لجأت العشرينية الموريتانية عيش بنت امبارك إلى استعمال أقراص الديكساميثازون التي يستخدمها مربو الماشية لتسمين حيواناتهم قبل بيعها، حتى تحقق حلمها بزيادة وزنها ومن ثم زيادة حظوظها في الزواج، "إذ تعد السمنة معيارا أساسيا لجمال المرأة، كما أنها تعبر عن تمتع ذويها بحالة اقتصادية جيدة"، بحسب ما أوضحه لـ"العربي الجديد"، الدكتور سيدي ولد بيادة المكلف بالاتصال في وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة.
وتعرف أقراص الديكساميثازون محليا بـ"دردك"، ويشكل استخدام هذا النوع من الأدوية من أجل زيادة الوزن تحديا كبيرا أمام وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة التي تعنى بمحاربة عملية التسمين القسري للفتيات المعروفة بـ"التبلاح" كما يقول الدكتور سيدي، قبل أن يستطرد مكملا حديثه "استخدام هذا الدواء يتم بإرادة من يتعاطونه ولا يمكن القضاء عليه إلا من خلال التوعية والتذكير بالمخاطر المترتبة عليه، إذ تلجأ الفتيات إلى زيادة وزنهن عبره لكونه غير مكلف، ويؤدي إلى نتائج أسرع وهي خصائص تميزه عن التسمين القسري التقليدي القائم على إجبار الفتاة على تناول الطعام لفترات طويلة مع عدم القيام بأي مجهود بدني ومعاقبتها في حال رفضت ذلك".
"بالفعل" تعقب بنت امبارك على حديث المكلف بالاتصال في وزارة الشؤون الاجتماعية قائلة إنها وصديقاتها يستخدمن الدواء بجرعات عالية تصل إلى 5 حبات في اليوم قبل الأعراس والمناسبات الاجتماعية، وهو ما يعطي نتائج كبيرة في وقت قياسي، غير أنها محفوفة بالمخاطر، إذ يتسبب الدواء في تورم أطراف الجسد التي تنتفخ بعد استعماله لفترة طويلة وبجرعات كبيرة، وهو ما يؤكده عضو المكتب الوطني لنقابة الأطباء البيطريين الدكتور محمد عبد الرحمن ولد أحمد خليفة، قائلا لـ"العربي الجديد" أن المادة الفعالة للدواء تصنع منها أصناف مختلفة للحيوانات والبشر، وتعد من مشتقات الكورتيزون ويصل تركيزها إلى 5 مليغرامات، ويفترض ألا تصرف بدون وصفة طبية".
وينتج عن استعمال هذه الأقراص أمراض ضغط الدم وظهور حب الشباب وضمور العضلات وكذلك يؤدي الدواء إلى حالات نفسية كالكآبة، وإلى قرحة المعدة، كما يؤدي إلى اضطراب في الغدد وتشققات في الجلد عقب التوقف عن تناول الدواء، كما يقول أخصائي الأمراض الباطنية الدكتور محمد الهيبة لـ"العربي الجديد".
الفقيرات أكثر استخداماً للدواء
تستخدم امبارك المنحدرة من وسط اجتماعي فقير في إحدى قرى ولاية الحوض الشرقي أقصى شرق موريتانيا، غير أنها لا تعد بمفردها إذ تلجأ فتيات في المناطق الريفية إلى استعمال هذا النوع من الأدوية بشكل يومي، من بينهن فاطمة سيدي التي تعتبر الدواء بديلا عن التسمين التقليدي بالسمن والألبان واللحوم، وهو ما يفسره الدكتور سيدي ولد بيادة بأنه "عملية تعويض عن النحافة الناجمة عن الفقر الغذائي للوصول إلى السمنة غير الطبيعية باستخدام هذا الدواء"، إذ تعاني موريتانيا من عجز غذائي، وفقا لتقرير منشور على موقع برنامج الغذاء العالمي في يونيو/حزيران 2015، وبحسب التقرير ذاته فإن 15% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي المستمر، كما أن 10% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد في ظل أن 25% من المواطنين يعيشون على أقل من 1.25 دولار يوميا، الأمر الذي دفع الفتيات المنحدرات من الأسر الفقيرة والمتوسطة إلى اللجوء إلى هذا النوع من زيادة الوزن، تماشيا مع العادات والتقاليد الاجتماعية، كما يقول رئيس الجمعية الموريتانية لحماية المستهلك الخليل ولد خيري.
تجارة رائجة
يباع دواء "دردك" كما يطلق عليه الموريتانيون في الصيدليات البيطرية وسط العاصمة نواكشوط، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر شراء علبة صغيرة تحوي 100 قرص من العلاج بقيمة 2500 أوقية (7 دولارات)، ولا تحمل عبوة الدواء أية معلومات عن الجهة التي صنعتها، كتب عليها فقط، أن تاريخ الإنتاج سبتمبر/أيلول 2015، وأن صلاحيتها تنتهي في أغسطس/آب 2018، شأنها في ذلك، شأن العديد من الأدوية الطبية التي تباع بشكل غير قانوني في موريتانيا وفق تأكيد ولد خيري، والذي عبر عن قلق جمعية حماية المستهلك من الاستعمال المتزايد للأدوية مجهولة المصدر في أغراض علاجية للإنسان والحيوان، ومن غياب الرقابة الصحية وانتشار فوضى تداول الأدوية في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية وعدم الوعي الصحي، رغم ثبوت ضررها.
ويدخل الدواء مجهول المصدر إلى موريتانيا من خلال شبكات التهريب النشطة عبر الحدود بحسب الدكتور خليفة، ويعترف مصدر يعمل في وزارة الصحة الموريتانية بوجود هذا الدواء في السوق نتيجة لنشاط تزوير الأدوية وتهريبها إلى موريتانيا، مؤكدا لـ"العربي الجديد": "أن الوزارة رصدت تداول هذه الأقراص، وأن هذا النوع من الأدوية لا وجود له على قوائم الاستيراد الموجودة لدى مصالح الوزارة المعنية بالموضوع، وما يوجد منها وصل عبر التهريب".
وينسجم حديث المصدر مع تقرير رسمي أعدته لجنة مكلفة من وزارة الصحة تم الكشف عنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويصف التقرير موريتانيا بأنها أصبحت "منصة عائمة لتوزيع الأدوية المغشوشة في المنطقة"، وقدّر كمّية الأدوية المغشوشة أو الفاسدة المخزنة في البلاد بـ 60 إلى 100 ألف طن، وبالرغم من تزايد تحذيرات وزارة الشؤون الاجتماعية من تناول الأدوية مجهولة المصدر أو استخدامها في زيادة وزن الفتيات لتأثيرها على مختلف وظائف الجسم بحسب ولد بيادة، إلا أن استخدام بنت امبارك وصديقاتها لهذا الدواء وعدم اكتراثهم بتلك التحذيرات ما يزال مستمرا، غير أنها قد تتوقف عنه في حال تمكنت من تحقيق حلمها في الزواج.