تضامن

14 مايو 2015
+ الخط -
أنا مواطن سوري شئتُ ذلك أم أبيت، ذلك ما تقوله أوراقي الرسميّة، وذلك ما تعترف به السلطات المحلية في البلاد التي أزورها وفي المطارات والنقط الحدودية التي أجتازها. أنا مواطن سوري ولي رقم وطني ورقم جواز سفر وأستطيع أن أثبت هذا أنى شئت. 

كما أنّني منحازٌ إلى ثورة أبناء جلدتي لبناء مجتمع ديمقراطي حرّ تعددي قائم على مبادئ الحرية والكرامة والمساواة، ولستُ بحاجة إلى وثائق وصكوك وإثباتات ثوريّة من أحد، لا من مجلس أو ائتلاف ولا من فئة أو مذهب ولا من حزب أو ناشط، فضلاً عن أنّ هذه الاتهامات لا تعنيني مهما كان مصدرها، ورقيبي الأول والأخير هو ضميري وهو الوازع والناصح لي في أفعالي وأعمالي سيئة كانت أم جيدة.

لا بدّ أن أذكر كذلك بأنّني إنسان من لحم ودماء وروح تسكن في الأضلاع، فتحتمل أفعالي الصواب والخطأ، فلم أسمع يوماً بكمال الأفعال لكائن بشري يأكل ويشرب وينام مثلي، كما أنّ لي الحق في التبعير عن آرائي دون خوف وأن أتضامن مع القضايا التي أراها محقة، أليس هذا ما نصه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

أعتذر أعزائي عن هذه المقدمة الطويلة التي كان لا بد منها من أجل ألا يقول قائل: أنتَ من هذه البقعة وتنسى أرضك وشعبك وقضيتك وتتحدث في ما لا يخصك.

إذن ولأنّني أنتمي إلى سورية الثورة كما أظن نفسي، فأنا متضامن حبّاً لا إجباراً مع ضحايا الزلزال الذي ضرب دولة نيبال أخيراً، كما أتضامن مع ضحايا المجاعة المستمرة في الصومال وضحايا الحروب العبثية والميلشيويّة في أفريقيا. أتضامن مع ضحايا كلّ الحروب تضامناً إنسانيّاً؛ تضامني مع ضحايا الصراعات المختلفة حول العالم وليس مع القضايا المختلفة التي يتناحر من أجلها المتحاربون.

أتابع أخبار سورية بألم لكن لي عينٌ أُخرى تراقب ما يحدث في بالتيمور في الولايات المتحدة الأميركيّة وأفكر بأولئك الذين يشبهوننا والذين انفجروا بسبب ضغط الحكومات الرأسمالية عليهم، ألم تقم ثورتنا لأنّنا لم نعد نرى أفقاً لحياتنا ضمن النظام السياسي القمعي الأسدي؟ ألا يشبه شباب بالتيمور شبابنا وهم لا يرون أفقاً لحياتهم ضمن نظام اقتصادي خانق؟

بالتيمور اليوم وقبلها أحداث فيرغسون وقبلها أحداث وول ستريت، ألا يوحي كل هذا بشيء قادم؟ أليست كلّها إرهاصات شيء ما لا نعلمه قادم؟
هنا في ألمانيا، في منفاي المؤقت، أراقب التظاهرات التي تخرج بين فينة وأخرى بتواتر مختلف، تظاهرات فرانكفورت الأخيرة المناهضة للرأسمالية وقبلها منذ سنتين أحداث كبيرة، لم يذكرها الإعلام إلا بعجالة، ضد سياسة حكومة هامبورغ في منطقة سانت باولي، تظاهرات 2011، تظاهرات الأول من أيار في برلين كل عام، كلها ضد الرأسماليّة، عدو بعض الشعب الألماني الأول في هذه الفترة الزمنيّة هي الرأسماليّة.

ما أحاول قوله هنا هو أنّنا حين نطالب العالم بالتعاطف مع قضيتنا وأن يقف بجانب ثورتنا، علينا أن نبادلهم هذا الحب وهذا التعاطف. في الوقت الذي نطالب العالم فيه أن يتضامن معنا لا يمكننا أن نغمض أعيننا عمّا يحدث في أماكن أخرى مختلفة في العالم، رغم هول الفاجعة التي تحدث في سورية.

التضامن هنا لا يأتي من باب المصلحة المتبادلة بل من باب تعاطف المكلومين والمستضعفين والفقراء بعضهم مع البعض.

قال لي أحد الفلسطينيين اللاجئين في لبنان مرة حين سألته عن استضافته لإحدى العائلات السوريّة اللاجئة إلى لبنان رغم فقر حاله: لا بيت للاجئ سوى بيت اللاجئ. وكذا الأمر فليس للفقير سوى الفقير يساعده ويسانده، وليس لضحايا الحروب سوى ضحايا حروب أخرى يتعاطفون معهم ويساعدونهم، وليس للمناضلين والمقاتلين من أجل الحرية ومن أجل حياة أفضل سوى مقاتلين ومناضلين في أماكن أخرى في العالم، وليس للشعوب إلا الشعوب.

فلننسَ استنكارات وتضامنات وخطابات مجلس الأمن والأمم المتحدة والجامعة العربية، ولنلتفت إلى الشعوب، ولنوصل صوتنا إليهم، فليس لهم إلّانا وليس لنا إلّاهم. فلنتضامن معاً وإن بكلمة تُكتب هنا أو بشعار يُرفع هناك، فصوت الضحيةِ يصلُ الضحيةَ وإن بعُدَت المسافة دهراً.


(سورية)
المساهمون