12 نوفمبر 2024
تسريبات محمود عباس
محمد طلبة رضوان
في مقهى بالدوحة، جلسنا، نظر في موبايله، وابتسم في حسرة:
"- تخيّل، محمود عباس يقول إنه يعمل من أجل مستقبل إسرائيل!
- محمود عباس مين؟
- بتاع فلسطين، يا عم.
-عباس آه، عارفه، ما له بقى؟
- بيشتغل لأمن إسرئيل ومستقبل شبابها.
- طب ما أنا عارف.
- يا بني ركّز، الرجل بيقول كده بنفسه.
- بيقول؟!.. بيقول ازاي؟ .. تلاقيه تسريب.
- شكله كده."
سحبت نفسا عميقا من معسل "السلوم" المصري، وقلت له معلقاً: المثل يقول: "إذا قرّر أحدهم أن يغتصبكِ ولم تستطيعي مقاومته فاستمتعي"... ضحكنا، وتجاوزنا الأمر. في الصباح تذكرت التسريب، دخلت إلى "يوتيوب" لأسمعه بنفسي، كتبت في محرّك البحث "تسريب محمود عباس"، جاءني صوت صائب عريقات يقول: "نتنياهو مش معطيهم شي".. ليس هذا إذن، بحثت في النتائج التالية، لا يوجد شيء، تركت "يوتيوب" إلى "غوغل"، ليس في نتائج الأخبار أي شيء يشير إلى تسريباتٍ فلسطينية، فقط تسريبات جنسية لمعارضين للتعديلات الدستورية في مصر. فتحت موقع "العربي الجديد"، لأفاجأ بأنها كانت "تصريحات"، أي أن محمود عباس قال هذا في عالم "الشهادة"، يسمعه الناس، ويروْنه، وهو يعلم أنهم يسمعونه ويرونه، وهم يعلمون أنه يعلم أنهم يسمعونه ويرونْه، كان هذا حقيقيا إذن..؟!
تربّينا على أن القضية الفلسطينية هي بوصلة العمل الوطني والنضالي، قضية العرب الأولى التي يجاهد من أجلها الجميع، على اختلافاتهم الأيديولوجية، فيما يتاجر بها الانتهازيون، شأن كل قضية عظيمة. كنا نعتبر بعض مواقف ياسرعرفات نوعا من الاستسلام والتراخي. كنا نتعامل مع أي "مهوّن" من شأن القضية الفلسطينية بوصفه "خائنا"، بل إننا لم نفقد يقيننا يوما بأن تحرير فلسطين مقدّم على قضايانا المحلية، وأن وجود إسرائيل هو السبب الرئيس في تخلّف من حولها، وأن بداية الحل للقضيتين، المحلية والإقليمية، يكمن في نهاية إسرائيل. الآن، يصرّح رئيس السلطة الفلسطينية، التي من شأنها أن تقاوم المحتل، فهذه هي وظيفتها الوحيدة ودلالة كونها سلطة فلسطينية، إنه يعمل من أجل أمن إسرائيل، ومستقبل شبابها!
اشتعل الربيع العربي في منطقتنا للتخلص من أنظمةٍ رأى في أدائها الكثيرون عمالةً تستوجب الإزاحة والمحاكمة، فيما رأى آخرون فشلا وفسادا واستبدادا، وانسدادا في الحياة السياسية يحول دون تطوّرها. على الرغم من ذلك، لم يتورّط أحدٌ من "مجرمي" هذه الأنظمة يوما في تسريب. لا تصريح، بهذا المستوى. حسني مبارك أكثرهم تطبيعا لم يفعلها، معمر القذافي أكثرهم جنونا، كان على العكس تماما. أتحدّث عن "الخطاب" لا الفعل، الحد الأدنى من الإنكار، بشار الـ "مو مانع"، كانت مقتضيات خطابه تحول دون أن يفعلها، فضلا عن بعض العقل، وقليل من الحياء السياسي، والحشمة، ومراعاة الشعور الجمعي، المنحاز للقضية، بالضرورة.. فما الذي يحدث؟
انتقل عباس من مربع الاستسلام الذي كنا نتّهم به عرفات إلى مربع "الانسجام" الذي أشرت إليه ممازحا صديقي في المقهى، وأنا أتصوّر أن الأمر مجرد "إشاعة" أو على الأكثر "تسريب" لرجلٍ يتحدث إلى مسؤول إسرائيلي في مأمن من آذان بني وطنه.. إن جاز نسبة الوطن إلى رجل المستقبل الإسرائيلي!
في مصر، حوار دائم، حول حقيقة عبدالفتاح السيسي، عسكري فاشل، ونتاج طبيعي لمنظومة مبارك، أم "جاسوس" نجحوا في زرعه لتخريب البلد بشكل ممنهج، كما فعلوها من قبل في سورية، مع إيلي كوهين؟ يرفض كثيرون، وأنا منهم، أن يسلموا بأن السيسي جاسوس، يرونه تفكيرا تآمريا يفتقد الأدلة، أقول وقد استمعت إلى تصريحات عباس، إن زرع الجواسيس ليس أسوأ ما قد تبتلى به الشعوب فيما يتعلق بالقيادات.
- محمود عباس مين؟
- بتاع فلسطين، يا عم.
-عباس آه، عارفه، ما له بقى؟
- بيشتغل لأمن إسرئيل ومستقبل شبابها.
- طب ما أنا عارف.
- يا بني ركّز، الرجل بيقول كده بنفسه.
- بيقول؟!.. بيقول ازاي؟ .. تلاقيه تسريب.
- شكله كده."
سحبت نفسا عميقا من معسل "السلوم" المصري، وقلت له معلقاً: المثل يقول: "إذا قرّر أحدهم أن يغتصبكِ ولم تستطيعي مقاومته فاستمتعي"... ضحكنا، وتجاوزنا الأمر. في الصباح تذكرت التسريب، دخلت إلى "يوتيوب" لأسمعه بنفسي، كتبت في محرّك البحث "تسريب محمود عباس"، جاءني صوت صائب عريقات يقول: "نتنياهو مش معطيهم شي".. ليس هذا إذن، بحثت في النتائج التالية، لا يوجد شيء، تركت "يوتيوب" إلى "غوغل"، ليس في نتائج الأخبار أي شيء يشير إلى تسريباتٍ فلسطينية، فقط تسريبات جنسية لمعارضين للتعديلات الدستورية في مصر. فتحت موقع "العربي الجديد"، لأفاجأ بأنها كانت "تصريحات"، أي أن محمود عباس قال هذا في عالم "الشهادة"، يسمعه الناس، ويروْنه، وهو يعلم أنهم يسمعونه ويرونه، وهم يعلمون أنه يعلم أنهم يسمعونه ويرونْه، كان هذا حقيقيا إذن..؟!
تربّينا على أن القضية الفلسطينية هي بوصلة العمل الوطني والنضالي، قضية العرب الأولى التي يجاهد من أجلها الجميع، على اختلافاتهم الأيديولوجية، فيما يتاجر بها الانتهازيون، شأن كل قضية عظيمة. كنا نعتبر بعض مواقف ياسرعرفات نوعا من الاستسلام والتراخي. كنا نتعامل مع أي "مهوّن" من شأن القضية الفلسطينية بوصفه "خائنا"، بل إننا لم نفقد يقيننا يوما بأن تحرير فلسطين مقدّم على قضايانا المحلية، وأن وجود إسرائيل هو السبب الرئيس في تخلّف من حولها، وأن بداية الحل للقضيتين، المحلية والإقليمية، يكمن في نهاية إسرائيل. الآن، يصرّح رئيس السلطة الفلسطينية، التي من شأنها أن تقاوم المحتل، فهذه هي وظيفتها الوحيدة ودلالة كونها سلطة فلسطينية، إنه يعمل من أجل أمن إسرائيل، ومستقبل شبابها!
اشتعل الربيع العربي في منطقتنا للتخلص من أنظمةٍ رأى في أدائها الكثيرون عمالةً تستوجب الإزاحة والمحاكمة، فيما رأى آخرون فشلا وفسادا واستبدادا، وانسدادا في الحياة السياسية يحول دون تطوّرها. على الرغم من ذلك، لم يتورّط أحدٌ من "مجرمي" هذه الأنظمة يوما في تسريب. لا تصريح، بهذا المستوى. حسني مبارك أكثرهم تطبيعا لم يفعلها، معمر القذافي أكثرهم جنونا، كان على العكس تماما. أتحدّث عن "الخطاب" لا الفعل، الحد الأدنى من الإنكار، بشار الـ "مو مانع"، كانت مقتضيات خطابه تحول دون أن يفعلها، فضلا عن بعض العقل، وقليل من الحياء السياسي، والحشمة، ومراعاة الشعور الجمعي، المنحاز للقضية، بالضرورة.. فما الذي يحدث؟
انتقل عباس من مربع الاستسلام الذي كنا نتّهم به عرفات إلى مربع "الانسجام" الذي أشرت إليه ممازحا صديقي في المقهى، وأنا أتصوّر أن الأمر مجرد "إشاعة" أو على الأكثر "تسريب" لرجلٍ يتحدث إلى مسؤول إسرائيلي في مأمن من آذان بني وطنه.. إن جاز نسبة الوطن إلى رجل المستقبل الإسرائيلي!
في مصر، حوار دائم، حول حقيقة عبدالفتاح السيسي، عسكري فاشل، ونتاج طبيعي لمنظومة مبارك، أم "جاسوس" نجحوا في زرعه لتخريب البلد بشكل ممنهج، كما فعلوها من قبل في سورية، مع إيلي كوهين؟ يرفض كثيرون، وأنا منهم، أن يسلموا بأن السيسي جاسوس، يرونه تفكيرا تآمريا يفتقد الأدلة، أقول وقد استمعت إلى تصريحات عباس، إن زرع الجواسيس ليس أسوأ ما قد تبتلى به الشعوب فيما يتعلق بالقيادات.
دلالات
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024