تصنيف الحرس الثوري "إرهابياً": مواجهة أميركية إيرانية مفتوحة

10 ابريل 2019
استهداف الحرس الثوري هو استهداف للثورة الإيرانية برمّتها(فرانس برس)
+ الخط -

قبيل نحو شهر من مرور عام كامل على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران في مايو/أيار 2018، اتجهت الولايات المتحدة إلى خطوة تصعيدية جديدة، بتصنيف الحرس الثوري الإيراني "جماعة إرهابية". وعلى الرغم من أن هذه الخطوة الأميركية تأتي استكمالا لجملة قرارات وإجراءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مواجهة إيران، لكنها الأخطر على الإطلاق منذ بدء الصراع بين البلدين بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 إلى اليوم، إذ تفتح فصلاً تصعيدياً خطيراً من استراتيجية "الضغوط القصوى" في التعامل مع إيران، وتنتقل بها إلى مرحلة جديدة، ما يطرح تساؤلات ملحّة عن تداعيات هذا القرار على كل الأصعدة، سواء على صعيد الوضع الداخلي الإيراني أو الصراع الأميركي الإيراني في الإقليم.
وكانت إيران قد استبقت صدور القرار بردود فعل واسعة من جميع المستويات، البرلمانية والحكومية والعسكرية، مع إطلاق جملة تصريحات حادة حملت طابع التهديد والوعيد، قبل أن ترد بعد الإعلان الأميركي الرسمي، من خلال تصنيف القيادة المركزية للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، "تنظيماً إرهابياً".

واللافت أن القرار الأميركي الجديد جاء عشية يوم "الحارس" بحسب التقويم الثوري الإيراني، لتكتمل الدلالات والرسائل عبر استهداف مناسبة "ثورية" أخرى في إيران، كما فعلت واشنطن سابقاً، عندما فرضت المرحلة الثانية من العقوبات "الشاملة والقاسية" على طهران في يوم ذكرى احتلال السفارة الأميركية، والذي يسمى في التقويم الإيراني بـ"يوم مقارعة الاستكبار العالمي".
ويُتوّج القرار الجديد الإجراءات الأميركية السابقة بحق الحرس الثوري على مدى عقود، والتي كانت قد شملت حظر أشخاص وكيانات تابعة له، وتصنيف ذراعه الخارجية "فيلق القدس"، "تنظيماً إرهابياً" عام 2007، وكذلك إدراج قوى مسلحة متحالفة معه في المنطقة على قائمة الإرهاب.

أما عن الأهداف الأميركية المتوخاة من القرار الجديد، فبدا أن الإدارة الأميركية تريد إرباك المشهد الداخلي الإيراني على كل الصعد، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وأمنياً، لأن ما أقدمت عليه ليس موجّهاً ضد مؤسسة عسكرية بمفهومها الرائج في العالم فحسب، بل إن الحرس الثوري نظراً إلى هيكليته وطبيعة مهامه، ليس فقط جزءاً من القوات المسلحة الإيرانية، إنما هو جيش بكل ما تعنيه الكلمة، بل تفوق قدراته تلك المتوفرة للجيش. حتى أن الحرس الثوري يمكن وصفه بشبه دولة مكتملة الأركان، لها جهازها العسكري والأمني والاقتصادي والإعلامي والسياسي والثقافي، وكذلك جهاز خارجي (فيلق القدس) يتولى مسؤولية إدارة الامتدادات الخارجية للثورة الإسلامية في إيران.



كما أن مهام الحرس الثوري، وفقاً للمادة 150 من الدستور الإيراني، تشتمل على "حراسة الثورة الإسلامية والحفاظ على إنجازاتها"، ما يخوّله بحسب تفسيرات للمادة، التدخّل والتغلغل في كل المجالات، وهو ما عبّر عنه القائد العام للحرس الثوري، الجنرال محمد علي جعفري، بقوله في وقت سابق، رداً على انتقادات داخلية حول لعب الحرس أدواراً مختلفة ودخوله في مجالات متعددة، إنه "بحسب تدابير القائد العام للقوات المسلحة، فإن عمل الحرس ليس عسكرياً فحسب، وإنما هذه المؤسسة العظيمة، لديها استعداد أن تعمل في كل المجالات السياسية والأمنية والثقافية".

بالتالي فإن استهداف الحرس الثوري الإيراني، يعني استهداف الثورة الإيرانية، التي تعتمد في بقائها على هذه المؤسسة العملاقة أساسا، استهدافاً مباشراً. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار القرار بمثابة إعلان حرب على الثورة. لذلك فإن من تداعيات القرار الأميركي المحتملة في الداخل الإيراني، هو تعزيز نفوذ ودور الحرس في السياسة الداخلية، بحجة أن الثورة الإسلامية أصبحت تواجه مخاطر وتهديدات أخطر من ذي قبل. وكانت العقوبات التي فرضتها واشنطن بعد الخروج من الاتفاق النووي، قد عززت التغوّل الاقتصادي للحرس في الداخل، فبعد انسحاب الشركات الأجنبية من إيران، واحدة تلو أخرى، كان البديل المتوفر هي الشركات العملاقة التابعة للحرس، مثل قاعدة "خاتم الأنبياء"، وهي أكبر تلك الشركات التي تعمل في مجال المقاولة وتنفذ مشاريع ضخمة، عمرانية وأخرى مرتبطة بقطاع الطاقة، لتخلف الشركات الأجنبية المنسحبة من الأسواق الإيرانية، لا سيما في سوق الطاقة، وحققت "خاتم الأنبياء" الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج البنزين للبلاد. كما كان للحرس دور كبير في المساعي الإيرانية للالتفاف على العقوبات الأميركية قبل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، واليوم أيضاً يلعب الدور نفسه بعد عودة هذه العقوبات، ما عزز نفوذه اقتصادياً وفي مجالات أخرى.

يأتي ذلك في وقت كان فيه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قد وجّه انتقادات كثيرة لدور الحرس في الاقتصاد الإيراني خلال السنوات الماضية، وخصوصاً خلال حملاته الانتخابية. لكنه بات اليوم مضطراً بحكم الأمر الواقع الذي تفرضه العقوبات الأميركية إلى التعامل مع هذه المؤسسة في المجال الاقتصادي، ومنحها مشاريع ضخمة في حقول نفط وغاز جنوبي إيران.
إقليمياً، لا شك أنه سيكون للقرار الأميركي آثار وتداعيات على المنطقة، وهو ما بدا في تعهّد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أمس "بالتصدي للقيادة المركزية الأميركية". وتحدثت مصادر إيرانية عن أن القرار سيظل حبراً على الورق، كما كان مصير قرار تصنيف "فيلق القدس"، "منظمة إرهابية" عام 2007، إذ إن الجزء الأكبر من النفوذ الإقليمي الذي حققه الفيلق الإيراني يعود إلى فترة ما بعد تصنيفه "إرهابياً". لكن في حال لجأت واشنطن إلى أعمال ميدانية ضد قوات الحرس الثوري المنتشرة في المنطقة، وخصوصاً في المياه الخليجية، تطبيقاً للقرار، حينئذ قد تنفذ إيران تهديداتها بالرد بالمثل، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام مواجهة مفتوحة.

وفي السياق، لم يستبعد المفاوض الإيراني السابق، حسين موسويان، في مقابلة مع صحيفة "همشهري"، أمس الإثنين، أن تحدث مواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن "إذا شعر مثلث بنيامين نتنياهو ـ جون بولتون ـ بن سلمان/بن زايد أنه على الرغم من كافة العقوبات والضغوط، لم تتحقق النتائج المرجوة التي أرادوها". إلا أنه اعتبر أن ترامب لا يريد حالياً خوض حرب على إيران، قائلاً إن القرار الأميركي ضد الحرس الإيراني "جاء من قبل المتطرفين في الإدارة الأميركية بهدف تصفير أي تسوية لترامب مع إيران".

ومن تداعيات القرار أيضاً محاولة واشنطن ضرب العلاقات العسكرية بين إيران ودول إقليمية، وعلى رأسها العراق وسورية. وبناء على ذلك، توقّع موسويان أن "تواجه القوات المسلحة لدول مثل العراق، التي تضطر إلى التعاون الموازي مع القوات الأميركية والإيرانية، مشاكل وأزمة".


المساهمون