تصعيد النظام المصري على "التمويل الأجنبي": المحاكمات في 2017

13 فبراير 2017
تطاول الاتهامات أكثر من 20 مركزاً حقوقياً(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرحلة جديدة في سعيه للتضييق على المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني، بإحالة معظم الشخصيات الحقوقية التي يتم التحقيق معها في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني" إلى نيابة مكافحة التهرب الضريبي التابعة للنيابة العامة، للتحقيق في اتهامات جديدة للمراكز الحقوقية بإخفاء أرباحها والمساعدات التي تتلقاها من الداخل والخارج، وممارسة أنشطة تجارية من دون تسجيل مسبق، ومن دون أداء الضرائب المستحقة عليها للدولة.

وقالت مصادر قضائية لـ"العربي الجديد"، إن النيابة وجّهت استدعاءات منذ أسبوعين لمديري عدد من المراكز الحقوقية الذين تم التحفظ على أموالهم سلفاً بقرارات قضائية، وإنها واجهتهم بتقارير أعدّتها لجنة مشتركة من وزارة المالية ومصلحة الضرائب ووزارة التضامن ووحدة مكافحة غسيل الأموال، تتهم أكثر من 20 مركزاً حقوقياً بالتهرب الضريبي، وبغسيل الأموال. وأضافت المصادر أن هذه الاتهامات لم يسبق أن وجّهتها هيئة التحقيق القضائية إلى المتهمين، ما يعني أنه في حالة ثبوتها في التحقيقات فسيكون المتهمون معرضين لعقوبات أكبر من تلك الخاصة باتهامات ممارسة نشاط أهلي من دون ترخيص أو تلقي أموال من الخارج من دون إخطار الجهات الإدارية المصرية، لافتة إلى أن التهرب الضريبي عقوبته الوجوبية هي الحبس.
وذكرت المصادر أن نيابة التهرب الضريبي سوف ترسل إلى النائب العام قرار الاتهام الخاص بها ضد الحقوقيين الذين لم يسددوا الضرائب إلى الدولة أو سددوا نسبة قليلة أو متلاعب فيها، وسيحيل النائب العام بدوره قرار الاتهام إلى هيئة التحقيق القضائية التي يرأسها القاضي هشام عبدالمجيد، حتى يتم تحريك القضية إلى محكمة الجنايات ككتلة واحدة في مختلف الاتهامات المتضمنة فيها.

وكشفت المصادر أيضاً أن القضية (المحظور نشر تفاصيلها في الإعلام المصري) ما زالت في حوزة وحدة مكافحة غسيل الأموال ودعم الإرهاب التي يرأسها القاضي أحمد السيسي، شقيق رئيس الجمهورية، وأن الوحدة طلبت من جهازي الاستخبارات والرقابة الإدارية تقارير إضافية عن عدد من المراكز التي لم يتم الاستعلام عنها من قبل، تمهيداً لإحالتها لقضاة التحقيق المنتدبين. ووصفت المصادر القضية بحالتها الآن بـ"الضخمة"، مشيرة إلى أن الأجهزة القضائية المصرية تعمل بكامل طاقتها لإعداد تقارير اتهام "مُحكمة" ضد المتهمين لإحالتهم إلى المحاكمة خلال العام الحالي، متوقعة أن يحال المتهمون إلى المحاكمة وهم مخلى سبيلهم، وأن تقرر المحكمة مع أول جلسة حبسهم جميعاً.


وأكدت المصادر أن الوضع الإقليمي والدولي، خصوصاً بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، بات يسمح لنظام عبدالفتاح السيسي بسرعة التصرف في القضية، بعدما كان يواجه عراقيل متمثلة في اعتراضات الإدارة الأميركية السابقة على الإجراءات القمعية ضد الحقوقيين وتضييق المجال العام، بالإضافة لانشغال الدول الأوروبية بقضايا أخرى أكثر أهمية من مصر بالتزامن مع تعدد الانتخابات في دولها الكبرى. 
وشهدت هذه القضية منع عدد كبير من الحقوقيين من التصرف في أموالهم، هم: مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، مدير المنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد وزوجته وابنته القاصر، مؤسس ومدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان بهي الدين حسن وزوجته وابنته وشقيقه، مدير مركز الحق في التعليم عبدالحفيظ طايل، مصطفى الحسن آدم من مركز هشام مبارك للقانون، مؤسس ومدير مركز الأندلس لدراسات التسامح أحمد سميح، وعزة سليمان ومزن حسن ومحمد زارع وعاطف حافظ، كما تم منع العشرات من مغادرة مصر لوضعهم على قوائم الترقب.

وتُعتبر قرارات المنع من التصرف التي أصدرتها المحكمة مؤقتة لحين انتهاء التحقيقات، وليس لها علاقة بالعقوبات التي قد تُفرض على المتهمين في القضية، والتي قد تصل إلى السجن المؤبد نظراً لاتهام جميع النشطاء بخرق المادة 78 من قانون العقوبات. وعدّل السيسي هذه المادة في سبتمبر/ أيلول 2014 لتعاقب بالسجن المؤبد وغرامة نصف مليون جنيه (نحو 29 ألف دولار) كل من "يطلب لنفسه أو لغيره أو قَبِل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية، أو ممن يعملون لمصلحتها، أو من شخص طبيعي أو اعتباري، أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالاً سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى، أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية، أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".

وهذا التعديل القانوني الذي أدخله السيسي على المادة 78 من قانون العقوبات، يوسّع جهات تمويل الجرائم ليشمل تلقي الأموال بقصد إضرار البلاد سواء من الداخل أو الخارج. كما لم يعد الإضرار بأمن مصر يقتضي "ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية"، بل أصبحت الجريمة تتحقق بمجرد ارتكاب فعل يمكن تفسيره على أنه "مساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".