تركيا وهذه الانقلابات العربية

30 يوليو 2016
+ الخط -
تعيش الشعوب العربية أسوأ مراحل تاريخها المعاصر، بسبب الأنظمة العسكرية والدكتاتورية الحاكمة. أصبحت الانقلابات العسكرية في بعض بلدان الوطن العربي مألوفةً، ويتقبلها مواطنون عرب بصدر رحب. هل بسبب الجهل أم القمع أم ماذا؟ حصلت عدة انقلابات عسكرية، في اليمن والعراق والجزائر ومصر، وبلدان عربية أخرى، ولم نر أيّ تحرك للمواطن العربي.
ما يؤلم أنّنا نرى أحزاباً مدنية في الوطن العربي تهلل وتبارك للانقلابات العسكرية. وقد شاهدنا كيف هللت الأحزاب اليسارية والليبرالية المصرية للانقلاب العسكري في مصر، وباركته، نكاية بالإخوان المسلمين. لم يعرف الليبراليون، وبعض الأحزاب اليسارية والإسلامية في مصر، أنّ الانقلاب سيكون وبالاً عليهم، وإن كان "الإخوان" ضحية الانقلاب العسكري المشؤوم، إلا أنّ الضحية، في آخر المطاف، كانت الشعب المصري، بكل أطيافه وأحزابه السياسية، بمن فيها حزب النور السلفي وأحزاب اليسار التي أيّدت انقلاب العسكر.
لكن، أفشل الشعب التركي، بكل أحزابه ومنظماته، الانقلاب العسكري. وقفت أحزاب المعارضة التركية إلى جانب الشرعية التركية، ممثلة بحزب العدالة والتنمية التركي. ليس من أجل سواد عيون الرئيس أردوغان، ولكن، من أجل إسقاط انقلاب العسكر، ومن أجل الحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة. تعرف الأحزاب التركية المعارضة جيداً أنّ الرئيس أردوغان لم يأت إلى كرسي الحكم بصناديق وأصوات مزوّرة، كما يحدث في بلداننا العربية، وإنما جاء إلى الحكم بانتخابات نزيهة، وبالتالي، لا بد من تشجيع هذه الديمقراطية، وإنْ لم تكن في صالح أحزاب المعارضة.
لم تقف أحزاب المعارضة التركية بجانب الانقلاب العسكري، لانّها تعرف أنّها ستكون أول ضحاياه، ولذلك، وقفت، بقوة وشجاعةٍ منقطعة النظير، ضده. ويحسب هذا الموقف لأحزاب المعارضة التركية. والمتمنَّى من أحزاب المعارضة العربية أن تستفيد وتتعلم الدروس من موقف أحزاب المعارضة التركية ضد الانقلاب.
ما نود قوله إنّ الفرق بين الانقلابات العسكرية العربية الحديثة والانقلاب العسكري التركي واضح وضوح الشمس. تلك تُديرها عقول مُفكرة. لكن، للأسف، لا تجيد هذه العقول سِوى المكر والخداع والقتل والإجرام. ولذلك، لا يقوم قادة الانقلابات العسكرية في الوطن العربي بأي خطواتٍ، إلا وقد حسبوا لها ألف حساب. وليس ما حصل في مصر، أخيراً، بعيداً عنا، وما حصل في السودان واليمن، في العقود الماضية، ليس بعيداً أيضاً. أمّا قادة انقلاب تركيا، هذه المرة، فلا ندري من دبّر لهذا الانقلاب الفاشل هل هم أطفال أم مجانين؟ ذكّرتنا الصورة التي ظهر بها قادة انقلاب تركيا، هذه المرة، بما قامت به بعض المليشيات العربية المسلحة التي انقلبت على أنظمة الحكم في بعض البلدان العربية. لم يكن لدى هذه المليشيات برنامج سياسي، ولا رؤية مستقبلية. ولذلك، كان مصيرها الفشل، كما فشل انقلاب العسكر في تركيا، الا أنّ المليشيات العربية أدخلت بلدانها في دوامة عنفٍ حتى كتابة هذه السطور.
شاهدنا كيف هللت بعض أنظمتنا العربية، وباركت محاولة الانقلاب التركي في ساعاته الأولى. ولكن، سرعان ما غيرت هذا التهليل والتكبير، وبادرت إلى مباركة انتصار الشعب التركي على الانقلاب العسكري.
ختاماً، علينا، نحن العرب، أنّ نعرف جيداً أنّ إرادة الشعوب لا تقهر، ولنا في موقف الشعب التركي من الانقلاب العسكري عبرة، بغض النظر عمّن يحكم تركيا. الشعوب العربية اليوم بحاجة ماسة إلى قيادةٍ حكيمةٍ ومُثقفة وخبيرة ومتعلمة، تُدير دفة الحكم. أمّا العسكر فلم نرَ منهم سِوى لغة القوة والقمع والقهر والسجون المُظلمة المليئة بالأبرياء. نعرف جيداً أنّه سيأتي اليوم الذي يسقط فيه حكم العسكر والظلمة في الوطن العربي، وإن طالت الأيام.
49D89822-BCA1-4F4A-84D0-9E7C797D044E
عادل دشيلة

كاتب يمني