار الاعتماد على البنك الدولي والولايات المتحدة في هذا المجال، بينما تعرض إثيوبيا إدخال طرف أفريقي، وهو ما لا ترحب به مصر.


وذكرت المصادر أن هناك اتصالات حالياً بين أعضاء الفريق القانوني المشترك بين الدول الثلاث لصياغة البنود التي تم الاتفاق عليها بشكل مبدئي حتى الآن، وهي: جدول يتضمن خطة ملء سد النهضة على مراحل، والآلية التي تتضمن الإجراءات ذات الصلة بالتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة أثناء الملء، والآلية التي تتضمن الإجراءات الخاصة بالتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة أثناء التشغيل، علماً أن هذا الاتفاق ما يزال رهن التوقيع النهائي على الاتفاق الشامل. وأضافت المصادر أن التطمينات الإثيوبية التي تلقاها شكري ليست مطمئنة تماماً للجانب المصري، خصوصاً وزارتي الخارجية والري، بالنظر إلى سابقة إدلاء المسؤولين الإثيوبيين بتصريحات ودية وإرسالهم خطابات إيجابية للقاهرة، لكن الجديد في الأمر أن التطمينات القادمة من واشنطن تؤكد أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب حسم الأمر مع أبي أحمد" من دون إبداء المزيد من التفاصيل.

وفي هذا السياق، قال مصدر إثيوبي تابع إلى "جبهة تحرير تغراي"، أحد مكونات التحالف الحاكم الحالي والتي تجمعها علاقة متوترة سياسياً بأبي أحمد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الأجواء في أديس أبابا تشير إلى قرب توقيع اتفاق ثلاثي بشأن سد النهضة بالفعل، وأن المسؤولين الرسميين يمهدون إعلامياً منذ 3 أيام فقط لفكرة ضرورة عقد هذا الاتفاق. ويأتي التمهيد كرد فعل على مقالات صحافية وشائعات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها كان متطرفاً في الهجوم على أحمد، بحجة أن توقيع الاتفاق يُفرط في السيادة الإثيوبية على السد، وبعضها الآخر زعم أنه سيستمر في خداع القاهرة وواشنطن بالمماطلة في المفاوضات. واعتبر رئيس الوزراء ووزيرا الخارجية والمياه أن الاتجاهين "مضران بالموقف الرسمي الإثيوبي، داخلياً وخارجياً".

يأتي هذا بعد ساعات من عقد وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي، الذي يقود المفاوضات عن بلاده، مؤتمراً صحافياً، مساء أول من أمس، قال فيه إن إثيوبيا حريصة على استكمال التفاوض وحل المشاكل مع مصر والسودان من دون تنازل عن مكتسباتها ومصالحها العليا. وفي وقت سابق هذا الأسبوع، قال أبي أحمد، في خطاب أمام البرلمان، إن العمل في سد النهضة مستمر وبوتيرة عالية لتعويض التأخير الذي نتج عن فساد بعض قيادات الجيش، والشركات التي كانت تعمل في المشروع سابقاً قبل صعوده للسلطة. وأبدى، في الوقت ذاته، حرصه على مصلحة دولتي المصب وعدم الإضرار بهما، فيما بدا تهدئة مقصودة بعد زيارته لمقر مشروع السد، بعد ساعات من فشل جولة واشنطن التفاوضية الأخيرة.

ويستمر حتى الآن الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول تحديد الرقم الذي إذا انخفضت عنه كمية المياه المتدفقة من السد، ينبغي إعلان حالة الجفاف واتخاذ التدابير الاستثنائية. وتطالب مصر بتمرير 40 مليار متر مكعب أثناء فترات الجفاف، وبالتالي اتخاذ التدابير الاستثنائية بوقف الملء إذا انخفض المنسوب عن هذا الحد، في حين تعرض إثيوبيا اتخاذ التدابير عند حد 35 مليار متر مكعب وتمرير هذه الكمية في فترات الجفاف، مع تمسّكها بوضع جدول زمني محدود للغاية، لا يزيد على 7 سنوات لملء السد بشكل كامل ومستدام، لإنتاج أكبر قدر من الكهرباء والحفاظ على وتيرة الإنتاج في الفترة بين صيف 2021 وخريف 2026 على أقل تقدير.

وقدم السودان مقترحاً بشأن المعيار الرقمي لحالة الجفاف برقم وسط بين المقترحين السابقين، على أن يتم قياسه على أساس حصيلة المياه المتدفقة خلال الشهور التالية للفيضان مباشرة. هذا الأمر لا يرضي الجانب المصري، الذي يرغب في تحديد مؤشرات الجفاف بصورة مستدامة طوال شهور الشتاء والربيع. لكن أديس أبابا والخرطوم يعتبران أن المقترح المصري ليس عملياً، ويفترض وجود لجنة دائمة للقياس، وهو أمر يريان أنه يخرج عن نطاق الاتفاق على الإدارة الإثيوبية الخالصة للسد. وزعمت إثيوبيا أن المقترح المصري يتطلب ملء سد النهضة في فترة بين 12 و21 عاماً، وكانت قبلها تقول إنها تتوقع التوصل إلى اتفاق بالنظر لحالة فيضان النيل في السنوات الحالية، مع تأكيدها على تمسّكها بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً قد يؤدي إلى حرمانها من إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.

وطالبت مصر بالرجوع إلى الأطر السياسية والدولية الحاكمة للقضية، قبل اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، وعلى رأسها اتفاقية أديس أبابا 1902، والتي تمنع الإثيوبيين من بناء أي أعمال إنشائية أو سدود على النيل الأزرق وغيره من روافد النيل إلا بإذن من الحكومة السودانية والحكومة البريطانية إبان احتلالها لمصر. كما لوّحت القاهرة، الشهر الماضي، بالمطالبة باللجوء إلى مجلس الأمن واتباع إجراءات قانونية ذات طبيعة دولية لوقف أعمال السد التي تجري من دون إذن المصريين والسودانيين.