تجاهلت معظم محطات التلفزة الفيدرالية الروسية الأنباء عن المعارض أليكسي نافالني، فيما سعت القنوات التي نقلت الخبر إلى تجنب الإشارة لاحتمال تسمم المعارض أو وقوف الكرملين وراء الجريمة. فعلى عكس الاهتمام العالمي الواسع في القنوات العالمية، لم تجد نشرات الأخبار على القنوات الفيدرالية الروسية متسعاً لنقل خبر نقل المعارض البارز أليكسي نافالني إلى المستشفى، في حين اقتصرت تغطية بعض البرامج الحوارية السياسية على نقل الخبر مع التأكيد على "عمل الأطباء الرائع"، فيما عرض عدد من الاحتمالات بخجل فرضية التسميم.
وفي حلقة برنامج "60 دقيقة" اليومي على قناة "روسيا 1" الذي يعرض في الظهيرة، افتتح المقدمان البرنامج ظهيرة 20 أغسطس/آب الماضي بخبر عاجل عن استقرار أوضاع نافالني وتمنيات الكرملين له بالشفاء العاجل بعد حصوله على معلومات من وسائل الإعلام عن نقله إلى مستشفى في مدينة أومسك (قبل إجلائه إلى ألمانيا). ومع إشارتها إلى وجود احتمال تسميم المعارض، عرضت القناة مقاطع فيديو من مطار تومسك قالت إنها توضح ان أحد مساعدي نافالني قدم له الشاي بعد شرائه لتخلص إلى أنه لا يمكن أن يعلم أي شخص أن الشاي كان سيقدم لنافالني.
القناة الإخبارية "روسيا 24" نقلت الخبر في بعض نشراتها، مع التأكيد على إفادات الأطباء أن التسمم هو واحد فقط من الاحتمالات، ولم تعرض رأي المقربين من نافالني أو أفراد عائلته.
من جانبها، تجاهلت قناة "إن تي في" الممولة من مؤسسات حكومية الخبر في نشراتها الرئيسية في اليوم الأول، ولكنها تناولته في اليوم التالي من وجهة نظر الأطباء ونفي إمكانية تورط الجهات الحكومية في حادثة التسمم.
فلاديمير سالافيوف، أحد أهم صانعي "بروباغاندا" الكرملين، لم يخصص أي فقرة في برنامجه اليومي "المساء مع سالافيوف" على قناة :روسيا 1" الحكومية عن موضوع نافالني، لكنه تطرق إلى الموضوع أكثر من مرة على قناته على "تلغرام" مشدداً على أنه "بغض النظر عن الخلافات السياسية ومحاولات نافالني تشويه سمعتي وسمعة عائلتي اتفق مع أصدقائي المسيحيين الأرثوذوكس بأنه يجب إدانة الخطيئة وليس الشخص المذنب". وتمنى سالافيوف الصحة لنافالني، وقال إنه "شاب، ووالداه أحياء، وله زوجة وأطفال، بالطبع يجب ألا يموت" حتى يستطيع العودة للعيش مع عائلته وتربية أولاده ورؤية أحفاده". وفي المقابل، تحدث عن قضايا لن يتطرق إليها حالياً ملمحاً إلى أن نافالني كان يعاقر الكحول. وبعد هذا الحديث الوجداني القصير، تابع سلافيوف بثه المباشر مخصصا 38 دقيقة من أجل إبعاد شبهة التسميم، وانتقاد تعليقات المعارضين، كما طرح عدداً كبيراً من الفرضيات الطبية التي قد تتسبب في وقوع الإنسان بغيبوبة، وركز على دحض آراء جميع المعارضين وإظهار أي تناقض فيها.
ومعلوم أن نافالني نشر تقارير عن فساد سلافيوف وعائلته، وامتلاكه قصراً في إيطاليا، والمبالغ الضخمة التي يتلقاها مقابل "تبييض صفحة الكرملين والفاسدين من دون أي خجل" والتي مكنتهم من شراء أكثر من شقة سكنية في مركز موسكو، إضافة إلى رفعه قضية أمام السلطات من أجل محاكمته نظراً لأن سالفيوف أعلن بوضوح عن إعجابه بشخصية الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسيليني وأفكاره الفاشية.
موقف الإعلامي الروسي واسع الشهرة فلاديمير بوزنير كشف عن الغاية الأهم في حال تم عرض قضية نافالني، وقال مقدم البرامج التلفزيونية المشهور في موقعه الرسمي على الإنترنت إنه "في حال أقدم أحد الذين انتقدهم نافالني وكشف فسادهم على الانتقام فيجب على السلطات أن تتوصل إليه بأسرع وقت وأن تقدمه لمحاكمة علنية بمشاركة قنوات التلفزة... ليس من أجل أن محاكمة المجرم، لكي لا تعلن وسائل الإعلام الغربية أن هذا (تسميم نافالني) نُفذ بأمر خاص من بوتين". وخلص بوزنير إلى أنه لا يمكن استبعاد أن أي شخص يرغب بإلحاق الأذى بروسيا لا يمكن أن يفكر بطريقة أكثر فعالية مما حصل، وأكد بوزنير أنه سيصلي من أجل نافالني رغم الخلافات الكبيرة بينهما.
وفي تغريدتين على "تويتر"، عزت رئيس تحرير شبكة "آر تي" مارغاريتا سومينيان ما حصل مع نافالني إلى انخفاض السكر في الدم، مستشهدةً بتجربتها الخاصة حين تشعر بالتعب والإعياء في حال عدم تناولها الطعام لفترة طويلة. وبعد انتقادها الأطباء لأنهم "لم يقدموا السكر لنافالني مباشرة لكان انتهى الأمر"، زادت "أنا أحمل قطع رافيلو معي لأن الأطباء شرحوا لي بالتفصيل أنه في حال عدم تناول السكر بسرعة فيمكن أن يدخل الإنسان في غيبوبة". وكان نافالني قد خصص حلقات وتقارير عن سومنيان وعائلتها واتهمها باستغلال وظيفتها للكسب غير المشروع أيضاً.
بعض الاعلاميين ذهب إلى التشفي بما حصل لنافالني، وعزوا الأمر إلى "إدمانه على الكحول الرخيص". وفي حين استحضرت وسائل الإعلام العالمية حوادث تسميم المعارضين لسياسة الكرملين وضباط الاستخبارات السابقين عبر دس السموم في المشروبات، ألقى رجل الأعمال الروسي المقرب من بوتين يفغيني بريغوجين باللوم على نافالني. وقال الملياردير، المعروف بلقب "طباخ بوتين" والذي يشار إلى تمويله مجموعات مرتزقة "فاغنر"، في تصريحات لوسيلة إعلام يمولها "لو قبل في المرة الماضية بأخذ المليون روبل التي تبرعت بها، فربما لم يكن مضطرا إلى شرب فودكا مع باربيتورات (من فصيلة أدوية تعمل على تثبيط عمل الجملة العصبية المركزية، وحسب الجرعة يمكن أن يصل تأثيرها إلى التخدير الشامل)". وكان بريغوجين قد تبرع الشهر الماضي بمبلغ مليون روبل لصندوق مكافحة الفساد الذي يديره نافالني، بعدما قضت محكمة روسية بإغلاق الصندوق ودفع مبلغ كبير بتهمة التشهير برجل الأعمال المقرب من بوتين على خلفية تقارير تحدثت عن تسمم جماعي للأطفال في مدرسة بموسكو تقدم لها مؤسسات "طباخ الكرملين" وجبات غذاء فاسدة.
وعلى خلفية تقارير الفساد التي أطلقها صندوق نافالني ولم تستثن أحدا في الكرملين والحكومة، ازداد عدد أعدائه في داخل النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية الروسية. وفي 2018 تعهد رئيس الحرس الوطني الروسي فيكتور زولوتوف بتحويل نافالني إلى "شريحة لحم في غضون دقائق"، في حال قبول دعوة للمبارزة مع الجنرال المقرب من بوتين الرافض لتهم بالفساد له ولعائلته في تقرير لصندوق مكافحة الفساد.