عاد الحديث مرة أخرى إلى بحث احتمال تدخّل الجيش التركي في سورية، تحديداً بعد سيطرة قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني) على مدينة تل أبيض ذات الغالبية العربية، وبالتالي سيطرتها على جزء كبير من الحدود السورية التركية المشتركة، ووصل مناطق الإدارة الذاتية التابعة لها بين كانتون الجزيرة وكانتون عين العرب.
ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن احتمال تدخل تركي في سورية، لكن الوضع بات مختلفاً هذه المرة، لأن الأمر أصبح مسألة "أمن قومي"؛ بسبب تحوّل قوات "العمال" إلى لاعب مهم على الساحة السورية. وإذا كان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو حتى بقية القوى السلفية الجهادية كـ"جبهة النصرة" يشكّلون خطراً على أنقرة، إلا أن قتالهم لا يختلف عليه أحد، أما "العمال" وبجزئه حزب "الاتحاد" فقد استطاع كسب شرعية دولية، ولم يعد "منظمة إرهابية" إلا على الورق، بل بات يقوم الآن بمهمة دولية وبغطاء من الطيران الأميركي، في محاربة "داعش".
من جهته، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واضحاً تماماً، يوم الجمعة، حين قال "أخاطب أمتنا، والعالم أجمع: لن نسمح بإنشاء دولة في شمال سورية على حدودنا الجنوبية. أريد الجميع أن يعرف ذلك، سنمنع هذه الدولة مهما كان الثمن، ولن نغلق أعيننا عن التغيير الديموغرافي الحاصل في المنطقة".
وبدأ الحديث عن التدخل العسكري في سورية في الاجتماعات الحكومية الموسعة التي عُقدت الأسبوع الماضي، برئاسة أردوغان، على مدى يومين متتاليين، والذي حضره إضافة لرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وأعضاء الحكومة التركية، كل من قائد هيئة الأركان التركية الجنرال نجدت أوزال، وقائد القوات البرية الجنرال خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان أيضاً.
اقرأ أيضاً "حماية الشعب" الكردية: حليف يجمع ثقة واشنطن وطهران والأسد
وعلمت "العربي الجديد" بأن كلاً من "أردوغان وداود أوغلو، كانا يدفعان باتجاه تدخل تركي في محافظة حلب، تحديداً في منطقة جرابلس، لمنع تقدم القوات الكردية أكثر بحجة قتال داعش، وأيضاً لتأمين المنطقة العازلة ومنطقة حظر الطيران لدعم قوات المعارضة السورية المعتدلة، ولوقف تدفق المزيد من اللاجئين السوريين نحو الأراضي التركية، لكن ذلك لاقى اعتراضات من قبل وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو والقيادات العسكرية".
ويشير بعض المراقبين إلى أن "واشنطن نجحت تماماً في استدراج أنقرة للقيام بدور أكبر في التحالف الدولي ضد داعش، بعد حالة اليأس التي انتابتهم من إمكانية تحقيق أي تقدم على التنظيم، لغياب القوة العسكرية الفاعلة على الأرض والمقبولة إقليمياً". واعتبروا أنه "لذلك دعمت واشنطن الاتحاد الديمقراطي بداية في توسّع سيطرته في محافظة الحسكة السورية، ليبدأ بحملته في ريف الرقة في 21 مايو/أيار الماضي، والتي انتهت بالسيطرة على تل أبيض في 15 يونيو/حزيران الحالي، رغم إدراك الأميركيين تماماً ما قد يثيره دعم الاتحاد الديمقراطي لدى أنقرة من استنفار".
وفي ما يخص إيران، لا يبدو بأن هناك أي تغيير في الموقف الرسمي من التدخل في سورية. وأكد السفير الإيراني في أنقرة علي رضا بيكديلي، في تعليقه على تقارير الإعلام التركي الخاصة بالتدخل في سورية، بأن "أي انتهاك لسيادة أي دولة عضو في الأمم المتحدة، سيؤدي إلى تقويض القدرات التركية في الحفاظ على السلام والاستقرار في سورية". وأضاف "تم إثارة هذه القضية مرات عدة سابقاً، ونفت السلطات التركية هذه المزاعم".
وبعد أن أكد بأنه "سينفّذ قرار الحكومة أياً كان"، طالب الجنرال أوزال بـ"تأمين غطاء دولي سياسي وقانوني، لتبرير التدخل والتفاهم مع فصائل المعارضة السورية المتواجدة على الأرض"، بينما دعا الدبلوماسيين الذي حضروا الاجتماعات، إلى وجوب التشاور مع واشنطن والإيرانيين والروس قبل ذلك.
وعلمت "العربي الجديد" بأن "أوزال أكد في الاجتماعات الحكومية أن تشريع التدخل التركي في سورية، أو حتى تغطيته دولياً، يبدو أمراً سهلاً، إذ يكفي أن تؤكد أنقرة بأنها ستدخل لضرب داعش، حتى تنال دعماً دولياً". وأضاف أن "المعركة لن تكون سهلة مع تنظيم متمرس بحرب العصابات كداعش في مواجهة جيش نظامي، كما أن ذلك قد يعرض الداخل التركي إلى خطر العمليات الانتحارية الانتقامية التي سيشنها التنظيم، وقد يجعل الجيش التركي في مواجهة مباشرة مع قوات الاتحاد الديمقراطي، ويعيد تفجير الأوضاع في الداخل التركي، عبر استئناف العمال الكردستاني الحرب على أنقرة، والمتوقفة منذ نحو الثلاث السنوات".
كذلك أشار أوزال إلى أنه "بما أن النظام السوري تعاون مع داعش في مراحل عدة، فإن احتمال قيام الطيران التابع للنظام السوري بالهجوم على أهداف تركية أمر وارد لحماية داعش، لذلك لا بدّ من التفاهم مع الأسد، أو الأفضل مع أحد داعميه قبل التدخل"، في إشارة إلى إيران وروسيا.
وعلمت "العربي الجديد" بأنه "في حال إصرار الحكومة على التدخل في الأراضي السورية، فإن الجيش التركي قد جهز خطة لذلك، تقضي بالدخول إلى الأراضي السورية بعمق 10 كيلومترات من ناحية ريف حلب في مناطق سيطرة داعش، ومن ثم تأمين قوة نارية تكفي لحماية أكثر من 40 إلى 50 كيلومتراً أخرى في الأراضي السورية، لتكون منطقة آمنة للاجئين، وتمنع الاتحاد الديمقراطي من التفكير في التقدم أكثر من ذلك باتجاه مناطق سيطرته في منطقة عفرين في ريف حلب".
بطبيعة الحال، يبدو أمر التدخل التركي حالياً بقيادة حكومة إدارة أعمال أمراً مستبعداً، لحين تشكيل الحكومة الائتلافية، والتي باتت الأقرب إلى أن تكون تحالفاً كبيراً بين "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، خصوصاً أن ضمان مساندة حزب "الحركة القومية" لتدخل يحجّم "العمال" أمر محسوم. كما يلفت مراقبون إلى أن "أوزال يحاول تأجيل التدخل العسكري التركي، لحين إحالته إلى التقاعد في أغسطس/آب المقبل، كي يتفادى مسؤولية الحرب".
وبينما تغيّرت استراتيجية واشنطن في سورية بسبب الافتقاد لأي قوة عسكرية على الأرض يمكن الاعتماد عليها لقتال "داعش" من وجهة النظر الأميركية، خصوصاً أن برنامج تدريب قوات المعارضة السورية المعتدلة، ما زال في بدايته، بدا التوجه واضحاً نحو خطة تشبه تلك التي قامت بها في العراق، من حيث تأمين كيان كردي في الشمال، يشكل قاعدة متينة وحليفاً قوياً. غير أن ذلك يصطدم بدوره بالحسم الذي أبدته أنقرة بتصريحات أردوغان الأخيرة، التي أكد خلالها بأن "بلاده لن تسمح لسيناريو العراق أن يتكرر في سورية مهما كان الثمن، لتبقى خيارات الحكومة التركية مفتوحة تماماً".
اقرأ أيضاً: تقدّم ميلشيا "حماية الشعب" الكردية بسورية يثير استنفار تركيا