تصعيد عسكري وفوضى أمنية تعم درعا السورية

11 اغسطس 2020
تحاول قوات النظام إخضاع مدن وبلدات محافظة درعا (فرانس برس)
+ الخط -

طوال عامين مرا على اتفاقات "التسوية" بين فصائل من المعارضة السورية والنظام برعاية روسية، لم تشهد محافظة درعا في جنوب سورية أي استقرار أمني أو ميداني، إذ تعم حالة متقدمة من الفوضى على مختلف المستويات في هذه المحافظة المتاخمة للحدود الأردنية والفلسطينية المحتلة، في ظلّ محاولات لا تكاد تنقطع من قبل قوات النظام لإخضاع مدن وبلدات في المحافظة التي شهدت انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011. وفي أحدث تحركات تشي بأنّ الأوضاع في درعا تتجه إلى مزيد من التصعيد، تحاصر قوات النظام مدينة جاسم وهي من كبرى مدن ريف درعا، ما يشير إلى نيّتها القيام بعمل عسكري واسع النطاق يحاول وجهاء هذه المدينة تفاديه.

وذكرت مصادر محلية أنّ مفاوضات جرت بين وجهاء من مدينة جاسم الواقعة في ريف درعا الشمالي، مع ضابط من قوات النظام برتبة عالية، أول من أمس الأحد في محاولة لتطويق التوتر الحاصل في المنطقة، في ظلّ تهديد من هذه القوات باقتحام المدينة. وأفادت المصادر بأنّ قوات النظام تطالب وجهاء المدينة بتسليم 300 شخص مطلوبين لها بالإضافة إلى آخرين من أبناء مناطق أخرى يعيشون في جاسم.


قوات النظام تطالب وجهاء مدينة جاسم بتسليم 300 شخص مطلوبين لها

من جانبه، أشار الناشط الإعلامي، أبو محمد الحوراني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ قوات النظام استقدمت تعزيزات تتضمّن أسلحة ثقيلة من بينها دبابات، وعززت حواجزها في محيط المدينة. ووفق مصادر محلية، تضمنت التعزيزات 20 سيارة "زيل" عسكرية محملة بعناصر من النظام بعتادهم الكامل بالإضافة إلى ست دبابات انتشرت في محيط مدينة جاسم وتوزعت على مواقع عدة في ثلاثة محاور محيطة بالمدينة. وكانت دوائر حكومية تابعة للنظام السوري تعرضت لاعتداءات في مدينة جاسم خلال الشهر الماضي، منها مخفر الشرطة في المدينة والمركز الثقافي الذي اتخذ منه فرع المخابرات الجوية التابع للنظام مقراً له، وذلك من قبل مجهولين (يُعتقد أنهم مقاتلون رافضون لاتفاق التسوية)، وهو ما دفع قوات النظام إلى تشديد الحصار على المدينة، والتهديد بنقل كل المراكز الحكومية إلى خارجها.

تقارير عربية
التحديثات الحية

في غضون ذلك، لا تزال حالة الفوضى الأمنية تعم محافظة درعا، على الرغم من مرور أكثر من عامين على اتفاقات تسوية مع النظام برعاية روسية لم تفضِ إلى استقرار أمني في المحافظة. ووفق إحصائية صدرت عن "تجمع أحرار حوران" الإعلامي المعارض، فإنّ حالات الاغتيال والخطف والاعتقال والقتل العشوائي ازدادت خلال الشهر الماضي، إذ بيّنت الإحصائية أن قوات النظام وأجهزته الأمنية اعتقلت خلال يوليو/تموز الماضي 22 مدنياً من أبناء محافظة درعا، أُفرج عن 8 منهم خلال الشهر ذاته. كما وثّق "التجمع" 5 حالات اختطاف في المحافظة، أفرج عن 2 منها، بينما قتلت امرأة حرقاً بعد اختطافها، فيما لا يزال مصير مختطفين اثنين مجهولاً حتى اليوم. كذلك، سجّل "التجمع" 5 حالات اختطاف من أبناء محافظة درعا داخل محافظة السويداء المجاورة أفرج عن 3 منهم بينما لا يزال مصير اثنين مجهولاً.


استقدمت قوات النظام تعزيزات تتضمّن أسلحة ثقيلة، وعززت حواجزها في محيط جاسم

ووثق "تجمع أحرار حوران"، مقتل عدد من أهالي محافظة درعا خلال الشهر الماضي، بينهم 5 أطفال، في حين قضى ثلاثة عشر شخصاً بحوادث إطلاق نار متفرقة، بينهم 8 عناصر وقياديون سابقون في فصائل المعارضة لم ينضووا في تشكيلات النظام العسكرية بعد اتفاقات التسوية، فضلاً عن مقتل تسعة أشخاص بواسطة ألغام وعبوات ناسفة، وثلاثة تحت التعذيب في معتقلات النظام، وشخص نتيجة اعتراض دراجته النارية من قبل عناصر النظام.

وأفاد "التجمع" ذاته بأنه وثق 30 عملية ومحاولة اغتيال في محافظة درعا، أسفرت عن مقتل 29 شخصاً وإصابة 23 آخرين بجروح متفاوتة بعضها خطرة، فيما نجا 8 أشخاص. ووفق "التجمّع"، فإنّ 14 مدنياً قضوا بعمليات اغتيال من بينهم 5 مُتهمين بالتعاون مع مخابرات النظام، بينما قتل 12 عنصراً سابقاً في فصائل المعارضة من بينهم 3 انخرطوا ضمن تشكيلات عسكرية تابعة للنظام عقب دخول المحافظة بـ"اتفاق التسوية"، بالإضافة لتوثيق مقتل عنصرين سابقين في تنظيم "داعش"، وعنصر سابق في "هيئة تحرير الشام".

ومنذ منتصف عام 2018، والنظام السوري يبحث عن ذرائع من أجل اقتحام مدن وبلدات محافظة درعا للعودة بأوضاعها إلى ما قبل ربيع عام 2011، لا سيما أنّ عدداً كبيراً من المقاتلين الذين كانوا ضمن صفوف فصائل المعارضة السورية رفضوا الخضوع لقواته. وفي مايو/أيار الماضي، حشدت قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها، قواتها من أجل اقتحام حي "درعا البلد" الذي لا يزال تحت سيطرة الفصائل داخل مدينة درعا مركز المحافظة، إلا أنّ الجانب الروسي تدخل في اللحظة الأخيرة فحال دون قيام هذه القوات بمغامرة عسكرية كان من الممكن أن تشعل كامل المحافظة التي يعيش من بقوا فيها في ظروف كارثية، وفق مصادر محلية.


حالات الاغتيال والخطف والاعتقال والقتل العشوائي ازدادت خلال الشهر الماضي

ولم يحاول النظام طوال عامين تحسين الوضع المعيشي والأمني في محافظة درعا، في توجه يبدو أن الهدف منه "انتقامي" بحق أبناء المحافظة الذين كانوا سباقين في إعلان الثورة ضده. بل إنّ النظام فتح مقرات فرقه العسكرية المنتشرة في الجنوب السوري للمليشيات الإيرانية وفق مصادر محلية، أشارت إلى أنّ محافظة درعا تتجه لتكون منطقة نفوذ إيراني، وهو ما يزيد من التوتر في عموم المحافظة التي شهدت خلال الشهر الماضي تظاهرات رافضة لأي وجود إيراني في جنوب سورية.

وبيّنت المصادر أن محافظة درعا لن تشهد هدوءاً طالما لم يلتزم الجانب الروسي بتعهداته المتمثلة بكف يد قوات النظام وأجهزته الأمنية عن أهالي الجنوب السوري، وإبعاد المليشيات الإيرانية، وحسم ملف المعتقلين والمغيبين لدى النظام منذ عام 2011، وتحسين الحالة المعيشية للسكان، مضيفةً: "لا يبدو أنّ الجانب الروسي على وشك التحرك، ما يعني بقاء التوتر والغليان الشعبي على حاله في محافظة درعا".