تكاد تتساوى كلمة صندوق النقد الدولي عند الأتراك مع كلمة الانقلاب العسكري، فكلا الكلمتين، الصندوق والانقلاب، مكروهتين بشدة لدى الشعب التركي ونظامه الحاكم منذ العام 2003 لدرجة التحريم.
ولا يكاد كبار المسؤولين الأتراك يتركون مناسبة إلا يهاجمون فيها إحدى الكلمتين وربما كليهما، باعتبارهما تمثلان خطورة شديدة على مستقبل البلاد، سواء على التجربة الديمقراطية والدولة المدنية، أو الاقتصاد ومعيشة المواطن.
فالانقلابات العسكرية تجر البلاد إلى الفساد وعسكرة الدولة ومؤسساتها الاقتصادية، وصندوق النقد يجرها إلى التبعية السياسية والاقتصادية للمؤسسات المالية الدولية، وإدخال البلاد إلى دوامة الغلاء والبطالة والفقر، والتوسع في الاقتراض الخارجي، والأخطر انهيار الطبقة الوسطى، وهي قوة أي مجتمع.
وهناك 12 دولة في منطقة الشرق الأوسط طلبت الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة تبعات تفشي فيروس كورونا الخطيرة على الاقتصاد وصحة المواطن.
وحصلت بالفعل هذه الدول على قروض ضخمة، منها مصر التي حصلت على 7.8 مليارات دولار، والمغرب 3 مليارات، والأردن 1.6 مليار دولار، وتونس 743 مليون دولار، كما تتفاوض دول أخرى للحصول على قروض من الصندوق، منها لبنان والعراق والسودان وربما الجزائر.
كما حصلت دول أخرى من خارج المنطقة على قروض ضخمة من الصندوق، في مقدمتها تشيلي، التي حصدت وحدها 23.93 مليار دولار، وبيرو 11 مليارا، وكولومبيا 10.8 مليارات، وأوكرانيا 5 مليارات، ونيجيريا 3.4 مليارات، وباكستان 1.38 مليار، وغانا 1 مليار، وساحل العاج 886 مليون دولار.
لكن الملاحظ أن تركيا، التي تعاني عملتها (الليرة) من تهاوي قيمتها مقابل الدولار، وتعاني من انخفاض احتياطيات البنك المركزي، وتراجع إيرادات النقد الأجنبي خاصة من قطاع السياحة جراء جائحة كورونا وما سببته من خسائر للاقتصاد، لم تكن من بين هذه الدول التي استنجدت بصندوق النقد الدولي، بل وتستبعد هذا الأمر، كما قال أردوغان في عدة مناسبات، حيث أكد مرارا أن تركيا طوت صفحة صندوق النقد في مايو/ أيار 2013 بلا رجعة، ولن تعود إليه مرة أخرى.
بل واعتبر أنه من الخيانة في تركيا أن نتحدث عن هذه المسألة التي من شأنها إعادتنا إلى وضع دول أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية"، وخاصة أن احتياطي البنك المركزي في وضع آمن، ويبلغ حاليا 105 مليارات دولار، وهو رقم يزيد بأكثر من ضعفين عن الرقم الذي تردده مؤسسات دولية ووكالات أنباء.
وعلى الرغم من أن هناك دولاً ومؤسسات غربية تضغط على تركيا وتشيع تهاوي احتياطي النقد الأجنبي لديها لدفعها مجددا إلى صندوق النقد لأسباب سياسية بحتة، إلا أن حكومة أردوغان ترفض ذلك بشدة، باعتبار أن رفض الاقتراض من الصندوق بات سياسة مستقرة لدى الدولة منذ أن سددت آخر ديونها له عام 2013، وتفاخرت بذلك أمام كل دول العالم، بل وتعتبر أن مقاطعة الصندوق واحدة من الإنجازات المهمة لحزب العدالة والتنمية.
كما أن الحكومة التركية تنظر لقروض الصندوق على أنها تكون مصحوبة بإملاءات وشروط مفروضة على على الدول المقترضة، وتتسبب في اغراق الاقتصاد والمواطن في وحل الاستدانة وتعويم العملة وزيادة الأسعار وتهاوي القوى الشرائية للمستهلك وفرض مزيد من الضرائب والرسوم وخفض دعم الوقود والمياه والكهرباء، وهي كلها إجراءات تضر بالطبقة الفقيرة وتدفع بملايين من المنتمين إلى الطبقة الوسطى إلى أتون الفقر.