تسول متزايد في ليبيا

06 يناير 2020
ظروف عيش صعبة لدى كثيرين (مروان نعماني/ فرانس برس)
+ الخط -
قال المكتب الإعلامي لمديرية أمن مدينة طبرق، أقصى الشرق الليبي، إنّ فرق البحث الجنائي ألقت القبض على ثماني متسولات، في وسط المدينة. وطالب المكتب المواطنين بالإبلاغ عن المتسولين، الذين أكد تزايد أعدادهم في وسط المدينة.

من جهته، يقول أحد سكان طبرق، عبد الرزاق عامر، إنّ انتشار التسول يعكس زيادة الفقر، لدى عدد من الأسر الليبية. ويقرّ عامر لـ"العربي الجديد" بصحة بعض الإجراءات الأمنية التي تمنع التسول كمهنة، لكنّه يعتبرها جائرة في حق المتسولين المحتاجين.

تؤكد إعلانات متعاقبة لوزارة الداخلية، بحكومة الوفاق "ضبط مجموعات كبيرة ممن يمتهنون التسول، وإحالتهم للتحقيق، وإحالة المهاجرين غير الشرعيين ممن يمتهنون التسول، إلى جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية". في الوقت نفسه، تشير إلى أنّ اختصاصيي الوزارة بدأوا بإجراء بحوث اجتماعية عن المتسولين الليبيين ودراسة أوضاعهم المالية، مقرة بأنّ مجمل التقارير والدراسات أكدت "نقصاً في السيولة، وغلاء في المعيشة، وتدني الرواتب أثر بشكل كبير على حياة المواطنين". وهو ما دفع الوزارة إلى الإعلان، في مايو/ أيار الماضي، عن البدء في إجراءات "توفير فرص عمل للمضبوطين خلال حملات مكافحة التسول"، لافتة إلى أنّ إجراءاتها ستشمل أربع بلديات من خلال برامج لتفعيل دور الرعاية الاجتماعية والوظيفة الأمنية الاجتماعية الرامية إلى توفير السند الاجتماعي ومعالجة حالات التشرد في الطرقات العامة، ومعالجة أوضاع المتسولين قانونياً وإدارياً.




وبالرغم من مرور كلّ هذه الأشهر، لم تعلن الوزارة عن نتائج إجراءاتها، وهو ما يعتبره عامر تقصيراً في قرارات الحكومة، موضحاً أنّ "المواطن الذي اضطر للتسول، لا يعاني من البطالة بالضرورة، بل من ضمان حقه في توفير الراتب، والسيولة، وتخفيض الأسعار". يصف عامر الصورة بأنّها "مخجلة"، مضيفاً: "تكاثر أعداد المتسولين مريب ولافت، فتجدهم داخل المقاهي، كما يعرقلون حركة السير بوقوفهم عند إشارات المرور، ومفترقات الطرقات الرئيسة، وأمام المصارف والمساجد".

بدوره، أكد مدير مركز الدراسات الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية بحكومة الوفاق، علي فرحات، أنّ نسبة الفقراء في ليبيا بلغت مستوى قياسياً خلال الأعوام الأخيرة، إذ إنّ نحو 45 في المائة من الليبيين يعيشون تحت خط الفقر. كذلك، بينت تقارير الأمم المتحدة أنّ نحو 1.3 مليون شخص في ليبيا يحتاجون إلى مساعدة إنسانية. واعتبر فرحات أنّ النسبة التي ذكرها هي "قفزة قياسية عام 2019، مقابل معدل 29 في المائة في العام 2009".

يحدد محمود فليفل، المسؤول في صندوق الضمان الاجتماعي الحكومي، عدد الأسر المستفيدة من رواتب الضمان بـ 224 ألف أسرة، مشيراً إلى أنّ هذه الرواتب ما زالت تعتمد محددات خط الفقر التابعة لوزارة التخطيط بالحكومة، أي 500 دينار ليبي (357 دولاراً أميركياً) للشخص الواحد. لكنّ فليفل يقول لـ"العربي الجديد": "هذه الرواتب الضعيفة لا تستفيد منها تلك الأسر الفقيرة بسبب غياب السيولة في المصارف، وإن تحصلت عليها فهي لا تكفي معيشتها بسبب غلاء الأسعار".




هذا الوضع يدفع الباحثة الاجتماعية، حسنية الشيخ، إلى التأكيد على أنّ التسول في ليبيا لم يعد "مهنة" كما في الماضي، عندما كانت الأسر الليبية مصنفة في الطبقة الوسطى في معظمها: "كيف يمكن إنكار ذلك، ومن الواضح أمام الرأي العام أنّ من يقفون أمام المساجد وفي الطرقات ليبيون، على عكس ما تدعي السلطات أنّهم غير ليبيين يمتهنون التسول". وفي وقت يعاني فيه المواطن الليبي مشقة كبيرة في الحصول على احتياجاته الأساسية تقول الشيخ لـ"العربي الجديد" إنّ مستوى الفقر زاد بشكل كبير بعد عمليات النزوح المكثفة من جراء الحرب. تضيف أنّ الجمعيات الخيرية لم تعد تكفي حاجات النازحين ما دفعهم لطلب المساعدة في الأماكن العامة، والمجاهرة بذلك، فهم الأكثر احتياجاً، ولم يعد التسول لمن هم في مثل حالتهم، يشكل أيّ ممنوع أو عيب اجتماعي. وبحسب الشيخ، فإنّ البلاد تفتقر للمؤسسات الرسمية التي تأخذ على عاتقها البحث عن جذور هذه الحالة الحقيقة، بعيداً عن إخلاء الدولة مسؤوليتها بإيهام الرأي العام أنّ المتسولين غير ليبيين. تضيف: "المطلوب إبراز الحلول الممكنة للحدّ من التسول، فكلنا يتفق على أنّها حالة مشينة، خصوصاً عندما يكون المتسول ليبياً، اضطر لذلك، بينما بلده غني بالنفط والموارد".