وبحسب براك رافيد في صحيفة "هآرتس"، فإن نتنياهو يواجه معضلة، في حال فوز دونالد ترامب. فمع أن الأخير يرفض الاتفاق النووي مع إيران، ويؤيد المواقف الإسرائيلية اليمينة بشكل عام، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، إلا أنه يعتبر أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية، ويرى أن الدور الأميركي يمكن أن يكون بفرض حل على إسرائيل حتى لو عارضت تل أبيب ذلك. موقف يذكر بالخط الذي سار عليه وزير الخارجية الأميركية الأسبق وورن كريستوفر في ولاية جورج بوش الأب، حين فرضت الإدارة على حكومة إسرائيل برئاسة إسحاق شامير، المشاركة في مؤتمر مدريد الدولي للسلام، على الرغم من أن شامير، وطيلة أيام الحرب على العراق، التزم بتوجيهات واشنطن بعدم الرد على الصواريخ التي أطلقها نظام صدام حسين باتجاه إسرائيل.
اقرأ أيضاً: بلومبيرغ يخلط أوراق السباق الأميركي: هل يترشح صديق إسرائيل؟
ووفقا لـ"هآرتس"، فإن معضلة نتنياهو في الاختيار بين مرشحي الحزب الجمهوري، تيد كروز وماركو روبيو متأثرة على ما يبدو بحقيقة أن الانتخابات في أيوا لا تعكس بالضرورة التوجه العام للأميركيين، وقد تنقلب صورة الوضع وقوة المرشحين الثلاثة تبعاً لنتائج الانتخابات التمهيدية مثلاً في الأسبوع المقبل في نيوهامبشير، من جهة، وكون صديقه الثري الأميركي شلدون إيدلسون الداعم لسياسات نتنياهو، صاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" التي تروج باستمرار لخط نتنياهو، لم يقرر بعد من هو مرشح الحزب الجمهوري المفضل لديه، من جهة ثانية.
ووفقاً للمعلومات التي أوردها رافيد، فإن ماركو روبيو مثلاً، وخلافا لتيد كروز المكروه من "مؤسسة الحزب الجمهوري"، المعروف بمواقفه المحافظة المتشددة للغاية، يتمتع بعلاقات وصداقة اليهود المحافظين المناصرين لنتنياهو. كما أنه يمثل ولاية فلوريدا التي تعيش فيها ثالث أكبر جالية يهودية. كما يتمتع بدعم من كبار المتبرعين والممولين اليهود والمناصرين لإسرائيل ولنتنياهو نفسه ممن أثبتوا ولاءً لإسرائيل مثل نورمان برامن، وبول سينجر، والأخير هو حليف شلدون إيدلسون وأحد كبار المتبرعين للحملات اليهودية والإسرائيلية ضد حملة المقاطعة الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ما قد يعزز الترحيب بماركو روبيو كمرشح للحزب الجمهوري من وجهة نظر نتنياهو وإسرائيل عموماً، كونه خلافاً لتيد كروز، مقرباً من المحافظين الجدد الذين يؤيدون ويدعون لسياسة أميركية فاعلة مع استخدام القوة العسكرية، فيما يظهر تيد كروز توجهات "انعزالية" ترجّح الاهتمام بالشؤون الداخلية للولايات المتحدة، والإبقاء على نظام بشار الأسد، فيما يطالب روبيو بالإطاحة به، مع اعتماد الاثنين في موقفيهما المتناقضين، بحسب ادعائهما، على تأييد نتنياهو لهما في موقف كل منهما.
ولعل ما يزيد من المعضلة التي قد يواجهها نتنياهو، المعروف عنه تدخله وبشكل فظ ومعلن عادة في السياسة الأميركية الداخلية، أن الاثنين، ماركو روبيو وتيد كروز، اتخذا مواقف مناهضة للبرودة في العلاقات بين باراك أوباما ونتنياهو، كما أنهما تبنيا موقف نتنياهو المعارض للاتفاق النووي مع إيران، ناهيك عن تبني ادعاءات "بيبي" بأنه لا يوجد شريك فلسطيني للمفاوضات.
في المقابل، فإن مواقف تيد كروز المتشددة أفقدته تأييد شرائح واسعة عند اليهود الأميركيين، بمن فيهم الجمهوريون، لا سيما بسبب تماهيه وعلاقاته القوية للغاية مع الكنيسة الإنجيلية، وتصريحاته بأن الولايات المتحدة هي "أمة مسيحية"، مما يقلل بالتالي من احتمالات ترجيح نتنياهو له. وقد دفع هذا الأمر بكروز، أخيراً، إلى تعزيز علاقاته مع جماعات يهودية أرثوذكسية، تقيم دعمه العلني لإسرائيل ونتنياهو من جهة، وإعرابه عن استعداده لطمس الخطوط الفاصلة بحسب الدستور الأميركي بين الدين والدولة من جهة ثانية.
اقرأ أيضاً: فوز الجمهوريين لن يسعف نتنياهو في مواجهة أوباما
بالعودة إلى ترامب، في حال تبدلت نتائج انتخابات التصفيات الحزبية في نيوهامبشير الأسبوع المقبل، وجاءت لصالحه، فإن نتنياهو قد يواجه، بحسب "هآرتس"، خطر "الانتقام" من ترامب، المعروف بمزاجيته، إذا ما صدر عن نتنياهو تعليق أو تصريح يهزأ به مثلاً. ومع أن ترامب يعلن أنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة إن وصل إلى الرئاسة، إلا أنه يرفض دعوات جماعات يهودية في الولايات المتحدة للالتزام بتأييد "بقاء القدس موحدة".
ولعل أكثر ما قد يردع نتنياهو عن تأييد ترامب علناً، أو مناهضته علناً (قبل انتهاء التصفيات الحزبية والإعلان رسمياً عن هوية مرشح الحزب الجمهوري) هو الخوف من رد فعله الانتقامي مثلاً في حال قام نتنياهو بمناورة من وراء ظهره، وهو ما تظهره التجارب من نمط تعاطي ترامب مع خصومه الجمهوريين حتى. وفوق هذا كله، فإن الملياردير ترامب، يعتمد أيضاً في قوته على استقلاله التام عن الممولين، وهو ما قد يشكل مؤشراً خطيراً (لنتنياهو وجماعات الضغط الإسرائيلية) لأنه في حال قرر اتخاذ خطوة ضد سياسة نتنياهو وفرض حل أميركي، فإنه لن يجد من يقف في وجهه أو يعارضه حتى داخل الحزب الجمهوري، بل إنه مقابل ضمان اتفاق سلام مع الفلسطينيين مثلاً، سيحظى بتأييد الحزب الجمهوري وغالبية أعضاء الشيوخ الديمقراطيين.
اقرأ أيضاً: المرشحون الأميركيون الخمسة: سباق الجنس والدين والمواطنة والعرق والمهنة