أفسح اتجاه الحكومة التونسية نحو تجميد الأجور في الوظيفة العمومية المجال أمام النقابات العمالية للمضي نحو تنفيذ الإضراب العام المقرر تنظيمه غداً الخميس، في حالة إصرار المسؤولين على إغلاق باب التفاوض بشأن الزيادة في الرواتب.
ومن الأمور التي تقيّد مساحات الحركة لحكومة يوسف الشاهد في هذا الملف الضغوط المتواصلة التي يمارسها صندوق النقد الدولي بشأن خفض كتلة الأجور، في ظل اتهامات المسؤولين النقابيين الذين وصفوها بحكومة الخارج. وكانت النقابات تتطلع إلى تحقيق مطالب مادية لفائدة 650 ألف موظفا.
واستبق صندوق النقد الدولي إمكانية موافقة حكومة يوسف الشاهد على الزيادة في رواتب موظفي القطاع الحكومي بمعارضة هذه الخطوة، إذ حذر مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، جهاد أزعور، الأسبوع الماضي، من أنه يجب على تونس إبقاء فاتورة أجور القطاع العام تحت السيطرة لتجنب مشاكل خطيرة متعلقة بالديون.
وقال مصدر مسؤول لـ"العربي الجديد" إن الحكومة ملتزمة بتوازنات رسمتها في مشروع الموازنة القادم لعام 2019، مشيرا إلى أن حصر نسب التضخم والنزول بعجز الموازنة من 4.9% إلى 3.9% يتطلب عدم الزيادة في نفقات الأجور وتوجيه قسط أكبر من النفقات العمومية نحو الاستثمار والتنمية.
واكتفى المسؤول الحكومي، الذي رفض ذكر اسمه، بالقول إن الوضع المعيشي للموظفين سيتحسن بكبح التضخم وتقليص نسبة التداين الخارجي والحد من انزلاق الدينار.
ويعكس استقرار مستوى الأجور في مشروع الموازنة للعام المقبل في مستويات 2018 ذاتها، أن الحكومة حسمت موقفها منذ مدة بتجميد الزيادات في أجور موظفي الدولة، وهو ما يبرر عدم تحمّسها إلى التفاوض الجاد مع النقابات على عكس الإضرابات السابقة.
وحافظت كتلة الأجور في القطاع الحكومي وفق مشروع ميزانية الدولة لعام 2019 على استقرارها مقارنة بكتلة أجور العام الماضي وذلك في حدود 16485 مليون دينار (5887 مليون دولار)، أي ما يعادل 14.1% من الناتج الإجمالي، مقابل 14% محددة في سنة 2018.
وقال الأمين العام المساعد المكلف بالوظيفة العمومية، منعم عميرة، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الاتحاد طوى صفحة التفاوض مع الحكومة، وأنه يتوجه إلى الدفاع عن مصالح التونسيين حتى لا يقعوا ضحايا إملاءات صندوق النقد الدولي الذي أمر الحكومة بعدم الزيادة في رواتب الموظفين.
وأضاف عميرة أن حكومة الشاهد تتحمل المسؤولية التاريخية لهذا الإضراب إذا نُفذ، مؤكدا أن جموع المحتجين سيتوجهون نحو البرلمان المقرر أن يبدأ اليوم الخميس مناقشة موازنة لم تحمل للتونسيين أي إجراء اجتماعي، وفق قوله.
وأضاف المسؤول النقابي أن الحكومة حسمت أمرها بشأن عدم صرف الزيادات منذ إعداد مشروع الموازنة الذي حافظ على نفس مستوى التأجير مقارنة بموازنة 2017، معتبرا أن المشروع الإصلاحي للوظيفة العمومية الذي تقوده الحكومة تحت مراقبة صندوق النقد الدولي مخالف لأحكام دستور البلاد ولا يراعي مصلحة الموظفين والأجراء.
وقال عميرة: ''رؤيتنا للإصلاح تختلف عن رؤية الحكومة، نحن نرى أنّه يجب أن يتماشى مع الدستور والتطورات الحاصلة داخل المجتمع، لكن الطرف الحكومي يرى أن الإصلاح يكمن في تطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي، متابعا أن الأجور في تونس من أقل الأجور مقارنة بدول المتوسط ودول أخرى في العالم.
وأضاف: "معدل أجور الموظفين يتراوح ما بين 570 دينارا و1700 دينار أي ما بين 203 و607 دولارات وهو في تآكل مستمر يوميا بفعل التضخم وزيادة كلفة المعيشة".
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في تصريحات إذاعية، اليوم الأربعاء، إن الحكومة لم تقدم أي عرض مالي ورفضت التفاوض بشأن العرض الذي قدمته النقابة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وقعت الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للشغل اتفاقا على الزيادة في رواتب العاملين في نحو 124 شركة حكومية، وهو ما مكن الموظفين من الحصول على زيادات تراوحت ما بين 205 و270 دينارا ستصرف على ثلاث شرائح، ومنع إضراب كان يفترض أن ينفذ في هذه المؤسسات يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويعتبر مهتمون بالشأن الاقتصادي أن الحكومة نجحت في مراوغة الاتحاد العام التونسي للشغل وإبطال إضراب الشركات الحكومية ما مكنها من تفادي خسائر كبيرة كان يمكن أن يتكبدها اقتصاد البلاد في حال شل حركة القطاعات الحيوية.
وقال الخبير الاقتصادي معز الجودي لـ"العربي الجديد" إن الحكومة تجنبت، بالتزامها بقرار تجميد الأجور الذي يفترض أن يمتد إلى سنة 2020، اصطداما مع صندوق النقد الدولي الذي وجه مؤخرا تحذيرا شديد اللهجة لحكومة تونس ليذكرها بالتزاماتها.
وأضاف الجودي أن الزيادة التي حصل عليها الموظفون في السنوات الماضية لم يمنع الصعوبات المعيشية وأدخلت تونس في دوامة التداين الخارجي لسداد الأجور، واصفا قرار الحكومة بتجميد الزيادة في الرواتب للفترة القادمة بالإيجابي.