في 6 إبريل/نيسان الحالي، قال الملك الأردني، عبد الله الثاني، بوضوح، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن "المنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد"، قاصداً رئيس النظام السوري بشار الأسد. تصريح الملك نقل موقف السياسة الأردنية من الأسد إلى العلن، بعد سنوات حرص فيها الأردن على تجنب الخوض في هذا الشأن. لكنه أثار غضب دمشق الناقمة أصلاً على عمّان.
ولم يتأخر رد أذرع النظام السوري على الأردن. وأتى هذا الرد ضمن هجوم استهدف القيادة الأردنية، وقاده السفير السوري المطرود من عمان، اللواء بهجت سليمان، الذي أطلق تصريحات أخيراً، مستخدماً عبارات تخوينية، لاقت ترحيباً حتى من قبل مجموعات أردنية مؤيدة للنظام السوري. وتوجت الحملة السورية بتصريحات غير مسبوقة للأسد خلال مقابلته مع وكالتي "ريا نوفوستي" و"سبوتنيك" الروسيتين، نشرت الجمعة الماضية، والتي تعتقد مصادر أردنية أنها جاءت مبرمجة للرد على مقابلة عبد الله الثاني مع صحيفة "واشنطن بوست".
والأردن الذي صمت على الاتهامات السورية القديمة، وتعمد عند الضرورة الرد بلغة دبلوماسية، وتجاهل الحملة التي شنتها أذرع النظام السوري أخيراً، فضل عدم الصمت على التصريحات المنسوبة للأسد، ورأى ضرورة الرد بلغة يعتقد أنها "مناسبة". ويبدو الرد الأردني في ظاهره دبلوماسياً عند الحديث عن الموقف الثابت الداعم لحل سياسي يحفظ وحدة سورية ويقضي على الإرهاب. لكن يستخدم لغة قاسية على نحو غير مسبوق ضد الأسد، تجسد بقول المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، إنه من الـ"مؤسف أن يتحدث الرئيس السوري عن موقف الأردن وهو لا يسيطر على غالبية أراضي بلاده". ودعا الأسد للاهتمام بإعطاء الأمل لشعبه وجلب الاستقرار لبلاده، بدلاً من كيل الاتهامات. وهذه لغة لم يسبق أن استخدمها الأردن الرسمي في التعامل مع نظام الأسد منذ اندلاع الأزمة، وحتى في أكثر مراحل العلاقة بين البلدين عدائية وتوترا.
ويرى مراقبون أن التصعيد المتبادل هو مؤشر على هشاشة العلاقات التي حافظ عليها الأردن مع نظام الأسد، طوال سنوات الأزمة، وحتى تلك العسكرية والأمنية التي تحدّث بإيجابية عنها رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، الفريق الركن محمود فريحات، في مقابلة نادرة نهاية العام الماضي. وساد اعتقاد بأن هذه العلاقات تدار عبر قناة تواصل روسية، لا سيما في ظل التقارب الأردني الروسي، الذي كان عنوانه إدارة الجبهة السورية الجنوبية، المحاذية للمملكة، بما يضمن استقرارها.
بالتوازي مع ذلك، وبعد أيام على المقابلة الصحافية للملك عبد الله الثاني، وقبل مقابلة الأسد الأخيرة، تم الكشف عن انخراط الأردن في الحملة العسكرية الرباعية التي من المرتقب إطلاقها في الجنوب السوري، بمشاركة السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، والهادفة للقضاء على "داعش" الناشط على مقربة من الحدود الأردنية. وتهدف الحملة لتعزيز قوة وسيطرة المعارضة المعتدلة، للحد من أي اندفاع محتمل لعناصر تنظيم "داعش"، في حال انطلقت معركة تحرير الرقة. كما تهدف لإعادة الأمن والاستقرار للجنوب السوري لتشجيع اللاجئين السوريين على العودة إلى مناطقهم.
ويرى النظام السوري، حسب التصريحات المعلنة، أن الخطة تمثل انتهاكاً لسيادته، لا سيما أنه يجري الحديث عن احتمالات دخول قوات عسكرية من الدول المشاركة في العملية، وعدم الاكتفاء بتوجيه ضربات عسكرية على مواقع "داعش" وإمداد المعارضة المعتدلة بالسلاح. ويتعامل الأردن مع هذه الخطة بتكتم، ووفقاً لمصلحته الوطنية بحماية حدوده من خطر التنظيمات الإرهابية في مناطق تنعدم فيها سيطرة جيش النظام السوري. وبانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات ميدانية وسياسية محتملة، تزداد التوقعات بتفاقم التوتر في العلاقات الأردنية-السورية من الآن فصاعداً.