تصعيد في إدلب... وروسيا تواصل تجربة أسلحة جديدة

15 سبتمبر 2019
يتوقع تواصل تصعيد قوات النظام حتى الغد(فرانس برس)
+ الخط -

لم تهدأ قوات النظام السوري، خلال الأيام القليلة الماضية، عن استهداف مدن وبلدات وقرى ريف إدلب الجنوبي، إذ تمطرها يومياً بمئات القذائف الصاروخية والمدفعية، في تصعيد يسبق قمة الثلاثي الضامن في أنقرة، والتي قد تخرج بتفاهم جديد يرسي دعائم تهدئة طويلة الأمد، أو بخلاف يترجم قصفاً من قبل النظام والجانب الروسي، يستهدف بالدرجة الأولى المدنيين في شمال غربي سورية، الذين باتوا الورقة الأهم بيد الأتراك للضغط على الجانب الروسي من أجل استمرار وقف إطلاق النار.

وفي الوقت الذي لا يزال الشمال الغربي من سورية يترقب نتائج القمة الثلاثية، يتجدد الحديث عن استخدام الروس أسلحة جديدة فتاكة خلال الحملة الأخيرة، قتلت المئات من المدنيين وشردت أكثر من مليون، ومهدت الطريق أمام تقدم قوات النظام. وقُتل طفل، صباح أمس السبت، بقصف مدفعي مكثف لقوات النظام على بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي، بالتزامن مع قصف مماثل طاول بلدات وقرى كفرسجنة، ومعرة حرمة، وكفرنبل، وكرسعة، وحزارين، والشيخ مصطفى، وترملا، وإرينبة، والركايا، وكفروما، ومعرة الصين، وكلها في ريف إدلب الجنوبي. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن مئات القذائف الصاروخية والمدفعية سقطت الجمعة والسبت على مدن وبلدات وقرى ريف إدلب الجنوبي، مشيرة إلى أن مصدر القصف حاجز "النمر" في مدينة خان شيخون، ومن منطقة حرش القصابية في ريف حماة الشمالي.

ومن المتوقع أن تواصل قوات النظام التصعيد حتى يوم غد الاثنين، موعد القمة الثلاثية التي ستجمع رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وإيران حسن روحاني، وتركيا رجب طيب أردوغان، في أنقرة "في إطار مسار أستانة". وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحافية الجمعة الماضية، إن القمة الثلاثية ستركز على إنهاء موجات النزوح، وتنفيذ وقف إطلاق النار، فضلاً عن السيطرة على المنظمات الإرهابية في المنطقة. وأكد أن بلاده "تواصل تقديم كافة أنواع المساعدات للمهجرين، عبر إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) ومنظمة الهلال الأحمر التركية"، مشيراً إلى أن "الغرب لا يهتم لذلك"، موضحاً أن بلاده تستضيف 3 ملايين و600 ألف لاجئ سوري، ولا يمكنها استيعاب المزيد منهم. وكانت أنقرة قد لوّحت أخيراً بورقة اللاجئين بوجه أوروبا من أجل ثني الروس عن الاستمرار في العمل العسكري في شمال غربي سورية. وأثمرت الخطوة التركية حين أعلن الروس وقفاً لإطلاق النار، نهاية أغسطس/آب الماضي، لبلورة تفاهم جديد أو تطبيق اتفاق سوتشي المبرم بين الأتراك والروس أواخر العام الماضي. ولا تزال أوروبا تتخوف من موجة لجوء جديدة، من المتوقع، في حال حدوثها، أن تكون أكبر من الموجة السابقة، خصوصاً أنه لم يعد أمام نحو 4 ملايين مدني في شمال غربي سورية من خيار إلا الهجرة للنجاة بأرواحهم من قوات النظام والطيران الروسي.

في غضون ذلك، دخلت دورية عسكرية تركية إلى الأراضي السورية، أمس السبت. وذكر موقع "بلدي نيوز" الإخباري المعارض أن دورية عسكرية تركية مؤلفة من عدة "آليات مصفحة" دخلت من معبر كفرلوسين في ريف إدلب الشمالي قرب مدينة سرمدا، وتوجهت نحو نقطة تمركز القوات التركية في بلدة معرحطاط بريف إدلب الجنوبي. ويحتفظ الجيش التركي بـ12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب، في سياق تفاهمات أستانة وسوتشي، يتعرض بعضها، بين الحين والآخر، للاستهداف من قبل قوات النظام، خصوصاً النقطة الموجودة في ريف حماة الشمالي، والتي تتمركز بالقرب منها قوات تتبع للنظام. وتثار مخاوف من انزلاق شمال غربي سورية إلى مواجهة شاملة في حال عدم اتفاق الروس والأتراك على تهدئة دائمة، تقوم على الشروع بخطوات جدية باتجاه تفكيك "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وفتح الطرق الدولية بضمانات تركية. ومن المرجح أن يطالب الجانب التركي بانسحاب قوات النظام من مناطق عدة في ريفي حماة وإدلب كانت قد سيطرت عليها في الحملة الأخيرة، في تجاوز لاتفاق سوتشي بين أنقرة وموسكو، الذي وقّعه الرئيسان التركي والروسي في سبتمبر/أيلول العام الماضي.



على صعيد ذي صلة، أكدت مصادر في المعارضة السورية أن الروس استخدموا أسلحة أكثر فتكاً وتدميراً في الحملة الأخيرة ضد المدنيين وفصائل المعارضة السورية، التي تؤكد استخدام الروس أسلحة لم تُستخدم منذ تدخلهم العسكري المباشر في سورية أواخر سبتمبر 2015. وكان للأسلحة الجديدة دور مباشر في تقدم قوات النظام في ريفي حماة وإدلب، منذ بداية إبريل/نيسان الماضي وحتى أواخر الشهر الماضي، وسيطرت على نحو 24 موقعاً، ما بين مدن وبلدات وقرى، كانت بحوزة قوات المعارضة. كما استخدم الطيران الروسي صواريخ تؤكد مصادر في فصائل المعارضة أنها ذات قدرة تدميرية كبيرة، أدت إلى مقتل وإصابة المئات في مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي أواخر الشهر الماضي.

ولا يخفي المسؤولون الروس أن جيش بلادهم اتخذ من سورية ميدان تجريب عملي للأسلحة الجديدة منذ أواخر العام 2015. وتحدث مسؤولون في وزارة الدفاع الروسية في 2017 عن تجربة مئات أنواع الأسلحة في سورية. وذكر موقع "مع العدالة" أخيراً أن الروس "قاموا بتجربة مقاتلات سوخوي 34 التي لم تشارك في أي حرب سوى في سورية، وسوخوي 35 المحدثة عن سوخوي 27، ومروحيات مي-35 القتالية الحديثة". وأشار الموقع المعني بتوثيق الانتهاكات في سورية، إلى أن سلاح الجو الروسي نفذ أكثر من 20 ألف تجربة على تلك الأسلحة خلال ما يزيد عن 35 ألف طلعة جوية. من جهته، أكد القيادي السابق في الجيش السوري الحر المقدم سامر الصالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الروس استخدموا أسلحة فتاكة، خصوصاً  القناصات والمناظير الليلية، وأسلحة خاصة بالتحصينات. وأشار إلى مقتل 25 مقاتلاً من فصيل "جيش العزة" خلال الحملة الأخيرة في قرية الزلاقيات في ريف حماة الشمالي بأسلحة ليلية مزودة بكواتم صوت، مضيفاً "لم يستطع المقاتلون حينها تحديد مصدر النيران". وأوضح أن "هذه القناصات والمناظير استخدمت للمرة الأولى في الصراع"، مشيراً إلى أن المسلحين التابعين للروس الذين تقدموا في ريفي حماة وإدلب "كانت لديهم مناظير للرؤية الليلية".

من جهته، أكد المتحدث الإعلامي باسم "جيش النصر" التابع للجيش السوري الحر محمد رشيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قوات خاصة روسية استخدمت في ريفي حماة وإدلب "قناصات مجهزة بمناظير حرارية ليلية"، مؤكداً أن "الجيش الحر صد أكثر من هجوم لهذه القوات على أكثر من محور خلال الحملة الأخيرة". وأشار إلى أن الروس يقصفون مناطق ريف إدلب براجمات صواريخ ليست موجودة لدى قوات النظام، منها "سميرتش بي أم 30"، موضحاً أنها تطلق 12 صاروخاً خلال 38 ثانية. وقال إن "الراجمة تطلق صواريخ متشظية وعنقودية وفراغية وكيميائية وحارقة"، مشيراً إلى أن "مدى الصواريخ من 20 إلى 90 كيلومتراً، وأن طول الصاروخ الذي تطلقه ما بين 6 و7 أمتار". وبيّن أن الجانب الروسي يستخدم أيضاً راجمة الصواريخ "أوراغان" (الإعصار) في القصف على عمق محافظة إدلب، مشيراً إلى أن هذه الراجمة "تحوي منصة فيها 16 أنبوباً لإطلاق الصواريخ". وأوضح أن "وزن رؤوس الصواريخ بين 90 إلى 100 كيلوغرام، ووزن الصاروخ الواحد 240 كيلوغراما"، مشيراً إلى أن عربة الإطلاق تحوي نظام رؤية ليلية للتسديد الليلي، مضيفاً "لديها قدرة تدميرية هائلة ضد الأهداف المدرعة والمحصنة، وتستطيع الراجمة إطلاق النار خلال ثلاث دقائق، ومغادرة موقعها خلال 90 ثانية".

المساهمون