كان الموت أسبق من حكم القضاء، على الوافد الأردني إلى المملكة العربية السعودية، يوسف شاهين، والذي كان موقوفاً على ذمة قضية تزوير أكثر من 16 ألف شهادة جامعية، بيد أن ابنته، وشريكته بحسب الاتهام في إدارة عمليات التزوير، ما تزال تنتظر القضاء، ويتوقع أن يُحكم عليها بالسجن خمسة أعوام إذا ثبتت التهمة، وفق قانون العقوبات السعودي، بعد أن قبض عليها ووالدها الراحل في العام الماضي في مدينة بريدة (360 كم شمال الرياض) بتهمة إدارة معمل متكامل لتزوير الشهادات والوثائق الجامعية.
يؤكد المتحدث باسم شرطة منطقة القصيم النقيب بدر السحيباني أن المزور كان يتقاضى 50 ألف ريال عن شهادة بدرجة الدكتوراه (13.300 دولار)، و20 ألف ريال (5300 دولار)عن شهادة بدرجة الماجستير و15 ألفا (أربعة آلاف دولار) عن شهادة بدرجة البكالوريوس، لتصل قيمة الشهادات المضبوطة إلى أكثر من 280 مليون ريال (74.5 مليون دولار أميركي).
حصاد التزوير بالملايين
حالة الأردني شاهين ليست الوحيدة، فحسب الجهات الأمنية، تم القبض على خمسة مزورين في عام 2014، كما تم اكتشاف أكثر من 4714 شهادة مزورة لمهندسين وأطباء، لسعوديين ووافدين يعملون في السعودية، وغالبيتها إما للعمل أو بهدف تحسين النظرة المجتمعية لحاملها، فيما تم ضبط 1650 متهما باستخدام شهادات علمية مزورة في العمل، كما أكدت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد".
في جازان (أقصى جنوب السعودية) تم ضبط وافد متهم بتزوير الشهادات العلمية، وكشفت المصادر الأمنية بيعه أكثر من 700 شهادة جامعية بدرجات عليا مختلفة، مقابل 13 مليون ريال (3.5 ملايين دولار)، ويؤكد الدكتور فهد الحارثي أستاذ العلوم الاجتماعية أن "الهوس بالدرجات العلمية بات كبيرا، فأصحاب المال لا يكتفون باسم رجل الأعمال، ويرغبون بإضافة حرف الدال أمام اسمهم كنوع من التفاخر الاجتماعي، وهو ما يفسر ملايين الريالات التي يجمعها المزورون".
ويضيف: "يساعد النظام الجزائي السعودي على تفشي الظاهرة، فهو لا يعاقب أصحاب الشهادات الوهمية أو المزورة إلا في حال استخدام تلك الشهادة للحصول على عمل، أما من يحصل عليها كنوع من التباهي الاجتماعي ولا يستخدمها للعمل، فلا يعاقب، لهذا نجد أن كثيراً من رجال الأعمال الأثرياء يلجؤون للحصول على شهادات علمية من جامعات غير معترف بها وغالبيتها عبر مواقع الإنترنت للتباهي بها، ولا تكلف تلك الشهادة أكثر من عشرة آلاف ريال، ويحصل عليها صاحبها وهو في منزله".
51 ألف شهادة مزوَّرة في السعودية
قالت مصادر لـ "العربي الجديد"، طلبت عدم ذكر اسمها، إن الجهات الأمنية اكتشفت أكثر من 800 موظف يعملون في وظائف قيادية في جهات حكومية، بينهم وكلاء وزارات، يحملون شهادات عليا مزورة، كما أن إحصائية رسمية لوزارة التعليم العالي أكدت أن هناك أكثر من 51 ألف شهادة مزورة في السعودية، بينها ماجستير ودكتوراه وبكالوريوس في مختلف التخصصات.
وبحسب المدير العام للإدارة العامة للعلاقات والتوجيه في وزارة الداخلية، اللواء الدكتور محمد المرعول، فإن: "النظام الجزائي الذي صدر أخيراً في ما يخص المزورين يُطبَّق فقط على غير السعوديين، ولكن هناك دراسة يجري العمل عليها للعقوبات المستحقة لمزوّري الشهادات العلمية من السعوديين، وستصدر قريباً"، وتشمل عقوبات غير السعوديين المحاكمة والسجن والإبعاد والوضع على قائمة المنع من دخول السعودية بشكل نهائي".
المستشار القانوني أحمد الراشد، يؤكد أنه في حال ثبوت التهمة على المزور، تطبق في حقه عقوبة التزوير في نظام مكافحة التزوير والرشوة، والقاضي بسجنه خمس سنوات مع غرامة تصل إلى 50 ألف ريال، ويقول لـ "العربي الجديد": "كل من استفاد من شهادته التي زوّرها له المزوِّر، وهو يعرف أنها مزوَّرة تطبق بحقه عقوبة السجن خمس سنوات، كعقوبة جزائية مع إيقاع عقوبة تأديبية عليه، وهي الفصل من وظيفته، لكونه عُيِّن فيها بناء على الشهادة المزوَّرة"، ويضيف: "ليس هناك فرق بين الشهادة المزوَّرة، وبين الشهادة التي حصل عليها صاحبها من جامعة وهمية، فكلاهما يندرج تحت التزوير والتضليل ما دام صاحب الشهادة يعرف أن الجامعة التي مُنح الشهادة منها غير حقيقية، ولا وجود لها على أرض الواضع".
مهندسون وأطباء مزوَّرون
غالبية الشهادات المزوَّرة التي يتم استخدمها في السعودية، هي لمهندسين أو أطباء، على الرغم من المخاطرة الكبيرة التي يتكبدها المزوِّر، إلا أن الراتب المغري الذي سيحصل عليه يجعله يقدم على المغامرة.
ويؤكد الشقاوي، أن: "تلك الشهادات المزورة تزهق الأرواح والممتلكات، وللحد من هذه المشكلة أصبح إلزاميّا على أي مهندس أن يسجل معلوماته الكاملة في نظام مزاولة المهن الهندسية"، وتتصدر الفلبين مصدر الشهادات الهندسية المزورة (460 شهادة) تليها الهند (250 شهادة) ثم مصر (180 شهادة) تليها باكستان (110 شهادات) ، والأردن (50 شهادة)، وفي الوقت ذاته يكشف نقيب المهندسين الأردنيين المهندس عبدالله عبيدات، أن هناك أكثر من 1300 مهندس أردني يعمل في السعودية من أصل 20 ألف مهندس يحملون شهادات هندسية مزورة.
في الجانب الصحي يكشف مصدر في وزارة الصحة لـ "العربي الجديد": "ضبط 2714 ممارساً طبياً، العام الماضي، بشهادات مزورة في القطاعين الحكومي والخاص منهم 1431 يعملون في التمريض، وأكثر من 450 في التعقيم والتخدير والمختبرات و370 في الصيدلة و60 طبيباً عاماً".
مدير المركز الإعلامي في وزارة العمل، تيسير المفرج، أكد لـ "العربي الجديد" أن ضبط أصحاب الشهادات المزورة ليس من اختصاصهم وأضاف: "نحن ننظّم سوق العمل، ونهتم بمخالفات أنظمة العمل فقط".
قائمة سوادء
في عام 2013 نشر مدوّن على الإنترنت في مدوّنة fakedoctorateksa قائمة بأصحاب الشهادات الوهمية من حاملي درجتي الماجستير والدكتوراه، وأكد أن مدونته ليست للهجوم الشخصي أو الإساءة، ولكن: "لن نرضى أن يتم استغلالنا مادياً وفكرياً وأكاديمياً من قبل مستغلِّين يبحثون عن الشهرة في عالم التزييف والوهم"، والقائمة تُحدَّث بشكل دوري، ونشر في مدونته التي زارها حتى تاريخ كتابة التحقيق 7.034.909 زوّار، أسماء 190 مسؤولا حكوميا وفي القطاع الخاص يحملون شهادات عليا مزورة أو من جامعات وهمية، ويكشف صاحب المدوّنة بالاسم والجامعة والتاريخ كل من يحمل شهادة مزورة أو وهمية.
أحد رجال الأعمال الذين ورد اسمهم في القائمة، واعترف أنه اشترى شهاداته من الجامعة الأوروبية بعشرة آلاف دولار كنوع من الوجاهة الاجتماعية، لا أكثر، يقول لـ "العربي الجديد": "أنا لا أحتاج إلى شهادة الدكتوراه، هي للوجاهة الاجتماعية. دفعتُ عشرة آلاف دولار، وجاءتني بالبريد السريع خلال أسبوعين، لم أستغل الشهادة للحصول على منفعة أو وظيفة، ولم أؤذِ أحداً".
ولأن السجن خمس سنوات فقط، يعتبر عقوبة بسيطة مقابل ما قد يحصل عليه المزوّر من مردود مادي كبير، ولصعوبة الوصول له في الأصل، بات هذا النشاط مغريا، وإلى حين تشديد العقوبة على المزوِّر والمزوَّر له، لن تتوقف أخبار اكتشاف الشهادات المزورة عن الظهور في السعودية.
--------
اقرأ أيضا:
أكاديميون وهميون في السعوديّة