تطبيع مع القتل

17 ديسمبر 2015
هل يعقل أن نكون في فيلم رعب طويل؟ (Getty)
+ الخط -

لم يسبق أن شاهدتُ فيلم رعبٍ في حياتي. عادةً أتحاشى ذلك على الرغم من معرفتي بأنه فيلم هوليوودي. وقد حدث أخيراً أن شاهدت فيلم رعب. عكس كاتبه في الأجزاء الثلاثة اضطراباً نفسياً (لديه) ولدى غيره، من خلال دفع مال كثير لأشخاص، بهدف حثّهم على قتل آخرين.

أشخاصٌ عاديون في المجتمع، لهم حياتهم وأعمالهم وقد يكونون ناجحين. لا يوحون بأنهم مضطربون نفسياً. في المحصّلة، يصوّر الفيلم وجهاً مختلفاً للبشر. نرى تجار البشر وعصابات الخطف والقتل والتعذيب وغيرهم. وفي النتيجة، لا بد من أن تُصاب بصدمة نفسية بعد مشاهدة هذا الفيلم، ولا نعرف كم قد يطول أثرها، أو كيفية العودة إلى الحياة الطبيعية.

كان هذا في هوليوود. ويعرفُ المشاهدون، مهما كانوا سُذّجاً، بأن ما يرونه مجرّد تمثيل والجميع يمثّلون. وفي خلفية المشاهد، هناك أضواء وكاميرات، وربما اضطروا إلى إعادة مشهد القتل مرات عدة. في يومياتنا، اعتدنا أخبار ومشاهد القتل والذبح. ما يحدث في سورية وما حدث في العراق وغيرها من البلدان، فوق الأرض وربما أسفل، أي في المعتقلات، هي أكثر فظاعة من أي شيء آخر. حتى أن أحداث الفيلم الهوليوودي قد تكون سخيفة أو بسيطة على الرغم من أنها مرعبة.

ما يحدث داخل المنازل من تعنيف وتعذيب حيال النساء أو الفتيات، وغيرها من جرائم قتل النساء من قبل أزواجهن، هي حقيقة واقعة وليست فيلماً هوليوودياً.
وما يحدث في المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبطالها أشخاص حقيقيون وليسوا مجرّد ممثلين. لكننا تآلفنا مع هذا الواقع، وزادت القدرة على الاحتمال بشكل جماعي لدى الناس. لم يعد خبر عما يرتكبه التنظيم بحق كثيرين يؤثر فينا. كذلك فإن قتل الرجال لزوجاتهم بشكل متكرر هو أيضاً من الأفعال التي اعتدنا عليها. كأنه تطبيع. كثيراً ما تصلنا أخبار عن عنف يمارس هنا وهناك، قد يكون إساءة أو إهانة أو لفظاً عنصرياً أو قتلاً أو تعذيباً، لكنها تبقى ضمن الحدث، فلا نتفاعل معها ولا نعدها أمراً صادماً من الناحية النفسية.

مع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الأحداث مجتمعة لا بد من أن تترك تأثيراً نفسياً سلبياً جماعياً على الناس. ولا شك في أن نسبة العُصاب (المرض النفسي) وأشكاله النفسية، من قبيل مشاعر الذنب والقلق والتوتر والاكتئاب والعلاقات التفاعلية المضطربة، باتت أعلى بكثير في لبنان وفي المنطقة.
ما قد يصيبنا بصدمة نفسية بعد مشاهدة فيلم رعب ونتمنى ألا تبقى مشاهده تطاردنا، يتبيّن أنه من يومياتنا. هل يعقل أن نكون في فيلم رعب طويل؟

(ناشطة نسوية)

اقرأ أيضاً: هذه ليست لعبة
المساهمون