توضح مبادئ القانون، أن التشريع السليم لابد وأن يتسم بالعموم والتجرد، ولا يستهدف أشخاص أو طوائف، ولكن الواقع المصري يخالف هذه القواعد، بعدما فقدت مصر أهم مقومات الحياة الاقتصادية والسياسية السليمة، بغياب البرلمانات الحقيقية، التي تعي دلالات التشريعات وما يترتب عليها من مصالح ومفاسد داخل المجتمع، سواء في الوقت الحالي، أو ما ستتحمله الأجيال المقبلة.
والمسؤولون في مصر يتحدثون عن تعديلات قانون الاستثمار، وكأنها حدث جلل، وأنها ستكون العصا السحرية في خروج الاقتصاد المصري من مشكلاته الاقتصادية والمالية، كما يعتبرون الانتهاء من تعديلات قانون الاستثمار قبل مؤتمر المانحين في مارس المقبل، انجازًا يحسب لهم، وأنهم من خلاله قد انتهوا من تهيئة المناخ الاستثماري، وما على المستثمرين الأجانب الواقفين على مداخل المطارات والموانئ المصرية إلا أن يقذفوا بشحنات العملات الأجنبية في خزائن البنوك المصرية!!
تناسى هؤلاء المغيبون بأن متخذ قرار الاستثمار يعتمد على دراسات لواقع الدول التي يذهب إليها، ولا يغيب عن أحد خلاصة الدراسات التطبيقية عن مناخ الاستثمار بمصر، حيث يعاني الاستثمار في مصر العديد من المشكلات، سواء في جوانب الطاقة وتوفيرها، أو اليد العاملة المهارة، أو في معدلات الفساد المرتفعة، والرشاوي والبيرقراطية داخل المؤسسات الحكومية، والبنية الأساسية المتهالكة.
وهي مشكلات يعاني منها المستثمر المحلي والأجنبي على سواء، ومن عجب أنك تجد وزير الاستثمار المصري بعد الانقلاب يتحدث عن أهمية تنفيذ نظام الشباك الواحد "one stop shop" وهو إجراء صدعنا به وزير كل حاجة في مصر يوسف بطرس غالي إبان توليه وزارة التجارة الخارجية في حكومة عاطف عبيد.
كما أن المستثمرين الأجانب يعلمون أن الوضع بمصر لم يستقر بعد، من خلال ما يرصدوه من الحراك السياسي لمناهضي الانقلاب، أو أحداث العنف في سيناء، أو سواء المرافق العامة، أو استمرار تركز السلطة التشريعية في يد رئيس الانقلاب، وهو ما يعرض ما يعتمده من تشريعات للاعتراض من قبل برلمات قادمة، أو الطعن عليها أمام القضاء المصري.
والمتابع للشأن المصري، يجد أن ما يقال عن التشريعات الاقتصادية الجديدة وأهيتها ودورها لا يختلف كثيرًا عما قيل في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، حيث تم تمرير أخطر التشريعات الاقتصادية الخاصة بنظام الامتياز في المرافق ومشروعات البنية الأساسية، وكذلك تخصيص الهيئات العامة، ثم انعقدت المؤتمرات الإقليمية المتعددة في مصر، ولم تحصد مصر شئ من هذه المؤتمرات سوى الوهم، وإضافة تشريعات اقتصادية كانت مدخلًا للفساد والتفريط في ثروات مصر.